أعادت موجة الاعتقالات الجديدة داخل العائلة الحاكمة في السعودية هذه الأيام إلى الأذهان قضية الأمير سلمان بن عبد العزيز بن محمد آل سعود، المعتقل في بلاده رفقة والده منذ أكثر من سنتين، دون توجيه أي تهمة لهما.
وقالت مجلة لوبوان الفرنسية التي أثارت موضوع الأمير السجين ووالده، إن العلاقات الجيدة التي يتمتع بها الأمير سلمان مع زعماء العالم الغربي هي التي جلبت عليه غضب قريبه ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة بعد أن زار أميركا عشية الانتخابات الرئاسية الماضية وقابل السيناتور الديمقراطي آدم شيف، في وقت كان فيه ولي العهد يدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
وفي مقال بقلم أرمين عريفي، استعادت المجلة لوم سلمان، حاكم الرياض آنذاك والملك الحالي ولده محمد (17 عاما) المولع وقتها بألعاب الفيديو، أثناء إجازة لهما في جنوب فرنسا، على عدم اهتمامه بالدراسة، مقارنا إياه بابن عمه سلمان “انظر إلى ابن عمك. إنه مجتهد ويتعلم اللغات الأجنبية بدلا من قضاء وقته في الألعاب وتناول البيتزا”.
وكان سلمان الذي يكبر بن سلمان بأربع سنوات وقتها متميزا، وقد حصل على دكتوراه في القانون المقارن من جامعة السوربون، وهو يتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية، فيما كان محمد على النقيض منه مراهقا منعزلا لا يتقن الإنجليزية ولم يدرِ ما يدور خارج المملكة، حيث تخرج في قسم القانون بجامعة الملك سعود بالرياض، ويعيش باستمرار في كنف والده الذي يدين له بصعوده السريع وحرقه للمراحل في سلم السلطة.
لا تهمة
بعد 17 عاما من إجازة محمد بن سلمان مع والده في جنوب فرنسا، وفي الوقت الذي يقبع فيه ابن عمه اللامع الأمير سلمان في السجن منذ استدعائه له في جدة عام 2018 -كما يقول الكاتب- أصبح هذا الأمير أقوى رجل في السعودية، بعد تعيينه وليا للعهد والقائد الفعلي للمملكة الغنية بالنفط بدل والده الملك سلمان (84 عاما) المريض.
ولا يزال مصير الأمير سلمان (40 عاما) مجهولا، “بعد وضعه منذ عامين في سجن الحائر الشديد الحراسة جنوب الرياض، ثم نقله مع والده عبد العزيز إلى إحدى الممتلكات الخاصة، ويسمح لكل منهما بإجراء مكالمتين هاتفيتين وتلقي زيارة واحدة في الأسبوع، لكنهما لا يستطيعان الاتصال بمحام ولم توجه لهما أي تهمة رسمية”، حسب مقرب من الأمير.
وتساءل الكاتب كيف انتهى المطاف بهذا الأمير المثالي -حسب وصفه- سجينا عند محمد بن سلمان، بعد أن كان على رأس العديد من شركات النقل الخاصة ويمضي جزءا كبيرا من وقته في أوروبا، وخاصة في فرنسا حيث نسج شبكة علاقات واسعة مع السياسيين الفرنسيين، رغم أنه لم يكن مهتما على الإطلاق بالسياسة.
ويؤكد دبلوماسي غربي أن الأمير سلمان “حاول تقديم نفسه دون جدوى، كوسيط طبيعي بين الشركات الفرنسية والسعودية”، إلا أنه لم يكن له وزن في نظام بن سلمان لكونه ليس سليلا مباشرا لمؤسس المملكة.
وقد أثار هذا الأمير -حسب الكاتب- شكوك السلطات السعودية عندما ذهب إلى الولايات المتحدة في خضم الحملة الرئاسية الأميركية عام 2016، والتقى السيناتور الديمقراطي آدم شيف، في وقت كانت فيه الرياض تدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب وراء الكواليس، مما أدى إلى استدعائه للعودة إلى الرياض خلال 24 ساعة، ولكنه رفض ذلك.
ولذلك حدث سوء تفاهم مع السلطات التي ظنت أنه كان يسعى لدعم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، رغم أن الأمر لم يكن كذلك، لأن الأمير كان يناقش مع الكونغرس قضايا تتعلق بالتعليم والشباب، كما يقول مقرب من الأمير سلمان.
في هذه الأثناء، عزز وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية، واختارت واشنطن بن سلمان ليكون الرجل القوي في الرياض، في حين استقر في باريس الأمير سلمان الذي تربطه علاقات باردة بولي العهد، ولم يغامر بالعودة إلى بلاده.
ويقول أحد المقربين من الأمير سلمان إنه وولي العهد كانا صديقين ولكن بن سلمان كان يغار منه، لأنه كان معروفا في فرنسا دون أي منصب رسمي ولم ينتقد أي شخص، في حين لم يسمع أحد عن ولي العهد قبل توليه السلطة.
مكالمة هاتفية
وذات صباح في يوليو 2017، تلقى الأمير سلمان مكالمة هاتفية من المملكة، وكان على الطرف الآخر من الخط ابن عمه محمد بن سلمان، و”استمرت المحادثة ساعة وعشر دقائق، شجعه خلالها على العودة للبلاد وذكره بأنهم أبناء عمومة”، كان ذلك قبل أكثر من عام من اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في تركيا، وبالفعل كان بعض الأمراء المنتقدين للنظام الجديد قد استدرجوا للعودة، ولكن الأمير سلمان لم ينتبه للفخ، كما يقول قريبه، رغم أنه لم يكن يشكل أي خطر على بن سلمان.
كانت عودة الأمير سلمان إلى البلاد سلسة وتم استقباله مع عدد من الأمراء في القصر، والتقط صورة مع الملك وولي عهده، كما شرفه الملك بحضور زواجه مع إحدى بنات الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز الذي كان مقربا منه، حسب دبلوماسي غربي.
عملية تطهير
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 -كما يقول الكاتب- أظهر بن سلمان الجانب الأكثر قتامة من شخصيته، حين قام بعملية تطهير غير مسبوقة ضد عشرات الأمراء ورجال الأعمال، وحبسهم في فندق ريتز كارلتون الفاخر في الرياض، ليتم الإفراج عن معظمهم بعد الموافقة على “تسديد” مليارات الدولارات، مع أنه -كما قال دبلوماسي غربي- “سجن كل من انتقد أفعاله من العائلة، ووجه بذلك رسالة واضحة للعائلة بأكملها”.
وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، تم استدعاء الأمير سلمان إلى القصر الملكي ولم يعد بعدها، ولما أثار والده عبد العزيز المستشار السابق للملك فهد، خبر عدم عودته لدى معارفه في الخارج، تم اعتقاله هو الآخر في اليوم التالي، و”ليست للأمر علاقة بالمال. إنها الغيرة وخوف لا مبرر له من أن يقوم الأمير سلمان بانقلاب على ابن عمه”، كما يقول المصدر المقرب من القصر.
وعندما لم يجد إيلي حاتم، محامي الأمير سلمان ووالده ردا من السلطات السعودية، طلب مساعدة فرنسا التي كان يقيم فيها الأمير، وأبلغ رئيسها إيمانويل ماكرون بسجن سلمان ووالده عبد العزيز وطلب منه استجواب السلطات السعودية بشأنهما، مع العلم أن باريس لا تستطيع أن تفعل الكثير نظرا لأنهما لا يحملان الجنسية الفرنسية.
ورغم رد الرئاسة الفرنسية بأنها أخذت الموضوع في الحسبان وكلفت الخارجية بمتابعته، فقد مر عامان ولم تقدم الدبلوماسية الفرنسية أي أخبار للمحامي عن السجينين.