أعلنت مجموعة من السعوديين المقيمين في المنفى في دول منها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا تشكيل حزب سياسي معارض للنظام في المملكة العربية السعودية، ويكتسب هذا الإعلان أهمية لكونه يخرج على الطابع السرّي الذي ميّز قضية العمل السياسي المعارض في السعودية التي تمنع تشكيل الأحزاب.
يجد الباحث عن موضوع الأحزاب في السعودية الكثير من الأسماء، كالحركة الإسلامية للإصلاح التي أسسها سعد الفقيه، وتطرح إسقاط حكم العائلة السعودية وإنشاء نظام إسلامي يعتمد على الشورى، وتجد هذه الحركة جذورا لها في ما يسمى بحركة «الصحوة» وبعض الحركات الإسلامية كحزب التحرير و«تنظيم التجديد الإسلامي».
وكان إنشاء «لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» أحد مفاعيلها، وقد حُظِرت فور إعلان تأسيسها عام 1993، وأعلنت حينها أن هدفها «رفع الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان التي تقررها الشريعة» وطالبت المواطنين بالإبلاغ عن المظالم.
وبسبب طبيعتها الدينية فقد واجهتها السلطات بفتوى لعضو في هيئة كبار العلماء اعتبر تأسيسها «غير شرعي» وأنه «افتئات على ولي الأمر» وأنه «يؤدي إلى الفوضى» وتحركت السلطات الأمنية فاعتقلت عددا من أعضائها و12 أكاديميا من الداعمين لها.
هناك تجارب أخرى لحركات حاولت العمل في ظل السلطة السعودية، كما فعل حزب «الأمة الإسلامي» الذي سجن كل أعضائه، وهناك تجربة الإخوان المسلمين الذين عاشوا «حقبة تعايش» مع النظام في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وكانت حرب الخليج الثانية نقطة خلاف، وصولا إلى ما يشبه الحرب على التنظيم وإعلانه «جماعة إرهابية» بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وشن الإمارات، حليفة السعودية، حربا وجوديا عليهم.
إضافة إلى هذه الحركات ذات الطابع الديني الإسلامي، فقد ظهرت حركات أخرى ذات طابع شيعي، كما هو الحال مع «حزب الله الحجاز» كما تأثر مواطنو السعودية، مثل غيرهم في البلدان العربية، بالموجة القومية الكاسحة في نهاية خمسينيات القرن الماضي.
وكان أشهرها «حركة الأمراء الأحرار» التي أسسها طلال بن عبد العزيز آل سعود، وأمراء آخرون، نادوا بإنشاء حكم دستوري وبرلماني والمساواة بين الرجال والنساء وإلغاء العبودية، كما كان هناك منظمات شيوعية وانفصالية.
يسعى «حزب التجمع الوطني» (الذي يختصر بالانكليزية بـ NAAS) الذي يهدف حسب إعلانه، «إلى تأسيس المسار الديمقراطي كآلية للحكم في السعودية» محاولة للسير باتجاه الفكرة الوطنية، والتخفّف، بالتالي، من المحمول الدينيّ العامّ الذي ميّز أغلب التنظيمات السياسية السابقة، لكنّه يمثل أيضا نوعا من الربط مع الأهداف الديمقراطية والليبرالية التي نادت بها أغلب الاتجاهات السياسية في السعودية.
بتوقيت الإعلان مع اليوم الوطني التسعين للسعودية، الذي يؤرخ نشوء الدولة وتحويلها من «مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها» إلى «المملكة العربية السعودية» يعلن مؤسسو الحزب عمليّا التزامهم بوحدة البلاد وبوقوفهم مواقف إصلاحية لا تتطرف بمطلب الإطاحة بالنظام، بل تطالب بأهداف حقوقية وإنسانيّة صارت من بديهيات العالم المتمدن.
وقد أثبت هذا ضرورته بسرعة حيث أعلن حساب معتقلي الرأي دعمه وتبني أهدافه لأنها ستضمن «وقف الاعتقالات التعسفية» واعتبرت علياء الهذلول، شقيقة الناشطة السعودية السجينة لجين الهذلول الحزب «مبادرة رائعة» لأن «الساحة السياسية في السعودية ليست حكرا على محمد بن سلمان» كما أعلن ناشطون الترحيب بالحزب أو الانضمام إليه.
لم تعلق السلطات السعودية على الأمر فيما سارع آخرون بالتشكيك في إمكانية حدوث تغيير في المملكة، وهو أمر يدلّ ربما على وثوق هؤلاء في رسوخ قبضة سلطات المملكة في البطش السياسي والديني.
لكن الاستهانة بشجاعة مجموعة الأفراد الذين بادروا للإعلان عن خطوتهم لا تفيد في شيء فحتى رجال النظام المتمكنون لا ينكرون أن العالم تغيّر وأن صيغة احتكار السلطات كافّة، كما جرى في حقبة ولي العهد محمد بن سلمان التي نعيشها، هي صيغة فاشلة وغير قابلة للحياة.