تشهد أسعار النفط نزولا يعد الأول من نوعه منذ خمسة أشهر لتصل إلى نحو 95 دولارا للبرميل، بعد موافقة تحالف “أوبك+” في اجتماعه الأربعاء الماضي على زيادة طفيفة لإنتاج النفط بواقع 100 ألف برميل يوميا في أيلول/ سبتمبر المقبل.
ويثير ذلك تساؤلات إن كانت الزيادة الأخيرة من دول “أوبك+” ستكون كافية لدفع أسعار النفط إلى النزول أكثر، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، التي كانت من أسبابها جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وفرض عقوبات غربية على موسكو.
ويتناول التقرير تأثير الزيادة الجديدة على أسعار النفط، وقدرة الدول المنتجة على الزيادة، وإن كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حقق ما يريده من منظمة “أوبك” أم لا، بعد جولته الأخيرة إلى المنطقة التي تضمنت أكبر مصدر للنفط في العالم وهي السعودية.
هل حقق بايدن مبتغاه؟
وبعد زيادة “أوبك+” الإنتاج، قام الرئيس الأمريكي بنسب هذه النتيجة إلى نفسه كإحدى نتائج جولته التي قام بها مؤخرا إلى المنطقة، في محاولة منه للتأثير على أسعار النفط نزولا.
إلا أن خبير النفط العالمي، ممدوح سلامة، أوضح لـ”عربي21″، في قراءته لنسبة زيادة الإنتاج المعلنة، بأن الكمية التي أقرتها “أوبك+” لن تؤثر على الأسعار بشكل كبير.
وتابع بأن “العالم وبايدن يعلمان أن المنظمة لديها طاقة إنتاج قليلة جدا، والسعودية والإمارات تنتجان بكامل طاقتهما، ومنظمة أوبك لديها طاقة إنتاج إضافية بأقل من مليون برميل”.
واستدرك القول بأنه “مع ذلك، فإن المنظمة تريد أن تحتفظ بهذه الكمية، لأنه في حالة اختلال السوق العالمي سوف يتزايد الطلب على إمدادات النفط، وبالتالي سترتفع الأسعار”.
وأضاف المتخصص في الطاقة العالمية سلامة، أن “الزيادة تمثل نقطة في بحر استهلاك الاقتصاد الأمريكي، ولن تؤثر عليه، والاقتصاد الأمريكي يواجه انحسارا اقتصاديا وأزمة تضخم في الأسعار، يتجه إلى نحو 10%، وسيتم رفع الفائدة للحد من التضخم المالي”.
ووافق مدير مركز معلومات ودراسات الطاقة، مصطفى البزركان، على ما ذهب إليه سلامة، بالقول إنه “لا تأثير لهذه الزيادة على الاقتصاد الأمريكي مباشرة، خاصة حينما نتابع بأن العلاوة السعرية بين نفط برنت ونفط ويست تكساس تزداد، بما يؤكد اختلاف العوامل المؤثرة على استهلاك النفط في الولايات المتحدة”.
ولفت في حديثه إلى أن “علاقة الإدارة الأمريكية مع أوبك+ في عهد بايدن تغيرت، ولم تعد الطلبات الأمريكية مستجابة، إلا حسب متطلبات مصالح دول المنظمة، ولذلك قد يشعر الرئيس الأمريكي بخيبة أمل لتغير مواقف أوبك+ ومواقف السعودية”.
زيادة رمزية
وشدد البزركان، على أن “زيادة 100 ألف برميل يمكن اعتبارها زيادة رمزية، وهي بحد ذاتها لن يكون لها تأثير يذكر”.
وأوضح أن “قرار الزيادة يؤكد أن أوبك+ تتابع الأسواق عن كثب، وبإمكانها إقرار زيادة في إنتاجها حينما تعتقد أن هناك ضرورة تستوجب ذلك”.
“أوبك+ لن تنصاع”
وقال البزركان: “لا أعتقد أن الرياض حاولت إقناع موسكو بزيادة الإنتاج، لأن دول أوبك+ وفي مقدمتها السعودية، لا ترى حاجة لزيادة الإنتاج في ظل الظروف الاقتصادية الدولية الحالية”.
وتابع بأن “المنظمة بإمكانها إقرار زيادة الإنتاج حينما تعتقد أن ذلك مطلوب في أسواق النفط، وليس انصياعا لضغوط بايدن”.
وأضاف أن روسيا ليس لديها الإمكانية “منفردة” للتحكم في أسواق النفط في ظل عقوبات هي الأشد بتاريخ العالم، ولذلك، فإن تأثير روسيا أكبر على أسواق النفط ضمن تحالف أوبك+.
وأوضح أن “دول أوبك+ تتابع الأسواق عن كثب، ولديها الإمكانية لعقد اجتماعات استثنائية إلى جانب اجتماعاتها الشهرية، في حال تطلب تدخلها لزيادة إنتاجها في أسواق النفط”.
وأكد البزركان أن “أسواق النفط ستبقى تتذبذب صعودا ونزولا، باستمرار العوامل المؤثرة على تذبذب الطلب، ولكنها بالتأكيد لن ترتفع كما توقع البعض إلى 200 أو 300 دولار بسبب العقوبات على النفط الروسي”.
وأضاف أن “موسكو أوجدت أسواقا بديلة للأسواق الأوروبية، من خلال تقديمها خصومات كبيرة تصل إلى 30 دولارا للبرميل، ما أوجد مشترين للنفط الروسي”.
فيما لفت سلامة إلى أن “بايدن يعلم أن السعودية ليس لديها الإمكانية لرفع الإنتاج بأكثر مما تم الإعلان عنه، لكنه يريد من خلال مطالباته برفع الإنتاج أن يظهر لشعبه أنه يقوم بجهده بهذا الخصوص، ولكن السعودية وأوبك+ ترفضان ذلك”.
الموقف الروسي
وأوضح سلامة بأن موسكو والرياض هما الأساس في “أوبك+”، وتعاونهما ينعكس على قرارات المنظمة وقدرتهما على رفع الإنتاج أم لا.
وأضاف أن موسكو لم تمنع زيادة الإنتاج، بل تهتم بزيادته، لكي ترتفع حصتها في المنظمة.
وأشار إلى أن “الأسعار المرتفعة تزيد من دخل موسكو، كما أن الرياض لم تفشل في إقناع روسيا بزيادة الإنتاج، والأخيرة تعلم أن السعودية ليس لديها القدرة على رفع إنتاجها”.
وكان الموقف الرسمي الروسي المعلن على لسان نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، قبل اجتماع “أوبك+”، أيد فيه أنه “بإمكان بلاده زيادة إنتاج النفط في يوليو”، وهو الأمر الذي حصل بالفعل.
وذكر سلامة أن هناك أزمة عالمية لتوسيع إنتاج النفط حتى قبل حرب أوكرانيا، وهي سبب مشكلة الطاقة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي منذ كانون الثاني/ يناير 2021، لأن السوق العالمي متأزم وضيق، حيث كميات الإمداد محدودة، والطلب العالمي قوي جدا، ما سبب ارتفاعا في أسعار الطاقة.
وتوقع الخبير في النفط، مواصلة الارتفاع الحاصل في أسعار النفط خلال الخمس سنوات القادمة، لأن أي استثمارات عالمية في توسيع طاقة الإنتاج تحتاج لهذه المدة على الأقل.
يشار إلى أن دول “أوبك+” أقرت في اجتماعها الأخير، زيادة طفيفة في إنتاج النفط، للحد من الارتفاع العالمي لأسعاره، بلغت 100 ألف برميل يوميا، وسط ضغوطات أمريكية لضخ المزيد من الخام.
ووفقا للبيان النهائي للمنظمة، فإن حصتي روسيا والسعودية من الزيادة الأخيرة جاءت 26 ألف برميل في اليوم لكل منهما.
وستعقد “أوبك+” اجتماعها القادم في 5 أيلول/ سبتمبر المقبل لبحث الأوضاع في سوق النفط واستراتيجية الإنتاج لإدخال تعديلات على الخطة إذا دعت الحاجة.