قررت الولايات المتحدة سحب منظومة باتريوت المضادة للصواريخ من السعودية كجزء من عملية أوسع لتقليص وجودها العسكري في المملكة الذي كان يهدف إلى ردع إيران. وبينما وصف الجيش الأمريكي الخطوة بأنها جزء من انسحاب مخطط له كون إيران باتت تشكل تهديدا أقل، إلا أن توقيتها أثار جدلا كبيرا.
بشكل عام، شددت إدارة “ترامب” وخاصة وزير الخارجية “مايك بومبيو” مرارا وتكرارا على الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الإقليمي. لكن يبدو أن هذه الخطوة تمثل اعترافا مفاجئا بأن الجمهورية الإسلامية أقل تهديدا مما تم تصويره سابقا على أنه يقوض الحالة التي أثارها صقور مثل “بومبيو” والممثل الخاص “بريان هوك”، بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على موقف يقظ و ضرورة الهجوم الاستباقي لردع الأعمال العسكرية الإيرانية.
لا تزال التوترات بين إيران والولايات المتحدة عالية، وهذا هو السبب في أن تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في السعودية قد أثار تكهنات بين المراقبين. بالنظر إلى النهج الذي يتبعه “ترامب” في صنع السياسات وميله إلى الظهور، فإن التأكيد على أن الهدف من القرار هو الحاجة إلى صيانة نظام “باتريوت” يبدو غير مقنعا.
وأحد تفسيرات الخطوة هو رغبة إدارة “ترامب” في تذكير السعودية بأن تمتعها بالأمن الذي تضمنه الولايات المتحدة يعتمد على التزامها بتفضيلات أسعار النفط الأمريكية.
وكشفت “رويترز” أن ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وافق على خفض إنتاج النفط السعودي بعد اتصال مع “ترامب” الذي قال إنه لن يتمكن من منع مشروع قانون يعاقب السعودية من قبل ممثلي الولايات المنتجة للنفط في الكونجرس، ومعظمهم من الجمهوريين. ورغم موافقة “بن سلمان” على خفض الإنتاج، شعر “ترامب” أن ولي العهد سيستفيد من التذكير باعتماد مملكته على المظلة العسكرية الأمريكية.
استخدم “ترامب” قبل يومين حق النقض للمرة السابعة في رئاسته ضد مشروع قانون من الحزبين كان يلزمه بالحصول على موافقة الكونجرس قبل شن عمل عسكري ضد إيران. وقد يعمل تقليص الوجود العسكري الأمريكي في السعودية على طمأنة أعضاء الكونجرس، وخاصة حلفاء “ترامب” من الحزب الجمهوري، أنهم لا يحتاجون إلى الخوف من حربه ضد إيران.
أحد التفسيرات الأخرى لقرار تخفيض القدرات العسكرية الأمريكية في السعودية يتبنى وجهة النظر المعاكسة. فربما يقصد “ترامب” إغراء الإيرانيين للقيام بعمل عسكري يبرر استجابة أكثر قوة من الولايات المتحدة.
فقد تم تعزيز القوات الأمريكية في السعودية ردا على الهجمات على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/أيلول 2019 والتي ألقت الرياض وواشنطن باللوم فيها على إيران. ومع ذلك، تجنبت إيران بشكل عام التصعيد، حتى بعد مقتل “قاسم سليماني” في أوائل يناير/كانون الثاني، بالرغم من الاستفزازات الإيرانية في مياه الخليج.
ينظر صقور داخل البيت الأبيض إلى النظام الإيراني على أنه ضعيف وقريب من الانهيار، وقد يأملون في أن يؤدي خفض القوات الأمريكية إلى إغراء طهران في تحركات أكثر عدوانية من شأنها أن تبرر الرد العسكري الأمريكي المخيف.
ويرحب كثيرون في الولايات المتحدة بتخفيض الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وخاصة في السعودية. ومع ذلك، وبالنظر إلى سجل هذه الإدارة الحافل بالعداء تجاه إيران ونهجها في التعامل حتى مع أقرب شركائها الأمنيين، فليس من المستغرب أن يثير توقيت الخطوة تكهنات كبيرة.