مضاوي الرشيد
كانت مقابلة ولي العهد محمد بن سلمان مع قناة روتانا التلفزيونية المملوكة للدولة يوم الثلاثاء أشبه بالمحاولة اليائسة لإنعاش الاهتمام برؤية 2030، تلك المحاولة الطموحة جدا لتنويع الاقتصاد السعودي وتحديث البلد، بعد مرور خمس سنين على إطلاقها.
ففي ضوء الإخفاق في إنهاء الاعتماد السعودي على النفط، الذي كان من المقرر أن يتحقق في عام 2020، ناهيك عن الوعود بالتعجيل بخصخصة وتنويع الاقتصاد، والسعودة، وما صاحب ذلك من فرض ضرائب جديدة في عام 2018، وتوقيف الكثير من أوجه دعم الدولة للمواطنين وارتفاع معدلات البطالة، كل ذلك اضطر الأمير إلى التركيز على ما يبدو أنه جمهور محلي ساخط.
وكان الأمير في الماضي قد سعى إلى التواصل مع الإعلام الدولي للترويج لإصلاحاته الاقتصادية. أما الآن، فربما لا يخطر ببال أي من وسائل الإعلام العالمية الناطقة بالإنجليزية استضافته بعد تفجر سلسلة من الفضائح، التي كان منها جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فقرر الأمير التواصل مع الجمهور السعودي، إذ لا بد أنه يشعر بتذمرهم وسخطهم؛ بسبب الإخفاق في الوفاء بالكثير من وعود رؤية 2030.
هيمنت على مقابلة الأمير العديد من المواضيع، في وقت يشعر السعوديون فيه بشكل عام، خاصة داخل القطاع الخاص المحلي، بالقلق على معيشتهم؛ ففرض ضريبة القيمة المضافة الجديدة، وتعليق دعم الدولة للسلع، وارتفاع فواتير الخدمات والوقود، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 14.9 بالمئة في الربع الثالث من عام 2020، كل ذلك دفع السعوديين إلى التشكيك في الوعود الكبيرة التي تضمنتها رؤية 2030.
غلو قومي
أكد ولي العهد للسعوديين بأنه طالما أن خمسين بالمئة من السكان سيكونون من العمال الأجانب، فإن معظم عبء ضريبة القيمة المضافة سيقع على أكتفاهم، وبذلك سيضطرون إلى إنفاق بعض ما يجنونه من مال داخل البلد. مثل هذا الغلو القومي قد يحلو في نظر السعوديين العاديين في أوقات الشدة والصعوبات المالية، لكنه سوف يجعل الأجانب يترددون في المجيء إلى البلد؛ لأنهم سيصبحون سكانا مثقلين بالأعباء الضريبية.
يشعر رجال الأعمال المحليون، الذين كانوا في الماضي يعتمدون على عقود الدولة لتوفير الخدمات، بالقلق بسبب التقليص في الميزانية وفرض الضرائب، وما يتعرضون له من حين لآخر من مصادرة لأملاكهم تحت ذريعة محاربة الفساد؛ فمنذ الحملة سيئة السمعة التي شنت على الفساد في عام 2017 في فندق ريتز كارلتون، والنخبة المالية في السعودية تشعر بالإقصاء، ومن هنا يأتي إصرار محمد بن سلمان الآن على رغبته في أن يجعل منهم ركنا من أركان الإنعاش الاقتصادي الجديد في السعودية.
لربما يكون ولي العهد قد تخلى عن مساعيه لجذب الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير، وقرر أن يلجأ بدلا من ذلك إلى حلب العائلات التجارية المحلية. وسنرى فيما إذا كانوا سيسارعون إلى نجدة الأمير ورؤيته، وإن كان تعاونهم يتطلب توفير ضمانات أمنية بدلا من مجرد استثارة الحمية الوطنية فيهم ليتحملوا مسؤولية حماية الأمير عندما تتعثر إصلاحاته الاقتصادية.
على الرغم من أن المقابلة أجريت معه باللغة العربية، إلا أنها كانت من حين لآخر تتضمن مفردات إنجليزية، لإضفاء صفة العربيزي على الأمير الأيقونة، حيث إن العربيزي باتت لغة الشباب العربي المتغرب. لقد استغل محمد بن سلمان إلى أقصى درجة “قانون العرض والطلب”، حين أكد للسعوديين أن نفطهم سيظل ذا قيمة بالنسبة للاقتصاد العالمي، حتى لو تراجع الطلب بشكل حاد وتحولت البلدان الصناعية إلى مصادر الطاقة النظيفة.
ولما كان يدرك بأن معظم المواطنين السعوديين لا يحظون بسكن مناسب، فقد قضى وقتا طويلا في الحديث عن وعود ومبادرات حكومية جديدة تسمح لهم بإيجاد مساكن آمنة داخل المملكة الصحراوية.
وذكر ولي العهد السعوديين أنه كان ثريا قبل أن يدخل الحكومة، لكنه مع ذلك يتعاطف مع السعوديين الفقراء الذين يعانون تحت وطأة الضغوط المالية المختلفة -وهي بادرة تضامن لطيفة من الأمير الملياردير الذي اشترى قاربا وقصرا ولوحة يظن أنها لوحة “مخلص العالم”- وقد تكون مزورة، علما بأنها أخفقت في أن تجد لها موقعا إلى جانب لوحة الموناليزا في متحف اللوفر الفرنسي، وتمخضت عن ذلك فضيحة في الأوساط الفنية.
بينما قد تكون بعض هذه الأشياء قد اشتريت من قبل صندوق الاستثمار العام، في ظل حكمه الدكتاتوري، فقد لا يطول الزمن قبل أن تتعرض ثروة ذلك الصندوق للنهب.
آلية تحكم
بدلا من إيجاد بنية تحتية لدعم التنمية الاقتصادية المتساوية في مختلف أرجاء البلاد الشاسعة، يريد الأمير أن يجعل من العاصمة الرياض مقر حكم أسلافه، والمكان الذي كان الملك سلمان حاكما له لما يقرب من نصف قرن المدينة التي يتركز فيها معظم السكان في المستقبل، علما بأن تعدادها السكاني الحالي يقترب من 7.5 مليون نسمة.
من المثير للاهتمام معرفة كيف سيوفر الأمير مياه الشرب للمدينة بعد توسيعها سكانيا، وكيف سيقيم بنية تحتية تعليمية وصحية مناسبة فيما لو تمكن من إغراء معظم السعوديين بالعيش داخل العاصمة.
تنم فكرة توسيع الرياض ونقل السكان التي يتصورها عن خديعة ما، ولربما كان يقصد من ذلك أن تصبح الية للتحكم تسمح للأمير بمراقبة البلد والتحكم بها بسهولة، تاركا المدن والمناطق الأخرى لتتساقط وتتلاشى. لو مضى الأمير بهذا المشروع فإنه يلعب بالنار؛ لأن من شأن ذلك أن يطلق شرارة حركات انفصالية، ويشعل فتيل السخط في المناطق النائية التي ستتحول إلى مراكز يتوالد فيها التطرف.
لربما يكون قد تخلى عن المناطق النائية في الشمال والجنوب، ويتوقع منها أن تبقى متصلة بالمملكة اسميا فقط. من الملاحظ أن الحجاز والأهمية الاقتصادية لميناء جدة تاريخيا تم التجاوز عنها في المقابلة، التي لم يرد فيها أي ذكر للحج إلى مكة والمدينة.
تم التطرق بإيجاز إلى التطرف الديني في آخر المقابلة فقط للإصرار على أن القرآن والسنة هما دستور المملكة العربية السعودية. وفي لحظة عابرة بدا مهمشا لمكانة مؤسس الحركة الوهابية، محمد بن عبد الوهاب، باعتباره شخصية غير ذي شأن في المملكة العربية السعودية الجديدة. وأكد الأمير لأتباع محمد بن عبد الوهاب بأن الداعية لم يكن ليسعده في مرقده أن يستمر السعوديون في تقديسه.
وصل سقوط النخبة الدينية من آل الشيخ، الأوصياء تاريخيا على الحركة الوهابية وتحالفها مع الدولة السعودية، إلى قعر غير مسبوق عندما عين الأمير نديمه تركي الشيخ، حفيد الداعية الوهابي الذي كان يعمل مع عبد العزيز بن سعود، في منصب المسؤول عن قطاع الترفيه ثم بعد ذلك مسؤولا عن مبادراته الرياضية.
بعد أن كانوا لما يزيد على قرنين من الزمن أركان التفسير السعودي المتطرف للدين، بات أمام آل الشيخ الآن خياران، إما أن يتلاشوا أو يتحولوا إلى أركان التحرر الاجتماعي. في نهاية المطاف تم حشرهم في الزاوية حتى يقبلوا بالخيار الثاني بديلا عن التنحي الدائم.
القرب الإقليمي
لربما شعر حلفاء السعودية الغربيون، وبشكل خاص الولايات المتحدة، بالذعر عندما سمعوا محمد بن سلمان يقول إنه ينوي تطوير علاقات وثيقة مع كل من روسيا والصين. ولقد بدا متفائلا حينما ذكر أنه يتفق مع إدارة الرئيس الأمريكي بايدن على تسعين بالمئة من القضايا المشتركة.
ورد ذكر إيران واليمن بإيجاز وبعبارات مبتذلة أخفقت في توضيح موقفه من المشاكل القائمة مع إيران، رغم أنه أثار مسألة القرب الإقليمي والمصالح المشتركة والتعاون.
من الواضح أن استعراض الأمير إنما كان موجها للاستهلاك المحلي، ولقد ترك كثيرا من السعوديين بأسئلة لم يتم الإجابة عنها، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بتحقيق الإنعاش الاقتصادي الحقيقي، ومعاناة المساجين السياسيين، والإصلاحات السياسية العامة التي قد تشتمل يوما ما على آليات صناعة القرار، مثل انتخاب برلمان وطني والمزيد من حرية التعبير وحرية التجمع.
أكدت المقابلة على عدم تسييس المواطنين، إذ يستمر تصوير السعوديين على أنهم المتلقون لعطايا الدولة دون أي طموحات سياسية على الإطلاق. في أثناء ذلك سوف يتساءل كثيرون عما إذا كان ولي العهد قد بدأ يعاني من مشاكل صحية مثل تقلصات في الرقبة أو مرض باركنسون، لأنه بدا غير قادر طوال المقابلة على السيطرة على عضلات وجهه.
ولكن قد يكون ذلك ناجما عن توتر بسبب إحساسه بأنه الملك الابن الذي يقود البلاد في فترة عصيبة وظروف غامضة.