قال الصحفي الإسرائيلي “تسفي برئيل” إن القمة الخليجية التي عُقدت الثلاثاء في مدينة العلا السعودية كانت تاريخية، مؤكدا أن توقيع اتفاق المصالحة بصيغته الحالية يعد إقرارا بفشل السعودية في تحويل قطر إلى دولة تابعة مثل البحرين.
وأضاف في مقاله المنشور بصحيفة “هآرتس” أن قرار المملكة فتح الحدود البرية والمجال الجوي أمام قطر يعد “اختراقا تاريخيا”.
وليس واضحاً ما هي التنازلات المتبادلة بين السعودية وقطر التي مكنت من التوصل إلى هذا الاتفاق الأولي، باستثناء موافقة السعودية على إسقاط طلب إغلاق قناة “الجزيرة”، واستعداد قطر لإلغاء مطالباتها بتعويضات تقدر بـ5 مليارات دولار من الدول المقاطعة.
وقال “برئيل” إنه رغم كون الحديث يدور للوهلة الأولى عن اتفاق بين السعودية وقطر فقط، فإن الراجح هو أن الإمارات والبحرين ومصر سينضمون إلى الاتفاق في أعقاب السعودية.
مغامرة “بن سلمان” الأولى
ونوه الصحفي الإسرائيلي إلى أن حصار قطر في يونيو/حزيران عام 2017 كان أحد نشاطات “بن سلمان” الأولى كحاكم فعلي للمملكة، حيث حصل في الشهر نفسه على منصب ولاية العهد.
وبعد 5 أشهر على ذلك، فاجأ المملكة والعالم عندما اعتقل عشرات من أرباب المال السعوديين، ومن بينهم أمراء من العائلة المالكة، وأجبرهم على أن يدفعوا لخزينة الدولة مليارات الدولارات كجزء من حملته ضد الفساد.
وأشار “برئيل” إلى أن “بن سلمان” كان على ثقة من أنه سينجح خلال فترة قصيرة في لي ذراع حاكم قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، الذي تولى منصبه قبل 4 سنوات من ذلك في عملية نقل استثنائية للسلطة من والده.
وقد حاول “بن سلمان” في البداية تصدير حصار قطر بوصفه عملية مشتركة لجميع دول الخليج، لكنه نجح في تجنيد البحرين والإمارات فقط إلى جانبه (بالإضافة إلى مصر)، في حين بقيت الكويت وسلطنة عمان على الحياد.
وضعت السعودية والدول المحاصرة 13 مطلبا أمام قطر، وطالبت بتحقيقها بالكامل كشرط أساسي لرفع الحصار
وشملت هذه المطالب قيام الدوحة بقطع، أو على الأقل تقليص، علاقتها مع إيران والكف عن دعم “الإخوان المسلمون” و”حماس”، وتسليم السعودية ناشطي هذه التنظيمات وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها، ووقف نشاط قناة “الجزيرة”، فضلا عن دفع تعويضات للدول المحاصرة والموافقة على رقابة مشددة على تنفيذ هذه الشروط.
ووفقا لـ”برئيل”، كانت هذه المطالب تعني فعليا “تحويل قطر إلى دولة تابعة، بمكانة مثل مكانة البحرين”، لكن الحصار المفروض على الدوحة فشل في ردع حكامها، بل إنه أدى في الواقع إلى نتائج مختلفة تماما.
نتائج عكسية
وفور فرض العقوبات على قطر، هبت إيران وتركيا لمساعدتها، فأقامت تركيا جسرا جويا ضخما وفر السلع الأساسية لقطر، وأصبحت إيران دولة عبور جوي وبحري للدوحة، في حين غيرت واشنطن موقفها المبدئي وأثنت على الدوحة كشريك مهم في مكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى الاقتصادي، نجحت قطر بسرعة نسبية في التكيف مع الأوضاع الجديدة، وبدأت في إنشاء مصانع محلية لإنتاج السلع الاستهلاكية، وضخت نحو 40 مليار دولار في البنوك لتغطية الفجوة في الودائع. وبدلا من أن ينكمش الاقتصاد القطري، فإنه حقق نموا بنسبة 2.8% في 2018.
ليس ذلك فحسب، بل إن الدوحة تعهدت باستثمار نحو 15 مليار دولار في تركيا كنوع من رد الجميل للدور الذي لعبته أنقرة بعد الحصار، واستمرت قطر في توسيع محافظها الاستثمارية حول العالم وكأن شيئا لم يكن، ونجحت في الالتزام بالجدول الزمني لاستعدادات استضافة كأس العالم في 2022.
وفي المقابل، وفقا لـ”برئيل”، تحولت السعودية خلال سنوات الحصار الثلاث إلى دولة غير مرغوب فيها لدى الولايات المتحدة وأوروبا، وتسببت واقعة مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في وسم ولى العهد السعودي كشخصية وحشية وخطيرة، وتطورت حربه في اليمن إلى مستنقع عسكري وسياسي.
والآن، مع اقتراب دخول “بايدن” البيت الأبيض، باتت السعودية هي المهددة بفرض العقوبات عليها.
وحتى التحالف الذي تقوده المملكة ضد إيران يبدو أن انهار بشكل فعلي. فالإمارات انسحبت من اليمن، ووقعت على اتفاقات للتعاون الاقتصادي والأمني مع النظام الإيراني، وسلطنة عمان تواصل التزام الحياد كجزء من تراثها السياسي، والآن يأتي “التهديد الأكبر” مع تلويح “بايدن” بإمكانية العودة إلى الاتفاق النووي.
إعادة التأهيل
ووفقا لـ”برئيل” فإنها السعودية تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات لإعادة تأهيل نفسها في واشنطن ومواجهة الصعوبات الاقتصادية الداخلية.
ويضيف الصحفي العبري قائلا إن “المصالحة مع قطر هي الثمن الباهظ الذي سيضطر بن سلمان إلى دفعه لتقليل الأضرار الجانبية والمضي قدما”.
ويستطرد “برئيل” مؤكدا إن “مصر والإمارات لم تكونا مسرورتين من هذه الاختراقة لأسباب خاصة بكل منهما”، لكن الدرس الأهم من هذه التجربة هو أن نجاح دولة صغيرة وغنية في أن تهز تحالفاً عربيا متماسكا، يوضح بشكل قاطع فشل نظرية التكتلات في الشرق الأوسط.