أثار الحكم على الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة “لجين الهذلول”، بعد 950 يوما من الاحتجاز، انتقادات ساخرة وتنهدات بالارتياح من المعلقين الدوليين، حيث أدانتها محكمة سعودية بتهمة “الإرهاب”، لكنها حكمت عليها بالسجن 5 أعوام و8 أشهر فقط، وهي مدة أقل بكثير من الـ 20 عاما التي سعى إليها الادعاء.
ومع الوقت الذي قضته، ووقف تنفيذ نصف مدة الحكم، فإن “لجين” يمكن أن تغادر السجن في أوائل عام 2021، بالرغم من أنها ستظل خاضعة لحظر سفر لمدة 5 أعوام.
وقد تأمل كل من الحكومة السعودية وإدارة “جو بايدن” القادمة، أن يكون الإفراج عنها إجراءً لحفظ ماء الوجه لتجنب المواجهة المبكرة، بالنظر إلى وعود “بايدن” القاطعة بمعاقبة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” ومعاملته باعتباره “منبوذا”، وإنهاء مبيعات الأسلحة التي ساهمت في تفاقم جرائم الحرب السعودية في اليمن.
لكن الانتهاكات اللامحدودة من “بن سلمان”، بما في ذلك اعتقال واحتجاز العشرات من النشطاء مثل “الهذلول”، بمن فيهم المواطن الأمريكي “وليد فتيحي”، فضلا عن القصف الجوي المستمر لليمن، سيجعل هذا الأمر صعبا إن لم يكن مستحيلا. ولن تتمكن إدارة “بايدن” من تجنب اختبار حقيقي ومبكر لما يعنيه التزامها بخطابها حول “الوقوف ضد انتهاكات حقوق الإنسان”.
وحتى بعد حصولها على حكم مخفف نسبيا، طالبت “لجين” بالاستئناف وإجراء تحقيق جديد في وقائع التعذيب والاعتداء الجنسي من قبل سجانيها.
وقد عمل النشطاء، مثل “لجين”، لأعوام على تمهيد الطريق للتغيير في بلدهم، لكن الجو أصبح أكثر خطورة بشكل كبير عندما تولى “بن سلمان” السلطة. ويعتبر ولي العهد أي معارضة أو نقد أو استقلال سياسي أو اجتماعي في البلاد تهديدا يجب سحقه والقضاء عليه. لذا فقد افتتح حكمه باعتقال وتعذيب واحتجاز وحتى قتل مئات النشطاء ورجال الدين والعلماء والصحفيين ورجال الأعمال.
ولم يسلم حتى أفراد العائلة المالكة؛ فقد قام ولي العهد بسجن وفرض الإقامة الجبرية بحق الأبرز والأقوى بينهم، بمن فيهم ولي العهد السابق وحليف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ فترة طويلة “محمد بن نايف”، والأمراء “أحمد بن عبد العزيز” و”فيصل بن عبدالله” و”تركي بن عبدالله”.
وكذلك تعقب “بن سلمان” المعارضين خارج المملكة وطاردهم، وكانت ذروة الأمر حين أمر باختطاف الصحفي “جمال خاشقجي”، وكذلك المستشار الملكي السابق “سعد الجبري” والصحفية “غادة عويس”. ويواجه ولي العهد الآن 3 دعاوى قضائية في محاكم المقاطعات الفيدرالية الأمريكية نتيجة لذلك.
وأرسلت وزارة الخارجية الأمريكية إلى محامي “الجبري” بريدا الشهر الماضي يسألون فيه عن آرائه بشأن طلب “بن سلمان” في أكتوبر/تشرين الأول 2020 للحصول على حصانة في قضية “الجبري”، وهو مؤشر على أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” كان يفكر في الموافقة على الطلب.
ومن الواضح أن “بن سلمان” يأمل في أن تمتد أي حصانة يحصل عليها في قضية “الجبري” إلى الدعاوى القضائية الأخرى، وأن تنتهي معاناته القانونية في المحاكم الفيدرالية الأمريكية. وفي هذه الأثناء، أعلن “ترامب” أنه أمر بتسريع عمليات نقل أسلحة إلى المملكة بقيمة 500 مليون دولار.
وذكرت “ميسي رايان” من صحيفة “واشنطن بوست” أن إدارة “ترامب” وافقت على بيع أسلحة أخرى للسعودية بقيمة 250 مليون دولار من ذخيرة “جي بي يو-39” من “بوينج”. وهذه العملية هي تحويل من حكومة إلى حكومة، وليست صفقة تجارية مثل سابقتها.
وما تريده إدارة “ترامب” حقا من السعودية في هذه الهدايا السخية الأخيرة، بالطبع هو أن يقوم “بن سلمان” بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل مغادرة “ترامب” لمنصبه، بحسب محللين.
وإذا قامت السعودية بالتطبيع، أو وعدت بالتطبيع، فستجد إدارة “بايدن” نفسها تحت ضغط أكبر للحفاظ على العمل كالمعتاد مع المملكة. وعلاوة على ضغوط صناعة الدفاع الأمريكية التي تنتظر مليارات أخرى من مبيعات الأسلحة، فإن الضغط سيتجسد في “استرضاء” السعوديين ثمنا للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
وفي الواقع، سوف تجد إدارة “بايدن” إسرائيل واللوبي الإسرائيلي يقاتلان بقوة ضد أي إجراءات صارمة ضد المملكة. وقد تجلى ذلك مؤخرا في أعقاب اتفاقيات التطبيع، حيث ضغط اللوبي الإسرائيلي بشدة لرفض مشاريع القوانين التي عارضت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، شريك “بن سلمان” في جرائم الحرب.
ويعتبر الاختبار الأول الذي ستواجهه إدارة “بايدن” لإثبات التزامها بوعودها تجاه السعودية، هو الاستجابة للمطالب بالإفراج عن تقرير الاستخبارات الوطنية حول مقتل “خاشقجي” وأدلة وكالة الاستخبارات المركزية التي أدت بها إلى استنتاج أن “بن سلمان” أمر بقتل “خاشقجي”.
وأعلن السيناتور “وايدن” بالفعل أنه سوف يستجوب “أفريل هينز”، مرشح “بايدن” لرئاسة الاستخبارات الوطنية، حول هذا الأمر خلال جلسات الاستماع الخاصة، في وقت مبكر من يناير/كانون الثاني.
ومن شأن الإفراج عن التقرير، الذي يقدم دليلا على الدور المباشر لـ “بن سلمان” في جريمة القتل، أن يضع “بايدن” في مأزق أكبر للوفاء بوعوده وإنهاء مبيعات الأسلحة إلى الرياض.
والحقيقة هي أن الدعم العسكري والدبلوماسي للسعودية، بما في ذلك وجود القوات الأمريكية في المملكة، ومبيعات الأسلحة بالمليارات، والتعاون الاستخباراتي، والمساعدة في الاستهداف في حرب اليمن، فضلا عن الحماية الدبلوماسية من العزلة الدولية رغم سجلها الحقوقي الرهيب، يجعل أمريكا متورطة بشكل كامل.
والأهم من ذلك أن الوضع الحالي يجعل الأمريكيين مشاركين في انتهاكات ولي العهد، ويورط الولايات المتحدة في أجندته الكارثية والإجرامية في جميع أنحاء المنطقة. وتتمتع إدارة “بايدن” بالخبرة الكافية لفهم طريقة عمل “بن سلمان”، لكنها تحتاج فقط إلى الدعم والشجاعة للتصرف وفقا لمعتقداتها.