بقلم/ ترف عبد الكريم
في هذه البلاد التي اتسم حكمها بالقمع وتكميم الأفواه، لا يمكن لحاكمها أن يسمح لغيره من أفراد الشعب أن يؤسس منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان، هو فقط من يقوم بذلك من خلال ربطه تلك المنظمة المعنية بحقوق الإنسان شكلاً به.
وهذا الشيء تم ترجمته بالفعل الإجرامي الذي جاء بعد ما قام أبو الإصلاحيين عبدالله الحامد بإنشاء أول عمل حقوقي مدني في عام 1992 (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية) فتم على إثرها العديد من الاعتقالات التعسفية والانتهاكات ما يقارب الست مرات تقريبًا، ومن ضمن تلك الانتهاكات تعرضه للتعذيب الشديد حتى فقد سمعه في إحدى أذنيه نتيجة الضرب المتكرر على وجهه، ومؤخرًا كانت ثمة توصيات طبية بشأن حالته الصحية، ولكن تم تجاهل ذلك وتعمد إهمال صحته، حتى أُصيب بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة، حتى توفي في العناية المركزة في 23 أبريل 2020، إذ حلّ علينا نبأ وفاته كالصاعقة والسلطات هي من تتحمل تلك الجريمة المتعمدة.
رحل المناضل الأبيّ عبدالله الحامد وترك لنا عدة مؤلفات منها “حقوق الإنسان في الإسلام” الذي وردت فيه جملة جعلتهم يحققون معه ويسألونه عنها وهي” لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام” وكتاب “حقوق الإنسان بين عدل الإسلام وجور الحكام” و “في الشعر المعاصر في المملكة العربية السعودية” .
كلمات معدودة لا توفيه حقه عن الحديث عما حقق من إنجازات حتى بعد رحيله، أهمها ازدياد أعداد المتأثرين به.
وها هو أحد فرسان الحرية قد رحل بعد ما قال “لا تنال حرية ولا كرامة ولا حفاظ على دين ولا استقامة ولا حفاظ على عرين دون دفع الغالي والثمين، السجن ميدان سلام الجهاد والموت فيه استشهاد” وقد دفع الثمن غاليًا ولن يذهب سدى.
وهنا لا بد من وقفة إجلال بعد ذكرى وفاته الأولى مشاعر وكلمات تتدافع ودمعة مازالت حارة .. حائرة.. ممتزجة بالغيظ والقهر وكأنها حادثة حصلت للتو من فرط ألمها والظلم الذي لازمها.
الموت هو نفسه الموت في كل مكان وزمان ولكن قد يصبح وقعه مدويًّا عندما يُغتال رمز الحرية وشمعة الإصلاح، عندما يُنكل به وكأنها رسالة لمن سيسلك ذات الطريق أن هذا كبيركم العزيز أذقناه أصناف العذاب فكيف بكم أنتم؟! متناسين أن الفكرة تنمو وتكبر وتمهد لها طريقاً لتستقر في أذهان مريديه، ولا يكتفي أصحابها بالوقوف والنعي بل بالعمل وإحياء ذكراه الذي لا يمكن أن يفنى.
ثمة التاريخ الذي لن يترك له الشهود من فرصة لتشويهه، وثمة التغيير القادم الذي سيقدمه للأجيال كسيرة لمناضل شرس لم ينحني للمستبد حين حاول ترهيبه وشن الحروب الجائرة عليه، و ستناقش أفكاره و سيصدع باسمه من كان يخشى ذلك اليوم، وسُيقدم له اعتذارا على ما تعرض له ومرّ به.