وسط أنباء عن تقارب سعودي إيراني محتمل، حظيت التقارير الإعلامية بشأن زيارة يجريها وفد استخبارات سعودي إلى دمشق بتغطية كبيرة.
فقد أثارت معلومات حصرية لصحيفة “رأي اليوم” اللندنية حول لقاء رئيس المخابرات السعودية رئيس النظام السوري “بشار الأسد” تساؤلات حول توقيت هذه الخطوة.
غالبا، لا يتم الإعلان رسميا عن مثل هذه الزيارات الأمنية السرية؛ ما يترك التقارير الإعلامية بشأنها غير مؤكدة، لكن بالتزامن مع ذلك، أصدر السفير السوري في لبنان تصريحا إيجابيا حول السعودية، وهو ما تجنبه معظم المسؤولين السوريين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين في بداية الحرب السورية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إدارة “بايدن” في الولايات المتحدة إلى إعادة تقويم السياسات غير التقليدية في الشرق الأوسط في عهد “دونالد ترامب”، كان السعوديون يتحوطون في رهاناتهم، في ظل تحالف مشوب بالغموض مع الولايات المتحدة.
تأتي الخطوة الأخيرة للسعوديين أيضا بعد أن احتضنت الإمارات والبحرين علنا نظام “الأسد” في السنوات الأخيرة.
كانت الأحداث في لبنان أيضا عاملا رئيسيا؛ حيث تحتاج المملكة إلى مساعدة دمشق في تحقيق الاستقرار في لبنان، بالنظر إلى أن بيروت لا تزال في بؤرة المصالح السعودية في بلاد الشام.
وبعد استنفاد جميع سبل النفوذ في لبنان، تعود الرياض الآن إلى الصيغة المجربة والمختبرة عبر التقارب مع سوريا.
فقد كانت السعودية مشاركا نشطا في سياسات بيروت منذ معارضة “بن سعود” لمزيد من الانقسامات في سوريا التاريخية.
وخلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عارض السعوديون المزيد من ترسيخ نفوذ الرئيس المصري السابق “جمال عبدالناصر” في لبنان، وفضلوا بدلا من ذلك السيادة السورية على البلاد.
وبعد وصول “حافظ الأسد” إلى السلطة في سوريا، فضّل السعوديون بانتظام السياسات السورية في لبنان، حتى لو كان ذلك يعني إعطاء اليد العليا لخصم أيديولوجي.
ورغم الاختلافات الاستراتيجية الواضحة في كيفية تحقيق الاستقرار في لبنان بعد خروج إسرائيل منها عام 2000، لكن الرياض تخلت عن خلافاتها مع دمشق بشكل متكرر، وعملت مع “بشار الأسد” كما عملت مع والده.
استعادة النفوذ
كتب “باسم الشاب”، النائب اللبناني السابق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء المكلف “سعد الحريري”، حول كيف استعادت سوريا بهدوء دورها في السياسة اللبنانية السائدة وبدأت في دعم جماعات مختلفة عن تلك التي تدعمها إيران في البلاد.
واستشهد بتقييم وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي كدليل على أن دمشق كانت تستعيد مكانتها البارزة في السياسة اللبنانية.
من المهم أن نلاحظ أن سوريا سعت دائما إلى تحقيق مصالحها الخاصة في لبنان، وليس مصالح إيران.
فسوريا لا تلتزم بالخط الايراني دائما، خاصة فيما يتعلق بلبنان والعراق. وهذا هو أكثر جانب من سياسة دمشق يروق للسعوديين.
وهناك مقولة في دمشق مفادها أن السعوديين سيحاولون ويفشلون في كل مبادرة لبنانية حتى يوافقون على العمل مع السوريين وليس ضدهم.
وبعد انهيار البنوك اللبنانية والإخفاق في عملية اعتقال “الحريري” (في السعودية)، أسقطت المملكة إلى حد ما لبنان من قائمة أولوياتها.
ومع ذلك، ويسعى ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بخطى ثابتة نحو جعل الرياض لاعبا في لبنان مرة أخرى.
لا يحب “بن سلمان” الاستسلام لإيران في لبنان. ولهذا، يبدو أنه يتابع نفس المسار، الذي اتبعه العديد من أسلافه وهو التواصل مع دمشق من أجل تحقيق الاستقرار في لبنان.
توازن دقيق
بالطبع، لم تكن زيارة رئيس المخابرات السعودية إلى سوريا تتعلق بلبنان فقط.
فمنذ سنوات، ظل السعوديون يتواصلون مع دمشق من وراء الكواليس.
ولا يرى “بشار الأسد” الوفاق السعودي الإيراني مباراة صفرية النتيجة بالنسبة لسوريا.
فمثل والده من قبله، يستعد “بشار” للعمل مع السعوديين مرة أخرى بغض النظر عن الوجود الإيراني في سوريا.
وقد يؤدي هذا التوازن الدقيق إلى جذب السعوديين لمساعدة “الأسد” رسميا في التغلب على الانهيار الاقتصادي لبلاده.
وكانت الإمارات دعت علنا إلى رفع عقوبات قانون قيصر الأمريكية عن دمشق، كما تُقدم مساعدات طبية منتظمة إلى سوريا، وتساعد في تسهيل عملية إعادة التأهيل الإقليمي لها.
ورغم التركيز العام على انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية، فإن هذا مجرد رمز، والمهم هو السياسات الفعلية التي تقدمها دمشق للسعوديين.
ويمتلك الأمير “محمد بن سلمان” أفكارا كثيرة تتطلب الاستقرار الجماعي لسوريا ولبنان.
وبالنظر إلى الطبيعة البيزنطية للسياسة السورية واللبنانية، فإن المملكة لديها مجال للمناورة، لكن يجب عليها الاعتماد على السوريين لإعادة دخول لبنان بطريقة بناءة.
لقد قدم ولي العهد السعودي مبادرات إلى “الأسد”، ودعا علنا إلى الاعتراف بانتصار الأخير مقابل دفع إيران للخروج من سوريا.
مع أو بدون العامل اللبناني، يريد السعوديون أن يقف “الأسد” إلى جانبهم مرة أخرى للمساعدة في تشكيل المنطقة الأوسع، بما في ذلك مواجهة النفوذ التركي والإيراني في بلاد الشام.