منذ أشهر، تدرس إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن احتمال الاستجابة لطلب سعودي بتوقيع اتفاقية دفاع بين الرياض وواشنطن، على غرار التزام الأخيرة تجاه الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ تخشى الولايات المتحدة من تداعيات على مصالحها جراء مثل هذه الاتفاقية.
وتلك الاتفاقية هي بين مطالب أخرى، أبرزها صفقات أسلحة متطورة ودعم أمريكي لبرنامج نووي مدني سعودي والتزام إسرائيلي بعملية تقود إلى إقامة دولة فلسطينية، تقول تقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية إن الرياض تتمسك بها مقابل إمكانية تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل.
ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية علنية مع إسرائيل، وترهن الأمر بانسحاب الأخيرة من الأراضي العربية المحتلة منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
– ماذا يعني؟!
موافقة الولايات المتحدة على اتفاقية دفاع مع السعودية، وفقا لمراقبين، ربما يدفع المملكة وإسرائيل إلى “طلب المزيد قريبا” من واشنطن، لاسيما وأن إدارة بايدن أعلنت أكثر من مرة أن تطبيع العلاقات بين البلدين يخدم المصالح الأمريكية.
ليس لدى الولايات المتحدة مصالح حيوية على المحك تستدعي التعهد بالدفاع عن السعودية، فإيران ليست على وشك غزو أو حتى مهاجمة السعودية، لاسيما بعد أن استأنفت الرياض وطهران علاقتهما الدبلوماسية، بموجب اتفاق بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي، ما أنهى قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إن تنافسهما على النفوذ أجج العديد من الصراعات في المنطقة.
لإقناع واشنطن بتوقيع الاتفاقية، استشهد وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين بمعاهدة الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، لكن مراقبون يرون أن العداء بين إيران والسعودية لا يشبه العداء المستمر منذ عقود بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، ولا تفكر طهران في احتلال المملكة ولا تمتلك القدرة على ذلك، كما أنه على عكس كوريا الشمالية، لا تمتلك إيران حتى الآن أسلحة نووية.
من المحتمل أن يؤدي إقامة علاقة أمنية أقوى بين الولايات المتحدة والسعودية في مواجهة إيران إلى تفاقم التوترات الإقليمية وقد تشجع طهران على اتباع سياسات أكثر تصادمية في المنطقة.
توقيع اتفاقية دفاع ربما يشجع السعودية على تبني سياسات “أكثر تهورا” على افتراض أن الولايات المتحدة ستكون جاهزة دوما للدفاع عنها، وقد ترد الرياض على أي هجمات مستقبلية ربما تتعرض لها ما قد يشعل حربا في المنطقة الحيوية للاقتصاد العالمي.
الولايات المتحدة بتوقيع مثل هذه الاتفاقية الدفاعية ستحصر نفسها بلا داعٍ في منافسة إقليمية إلى الأبد، ما من شأنه أن يعزز الانقسامات التي بدأت تضعفها التقاربات الأخيرة بين إيران وجيرانها العرب، لاسيما في مجلس التعاون الخليجي.
توقيع اتفاقية دفاع سيعني تحويل المزيد من الاهتمام والموارد الأمريكية إلى المنطقة، بينما تركز واشنطن حاليا على مواجهة ما تعتبره نفوذا صينيا متصاعدا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتصدي للحرب الروسية المتواصلة على أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022.
لا تحظى السعودية بشعبية كبيرة بين المشرعين الأمريكيين في مجلس الشيوخ؛ بسبب مخاوف بشأن حقوق الإنسان والحرب المستمرة في اليمن منذ 2014، بينما مطلوب دعم في المجلس بهامش الثلثين للتصديق على أي معاهدة دفاع مع المملكة.
توجد بدائل للاتفاقية، لكن لا يبدو أن الرياض ستقبل بها، منها أن يقدم بايدن تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستقدم المساعدة للسعودية في حال تعرضها لهجوم كبير يهدد المصالح الأمريكية الرئيسية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحرية تدفق النفط، كما يمكنه تصنيف المملكة كشريك دفاعي رئيسي وحليف رئيسي من خارج “الناتو”.
مقابل تردد واشنطن في توقيع اتفاقية دفاع مع السعودية، فمن شأن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب أن يشعل التحالف الاستراتيجي الناشئ بين العرب وإسرائيل ضد التحدي الذي تمثله إيران، ويعزز الموقف الإقليمي لواشنطن، ويمنع توغل الصين المتزايد في منطقة تظل صادراتها النفطية ونقاط الاختناق البحرية فيها حيوية للاقتصاد العالمي، وربما يدعم حظوظ بايدن للفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2024.