لا يمر يوم في السعودية دون إثارة قضية خلافية بين أفراد المجتمع السعودي، يكون طرفها غالباً حكومياً، وقد كان آخرها مقطع فيديو نشرته جهة تابعة للحكومة، صنف خلاله “الحركة النسوية” على أنها فكر متطرف، وهو ما أثار الخلافات بين مؤيد ومعارض.
ونشرت الإدارة العامة لمكافحة التطرف برئاسة أمن الدولة بالسعودية، في 8 نوفمبر الجاري، عبر صفحتها الموثقة بـ”تويتر”، مقطع فيديو ترويجياً يصنف “التكفير والتفسيق والتفجير والتبديع والإلحاد والنسوية والشذوذ الجنسي والإباحية، كأفكار متطرفة”، قبل أن يحذَف لاحقاً، وتعتذر عن نشره.
وتخلت المملكة مؤخراً عن قوانين وأعراف رسمية محافظة اعتمدتها البلاد على مدار عقود، أبرزها تخفيف القيود عن المرأة والسماح لها بقيادة السيارات، ودخول ملاعب كرة القدم، وفي مقابل ذلك، تعرضت لانتقادات دولية وحقوقية، على خلفية تعرض ناشطين وناشطات بارزات في الحركة النسوية ومثقفين للتوقيف، بسبب مواقف معارضة للسلطة.
وتعرف جامعة كامبريدج البريطانية “النسوية” بأنها: “الإيمان بأن للنساء نفس الحقوق والفرص التي يتمع بها الرجال”، وصيغ مصطلح النسوية لأول مرة على يد المفكر والفيلسوف الفرنسي شارل فورييه سنة 1873.
ذلك التخبط في توجه السعودية لدعم “النسوية” أو عدمه، ظهر جلياً في تعاملها مع الفيديو الترويجي، فيما كشف حجم الرفض المجتمعي لذلك التوجه، رغم أن السلطة تتبناه في الفترة الأخيرة وتهمل وتعاقب كل من يصدر عنه انتقادات لتوجهاتها.
ما تضمنه الفيديو
ونُشر المقطع المكون من صور “أنيميشن” على حساب الإدارة العامة لمكافحة التطرف التابعة لأمن رئاسة الدولة، حيث صنف الفيديو الحركة النسوية والإلحاد والمثلية بالإطار ذاته مع الفكر “التكفيري” الذي يدعو إلى التشدد.
وتابعت الإدارة عبر حسابها: “يعد التطرف بكافة أشكاله آفة مجتمعية من المهم الحذر والتحذير منها؛ فهناك من يتشدد لمسائل بعينها، وهناك من يتحلل من تعاليم الدين وقيم المجتمع، وفريق ثالث يغالي في ولائه للجهة التي ينتمي إليها على حساب الدين والوطن”.
وظهرت تعليقات صوتية للفيديو قال أحدها: “لا تنسَ أن المبالغة في حب أي شيء على حساب الوطن يعد تطرفاً”.
اعتذار حكومي!
ودفع ذلك الخلاف بين المغردين السعوديين برئاسة أمن الدولة بالسعودية، في 12 نوفمبر، إلى القول إن “القائمين على المحتوى المذكور بشأن مفهوم التطرف لم يوفقوا في إعداد ذلك الفيديو”.
وشددت، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) على أن المقطع “أورد أخطاءً عديدة في تعريف التطرف”.
وأضافت: “كما تبين أن من قام به ونشره تصرَّف بشكلٍ فردي جانب الصواب، ما استدعى التحقيق في ذلك، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة التعامل مع الإعلام الجديد بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الأخطاء مجدداً”.
كما نفت خبراً منسوباً إليها، نقلته صحيفة محلية الاثنين، يتحدث عن “عقوبات مغلظة للنسويات (الحركة النسوية) تصل إلى السجن والجلد”، مؤكدة أنها “ليست جهة تنظيمية أو قضائية”.
في السياق ذاته، أكدت هيئة “حقوق الإنسان” بالمملكة (حكومية) أن “النسوية في السعودية غير مجرمة؛ وأن المملكة تولي حقوق المرأة أهمية بالغة”.
وأشارت، عبر حسابها الموثق بـ”تويتر”، إلى “النقلات النوعية التي شهدتها حقوق المرأة السعودية”، مشيرة إلى أنه لا يوجد تعريف محدد لـ”النسوية” في المملكة، غير أن تقارير تربطها بحقوق المرأة والمساواة مع الرجل.
تخبط السلطة ومؤيديها
وسارع ناشطون إلى ترويج الفكرة التي طرحها الفيديو قبل أن تقول إدارة مكافحة التطرف إنها غير مسؤولة عنه، لكن ذلك كشف حجم الرفض المجتمعي حتى من المؤيدين للسلطة، للتوجه في فسح المجال أمام حرية المرأة في المجتمع ودون قيود، فيما هاجم آخرون ما يطرحه المقطع.
كانت من بين المؤيدين عضوة مجلس الشورى كوثر الأربش، التي لها آراء مناهضة لـ”الحركة النسوية” في المملكة.
وقالت الأربش: إن “محاولة تجميل النسوية، وشرعنتها، وتجميلها، وتجزئتها (معتدلة ومتطرفة) محاولة غريق يحاول التعلق بقشة. لا يوجد نسوية متعدلة، المرأة التي تطالب بحقها باعتدال تخرج من الوصف كله، وتصبح حقوقية؛ لأن النسوية لغوياً وصف للتطرف، مثلها مثل الطائفية والقبلية”.
فيما اعتبر الأكاديمي السعودي محمد السعيدي أن الحركة النسوية “ليست فكراً متطرفاً؛ بل ليست فكراً أصلاً، إنها قاع وانحطاط، ليست النسوية دفاعاً عن المرأة وإنما دفع للمرأة إلى الهاوية، وليست تحريراً لها بل نحرٌ، وليست مساواةً لها لكنها مساوأةٌ بها”، مضيفاً: “أقذر انحطاط وصلت له البشرية هو ما يسمى الحركة النسوية”.
أما الكاتب السعودي إبراهيم المنيف، فقال إنه حذر في كتاب له “من الحقوقيات الجدد (النسويات)”، وذكرت “بأن (الغالبية) تافهون سُذّج، لا يفهمون مبادئ الحقوق والمساواة، وأن (الحركة النسوية المعاصرة) ساهمت في تعزيز (نقص المرأة)، شعور رائع أن تحذّر من شيء، ثم يتم التحذير منه بشكل رسمي”.
واعتبر الناشط معالي الربراري، في تغريدة له بـ”تويتر”، أن “النسوية جرثومة غريبة عن مجتمعنا، تعمل على زراعة الحقد والكراهية بين الناس، لا ترتاح حتى تهدم البيوت وتخرّب الأسر وتشتت الأطفال، تحب الصياعة والفساد، وتكره العفاف والصلاح”.
هاشتاج جديد!
وانتشر خلال الأيام الماضية وسمان (هاشتاغان)؛ الأول بعنوان: “#امن_الدوله_النسويه_فكر_متطرف” عقب نشر الفيديو التحذيري، وعقب حذف الفيديو انتشر وسم آخر يحمل اسم: “#امن_الدوله_النسويه_ليست_تطرف”.
لكن الناشط مطلق القرفي يرى أن تراجع أمن الدولة بالسعودية عن قرار تصنيف “النسوية” تطرفاً “مهم وشجاع، وخطوة إصلاحية عن وصف تجريم النسوية، وإعادة صياغة الفيديو خطوة شجاعة وصادقة”، مضيفاً: “وضع الجميع في سلة واحدة يعني أن نجعل الغرب ومؤسساته كلها عدواً لنا”.
أما الناشط السعودي المعارض “بوغانم”، فقال إن التباين بين ما نشرته وكالة سبأ والبيان الذي أصدرته رئاسة جهاز أمن الدولة، جعل الأخيرة في “حرج شديد، بل أكد بأن هناك عدم تنسيق داخلي”.
فيما رأت الناشطة “ريم” أن أغلب التغييرات التي حصلت في السعودية “كانت لصالح المرأة، وكان للنسويات السعوديات دور كبير، وهم السبب!”.
وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قدم عدداً من “الإصلاحات” التي قال إن من شأنها ممارسة التعاليم الإسلامية بشكل “معتدل”، إلا أنه واجه انتقادات عليها بسبب الضوابط البعيدة عن المجتمع المحافظ، والتي وصفها البعض بـ”الانفلات”.
بالمقابل، صدت السلطات السعودية أيضاً معارضيها، واعتقلت منتقديها، الذين كان من بينهم علماء في الدين ومثقفون وناشطون.
وألقت القبض على ناشطات في مجال حقوق المرأة؛ لدعوتهن إلى السماح للنساء بالقيادة قبل أسابيع من تطبيق القرار، في مبادرة وصفها ناشطون ودبلوماسيون بأنها رسالة واضحة بأنه لن يقع أي تغيير دون مبادرة من الحكومة، وسط حديث عن تعذيب للناشطات في السجون.