خاص: جاء إعلان صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن نجاح المملكة العربية السعودية في استقطاب 24 شركة متعددة الجنسيات لمنافسة دبي كمركز أعمال يضاهيها في التسهيلات الحكومية والضرائب وغيرها.
ويأتي هذا الإعلان في وقت تتجه فيه سياسة البلدين للانفصام بعد توأمة استغرقت أكثر من 4 أعوام، بسبب قرب الرؤية السياسية بين وليي عهد البلدين “محمد بن سلمان” و”محمد بن زايد”، والتي نتج عنها تبعية سياسية واقتصادية غير مسبوقة للمملكة لجارتها الإمارات، وهو ما يسعى ولي العهد السعودي الآن بكل قوته لإنهائها، ليس لمصلحة المملكة، ولكن لكونه قد تأكد من استغلال “ابن زايد” له لتنفيذ مخططاته في المنطقة بأموال سعودية.
أول مؤشرات الصراع المعلنة:
نقلت “فايننشال تايمز” عن رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض، فهد الرشيد، قوله؛ إن المجموعة الهندسية الأمريكية “بكتل”، وشركة الفنادق الهندية “أويو”، من بين الشركات التي ستنشئ مقارًا إقليمية في العاصمة السعودية.
كما أبدت بعض الشركات الأمريكية الكبرى، والشركات العالمية في مجال التسوق الإلكتروني، من تخوفها من أن يفوتها قطار الامتيازات التي يمنحها “ابن سلمان” لها، فتخسر السوق السعودي، ومن ضمن تلك الشركات “جوجل”، “وأمازون”، وغيرها.
فبحسب تقارير اقتصادية قدم “ابن سلمان” تنازلات عديدة لجذب تلك الشركات، مثل التغاضي عن شرط توظيف السعوديين، والذي تسبب في إحجام الكثير من المستثمرين الكبار في العالم على وضع أموالهم في المملكة، نتيجة لعدم أهلية سوق العمل في المملكة لإخراج عمالة مؤهلة للتعامل بشكل فعال مع الشركات متعددة الجنسيات.
كذلك قام ولي العهد السعودي، بمنح امتيازات اقتصادية مذهلة لتلك الشركات، منها بيع الأراض وليس تأجيرها، ومنح إعفاءات ضريبية لمدد قياسية تصل لـ55 سنة، لإقناع تلك الشركات بأهلية الرياض لمراكزها الإقليمية في المنطقة عن دبي.
لذا أعلنت بعض الشركات متعددة الجنسيات تأسيس مقرات لها بالرياض خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد في العاصمة السعودية الأسبوع الماضي، كخطوة جديدة من ولي العهد لإصلاح الأوضاع الاقتصادية، التي تعرضت للاضطراب بعد جريمة مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
تهديدات مبطنة:
ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن ولي العهد السعودي استخدم كل ما يملكه من أدوات ضغط، لإقناع الشركات العالمية الكبرى في نقل مقراتها من دبي إلى الرياض، رغم عدم إنكار الكثير من رؤساء تلك الشركات التنفيذيين أن هناك تخوفات بسبب سجل المملكة الحقوقي، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية بها.
وأشارت الصحيفة إلى أن شركات كبرى، مثل “جوجل”، و”أمازون”، و”علي بابا”، تأخذ الطبيعة الضخمة للاقتصاد السعودي في الحسبان على نحو متزايد، ونقلت عن الرئيس السابق للعلاقات الحكومية الخليجية في جوجل “سام بلاتيس” قوله: “تخيل الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط بعد 10 سنوات في المستقبل: أيًا كان المسار الذي تعتقد أن الاقتصاد السعودي سيتخذه، ستظل البلاد تتمتع بأكبر اقتصاد عربي”.
لكن بعضًا من الشركات التي أعلنت الانتقال إلى الرياض بررت ذلك بالإمكانات الاقتصادية المتاحة، ومنها “بكتل”، التي فازت مؤخرًا بتفويض إدارة مشروع “ذا لاين”، وهو قطاع من مدينة “نيوم”.
كما سينتقل العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في “أويو” إلى مقرها الإقليمي الجديد في حي الملك عبد الله المالي، وهو مجمع أعمال ضخم يضم 59 برجًا في شمال الرياض ويكافح لجذب المستأجرين.
قال مدير منطقة الشرق الأوسط بالشركة “مانو ميدها”، الذي يعمل حاليًا بين الرياض ودبي، إن السعودية، التي تخطط لتعزيز خطط السياحة في السنوات المقبلة، أصبحت سوقًا مهمًا لـ”أويو”.
مستقبل باهت للتعاون الاقتصادي:
لا شك أن كل تلك الخطوات سوف تعمل على خلق حالة من الجمود الاقتصادي بين البلدين، ستؤثر بالطبع على التعاون السياسي بينهما، وإن كانت الوضاع السياسية هي التي دفعت بدورها الأوضاع الاقتصادية إلى خانة الجمود.
لذا يعتبر مراقبون أن خطوة “ابن سلمان” في جذب تلك الشركات العالمية، هي أولى خطوات الصراع الاقتصادي بين البلدين، وبداية علنية للانفصام بينهما، وخروج النزاعات للعلن يعني انتهاء شهر العسل بين “ابن سلمان”، و”ابن زايد”.
وتتضاءل فرص الوصول للحظة عودة للعلاقات الدافئة بين البلدين، مع إصرار الإمارات على مصالحها دون النظر للسعودية وإمكانية تأثر مصالحها، فالإمارات تريد كل شيء، سياسيًا واقتصاديًا، وتجلي ذلك واضحًا في أزمة حقول النفط بمنطقة “شيبة” المتنازع عليها حدوديًا بين البلدين.
والذي حاول “ابن سلمان” بما توقع أن يكون له من ثقل لدى أبو ظبي تسوية المسألة، والوصول لحل وسط، ولكن الإمارات رفضت أي تسويات سياسية تضيع مصالحها الاقتصادية المتوقعة من المنطقة الحدودية المتنازع عليها، ما تسبب بدروه في تأزم الوضع بين البلدين.
لذا يرى المراقبون للشأن الخليجي، أن هناك اتجاها سعوديا للمنافسة الاقتصادية مع أبو ظبي، بالتزامن مع خط استقلال سياسي لـ”ابن سلمان”، عن “ابن زايد”، ما يرشح لزيادة حدة الصراع الاقتصادي بين البلدين، وبالتالي قطيعة سياسية محتملة ستنتج عن هذا التنافس الاقتصادي.