خاص: تابع الجميع مشاهد الغرق الذي كانت عليه الأحوال في جدة بعد موسم تساقط أمطار غزيرة، وسط تقاعس من المسؤولين عن مواجهة تلك الكارثة قبل وأثناء حدوثها، في مشهد تكرر من قبل كثيرًا وسيتكرر كذلك إذا لم يكن هناك علاج فعال وناجع لمواجهة أزمة السيول في جدة ومكة المكرمة.
– هدد قبل الغرق:
وكأن أهل جدة في حاجة لمصيبة جديدة تضاف إلى سجل مصائب المدينة التي رأت بسبب قرارات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الكثير من الأهوال، والتي بدأت بحملة شملت حوالي 45% من أحياء المدينة وتسبب في تشريد أكثر من مليون مواطن بدون توفير بدائل لهم، ما تسبب في أزمة إسكان كبيرة بالمدينة وما حولها من المدن.
حتى أن فظاعة الأمر، دفعت الدكتور عبد الله العودة، رئيس قسم الخليج في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي DAWN، لتقديم تقرير للمنظمة عن انتهاكات عملية التهجير القسري في مدينة جدة، والذي أصبح يعرف بهدد جدة، إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، نهاية الشهر الماضي.
وبحسب موقع “صوت الناس”، الذراع الإعلامي لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض بالخارج، فإن التقرير أرسل أيضًا إلى المسؤولين في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN–HABITAT)؛ للنظر في إمكانية انتداب وفد للسعودية لتقصي الحقائق والوقوف على حجم الضرر الذي ألم بالسكان من مواطنين ومقيمين، وأيضًا لقياس الأضرار البيئية التي لحقت بمدينة جدة جراء الهدم العشوائي.
وقال “العودة”: “تواصلنا مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، السيد فولكر تورك، وطالبنا بفتح تحقيقات في جريمة هدد جدة، والتواصل مع الحكومة السعودية بخصوص هذه الانتهاكات،”.
وأشار رئيس قسم الخليج في DAWN إلى أن مكتب السيد “تورك” أبدى اهتمامًا كبيرًا بنتائج تقرير المنظمة عن هدد جدة، وطلب من خبراء مفوضية حقوق الإنسان في أقسام الجزيرة العربية والعالم العربي بدراسة وافية للتقرير.
وشرح “العودة” أنه في التقرير اعتمدوا على شهادات خمسة عائلات تضررت من عمليات هدد جدة بين شهري يناير ويونيو الماضيين.
كما أشار التقرير أنه على الرغم من إجراء المنظمة العديد من المقابلات “إلا أن قلة من الأفراد كانوا على استعداد لتقديم معلومات بسبب المخاطر الأمنية الكبيرة”.
– جدة تاريخ من الغرق:
لجدة تاريخ من الغرق، فليست تلك المرة الأولى التي تغرق فيها جدة وسط صمت المسؤولين وعدم محاسبة المقصرين، ما يؤكد أنها مشكلة مؤرقة كانت تحتاج إلى التدخل السريع والحاسم لمنع تكرارها بدلاً من بناء المدن الوهمية، أو تطوير المدينة بمليارات الدولارات دون إيجاد حل لأزمة السيول.
– غرق 2009:
ففي عام 2009، حدثت فيضانات في مدينة جدة وكذلك في عدة أماكن تابعة لمنطقة مكة المكرمة.
وقد وصف مسؤولون في الدفاع المدني تلك السيول بأنها الأسوأ منذ 27 عامًا! وحدثت تلك الفيضانات في يوم الأربعاء 7 ذو الحجة 1430هـ/ 25 نوفمبر 2009م، وأدت إلى مصرع 116 شخصا، وأكثر من 350 في عداد المفقودين.
وامتلأت الطرق بأقل من متر من المياه يوم الخميس 7 ذو الحجة / 26 نوفمبر، ويعتقد بأن الكثير من الضحايا غرقوا داخل سياراتهم. وانجرفت أو تضررت أكثر من ثلاثة آلاف سيارة، واستمر هطول الأمطار في يوم الخميس أربع ساعات حتى بلغ معدل كمية مياه الأمطار حوالي 90 مليمتر وهو ضعف معدل سقوط الأمطار في سنة كاملة والأثقل في السعودية خلال عقد من الزمان. وجاء توقيت الفيضان قبل يومين من الاحتفال بعيد الأضحى المبارك وخلال فترة الحج في مكة المجاورة.
– غرق 2011:
ضربت سيول مدينة جدة في السعودية يوم الأربعاء 22 صفر 1432 هـ الموافق 26 يناير 2011، وأودت بحياة أكثر من 100 شخص، وإصابة مئات آخرين، وقطع التيار الكهربائي، واستدعت نزول قوات الجيش السعودي والحرس الوطني لنجدة المنكوبين في أكبر عملية إنقاذ تشهدها المملكة العربية السعودية في تاريخها.
ومن الجدير ذكره أن ارتفاع منسوب مياه السيول هذه المرة وصل إلى نسبة قياسية بلغت ضعف النسبة التي سجلت لدى سيول جدة 1430 والتي أودت بحياة 114 نفسا.
ويبلغ معدل الهطول السنوي في جدة 52 ملم وبنسبة تذبذب 88٪. وقال الدفاع المدني السعودي أنه تمكن من نجدة 1451 شخصًا بواسطة الفرق الأرضية المنتشرة و467 شخصًا من خلال الطوافات المروحية.
– تحقيقات بدون نتائج:
عقب سيول 2011، شكلت الحكومة السعودية لجان تحقيق؛ للتحقيق في تداعيات تلك السيول وأسبابها، وتم التحقيق في التداعيات، وقالت اللجان المسؤولة: “السبب وجود أخطاء، وخلل، واجتهاد في مشاريع التصريف، والتخطيط لبعض الأحياء والطرق، وسيحاسب المسؤول، ونعد بمعالجتها وضمان عدم تكرارها”.
وبعد صمت استمر لمدة 11 عامًا، اليوم ومع بدء انهمار الأمطار الغزيرة على جدة؛ وضع الكثير أيديهم على قلوبهم خوفاً من حدوث مصيبة سيول جديدة، وبالفعل وقع ما خشاه الجميع، وانكشفت الأمور، وبانت الحقائق المؤسفة، وانهارت مشاريع التصريف، وجرفت المنازل والسيارات، وسدت الطرق، وامتلأت الأنفاق، وفاحت رائحة الفساد، وأطلت الكارثة من جديد بشكل أكثر مأساوية. فمتى نتعلم الدرس؟ ومن هو المسؤول عن تكرار هذه الكوارث على عروس البحر الأحمر؟ بحسب صحيفة “سبق” المقربة من الديوان الملكي السعودي.
وذكرت الصحيفة أنه من المفارقات التي يتداولها السعوديون حالياً مقولة: “الأمطار أكثر جهاز مصداقية في كشف الفساد، فكل كارثة سيول خلفها محتال مستفيد”.
وتساءلت “سبق” حول كيف يمكن لكارثة أن تحدث مرة أخرى في مدينة متطورة كـ”جدة” التي تعد البوابة الغربية للمملكة؟ وأين المعالجة والوعود والتصريحات الإعلامية التي وعد بها سكان جدة؟ ومن هو المسؤول الحقيقي؟ وما هي الأسباب الفعلية خلف هذه المآسي التي تتكرر على جدة كل عقد من الزمان؟