خاص: كلما ارتكب الفأر أخطاء فادحة، ضاقت عليه المصيدة أكثر، لذا يشبهون من يرتكب تلك الأخطاء من البشر بأنه كـ”الفأر في المصيدة”، وهذا بالضبط ما فعله ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في نفسه طوال الفترة الماضية.
فخطأ، وراء خطأ، يعقبه خطأ، كان كافيًا لينشأ جدار حول “ابن سلمان”، يحاصره من كل اتجاه ليمنعه من التحرك نحو هدفه، وهو الجلوس على عرش المملكة، ويقلل من فرص ونسب وصوله لذلك الهدف الأسمى لديه.
حصار داخلي:
استطاع “ابن سلمان” في فترة حكمه القصيرة، باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة منذ اعتلائه عرش ولاية العهد، أن يكتسب الكثير من الأعداء، ما فرض عليه حصارًا صنعه بيده من خلال أعدائه هؤلاء.
فبأسلوبه الأمني البحت، اكتسب “ابن سلمان” عداوات تقريبًا بين كل طبقات المجتمع السعودي وفئاته المختلفة، بدءًا من الدعاة، والأكاديميين، والحقوقيين والناشطين، وحتى رجال الأمن خاصته، فكل فترة يشن “ابن سلمان” حملة لإقصاء المزيد من رجال الأمن والجيش، بزعم عدم ولائهم له.
وتسببت تلك الحملات من الاعتقالات في وضع “ابن سلمان” أولى اللبنات في جدار الحصار الداخلي الذي صنعه لنفسه بنفسه، فهذه الاعتقالات بنت كذلك جدارا بين “ابن سلمان” وشعبه، جدارا من الخوف والحقد والكره، فكم من عائلة شردت بسبب تلك الاعتقالات والتهجيرات القسرية لصالح تنفيذ ما يريده ابن سلمان.
كذلك الفشل الاقتصادي والسياسي، أوجد حالة من السخط العام الداخلي، خصوصًا بعد فرض المزيد من الضرائب على المواطن، وارتفاع تكلفة الخدمات، وغيرها من الأمور التي أثقلت كاهل المواطن السعودي، أضافت لبنات في جدار الحصار الذي أجاد ابن سلمان بناءه بممارساته السياسية والاقتصادية التي أوردت المملكة إلى التهلكة في كثير من الأمور.
وأيضًا الصراع الذي أوجده “ابن سلمان” داخل العائلة المالكة، أسهم في إضافة مزيد من الحصار عليه، فحتى أقرب الأقربين له، والذي من المفترض أن يكونوا داعمين له، تحول الكثير منهم إلى أعداء يتم الزج بهم في السجون، وتفرض على الكثير منهم الإقامة الجبرية، ويستولي على أموالهم لضمان ولائهم!
كل تلك العوامل جعلت الداخل السعودي يحاصر “ابن سلمان”، ويمنعه من اتخاذ الكثير من القرارات التي تعمل على تقريبه من هدفه المنشود، وهو عرش المملكة.
حصار خارجي:
كان لقضية مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” عامل كبير في حصار “ابن سلمان” خارجيًا، فقد تسببت تلك الحادثة في دفع المملكة لمليارات الدولارات من أجل الحصول على الحماية الدولية من رؤساء الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الذين تغاضوا عن تلك الجريمة مقابل حفنة من الصفقات المليارية التي أبرمها “ابن سلمان” معهم لضمان حمايتهم.
كما كان لحرب اليمن نصيب الأسد في الانتقادات الدولية الموجهة للمملكة، بسبب أسلوب تعامل قوات التحالف الذي ترأسه السعودية باليمن، والذي أعطى انطباعًا عامًا على المملكة بأنها دولة لا تحترم الحياة الإنسانية، وحقوق الإنسان، وأكد ذلك الانطباع تعامل “ابن سلمان” مع معارضيه، بل وحتى مؤيديه داخل المملكة.
وقد ظهر ذلك الحصار متمثلاً في حالة الاستنفار الإعلامي والحقوقي الدولي ضد “ابن سلمان” وسياسات السعودية المتبعة الآن، فلا يكاد يخلو عدد لأي دورية صحفية أو مجلة عالمية من ذكر لابن سلمان وفظائعه التي يرتكبها، أو ذكر لسياسات المملكة التي بالطبع يرسمها ابن سلمان، ويوجه لها أسهم الانتقاد.
كذلك الدعاوى التي تم قبولها في الولايات المتحدة، من معارضي “ابن سلمان”، تمثل حصارًا أكثر له بالخارج، ولا شك أن رفع السرية عن وثائق تلك الدعاوى سوف يفضح الكثير من الأمور القذرة التي يديرها “ابن سلمان” بنفسه في المملكة، ويعمل على إخفائها.
وختامًا نتيجة الانتخابات الأمريكية، هي حصار أكبر لـ”ابن سلمان”، ففوز المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، بالانتخابات، قد يضفي مزيدا من الجفاوة في العلاقات السعودية – الأمريكية، ويؤدي لفتح المزيد من الملفات المغلقة، على رأسها قضية مقتل “خاشقجي”، وحرب اليمن.