خاص: شهد الاقتصاد السعودي في الفترة الأخيرة حالة من الصدمات المتوالية قضت على آمال الكثيرين في إنعاش اقتصاد المملكة الذي تأثر بشكل كبير منذ صعود “محمد بن سلمان” لولاية العهد، بسبب حالة التخبط في القرارات السياسية؛ والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد، ومناحي الحياة عمومًا في المملكة.

وكان عام 2020 بالتحديد عام الصدمات بلا منازع، فيها حاول السعوديون العيش على بارقة أمل لعلها تخرجهم من بحور الظلمات التي أدخلهم فيها “ابن سلمان”، بسبب تعامله السيئ وتعاطي حكومته غير المهني مع الأزمات الواحدة تلو الأخرى.

أزمة انخفاض البترول:

هوى سعر برميل النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر، للمرّة الأولى في التاريخ، بفعل تداعيات الإقفال العالمي الناتج عن فيروس كورونا. وهذا يعني أنّ بائعي النفط يدفعون للشارين لكي يحرّروهم من براميل النفط المكدّسة لديهم.

ومع زيادة حدة الأمر وتفاقمه، صار هناك أزمة فائض في الإنتاج، ولم يعد حاملو العقود قادرين على بيعها، ولا حتى قادرين على أخذ حمولات النفط التي اشتروها سابقاً، لأنّ أماكن التخزين بلغت التخمة.

وبدلاً من أن يتعامل “ابن سلمان” مع الأمر بحرفية، ويترك الأمر للمتخصصين ليديروه وفقًا لأصول اللعبة الدولية في هذا المضمار، إذا به يشن حربا نفطية ضد أكبر منتج للنفط في العالم، روسيا، ويتنافس الطرفان على ضخ كميات من النفط في السوق العالمية، أدت لخسارة المملكة لمليارات الدولارات دون أي جدوى، سوى صبيانية “ابن سلمان”، وعدم قدرته على الاعتراف بهزيمته أمام روسيا.

واضطر ذلك العبث بالاقتصاد العالمي تدخل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لوقف هذه اللعبة التي دمرت اقتصاديات كبرى في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة.

وعلقت تشينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون الخليج في معهد “المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية”، لوكالة فرانس برس، قائلة: “كانت الكلفة بالنسبة لسوق الطاقة ما يقرب من شهرين من أسعار النفط المنخفضة، ولكن مع أكبر صفقة لخفض الإنتاج في التاريخ”.

وتداركت “بيانكو” قائلة: “هناك خطر كبير من أن الصفقة ضعيفة للغاية وقد تكون أتت متأخرة، ففي ظل عدم وجود إشارة الى أن أسعار النفط سترتفع بشكل مستدام، قد تكون الرياض أطلقت العنان لأمر لا تستطيع السيطرة عليه”.

وقال محللون إن انهيار الأسعار ستكون له عواقب واسعة النطاق، من تراجع الإيرادات في الاقتصادات المعتمدة على الطاقة، إلى التسبب بانكماش عالمي وإعاقة مشاريع التنقيب عن النفط. ويبدو الضرر الاقتصادي واضحًا في دول الخليج، بما في ذلك السعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم، والتي تمثل مجتمعة خمس إمدادات الخام العالمية وحيث يشكل دخل النفط 70 إلى 90 في المئة من الإيرادات العامة.

ويمكن أن تقوّض هذه الصعوبات الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي قام بها ولي العهد، الحاكم الفعلي للسعودية، لإنهاء ارتهان المملكة للنفط، حيث سجّلت الرياض عجزًا في الميزانية في كل عام منذ آخر هبوط في أسعار النفط في عام 2014، وقد اقترضت أكثر من 100 مليار دولار وسحبت من احتياطاتها لسد العجز.

أزمة كورونا:

لا شك أن أزمة فيروس كورونا ألقت بظلالها على دول العالم واقتصادياتها كلها بلا استثناء، ولكن السعودية كانت من الدول الأكثر تضررًا مع ضعف الأداء الحكومي في التعامل مع الأزمة على المستوى إدارة الأزمة صحيًا، واقتصاديًا.

فبالتزامن مع ضعف الإمكانات الصحية بمستشفيات المملكة، تزامن ذلك مع قرارات اقتصادية مؤلمة أدت لتفاقم الأزمة، فبدلاً من تخفيف حدة الآثار الناتجة عن الأزمة على المواطنين وأسرهم، سارعت الحكومة السعودية بإصدار قرارات اقتصادية أدت لتفاقهم المشكلة.

فقامت الحكومة السعودية بإلغاء بدل غلاء المعيشة، كما زادت من قيمة الضريبة المضافة، ما تسبب في حالة من الانفلات داخل الأسواق، وخصوصا في أسعار السلع الاستراتيجية مع ندرتها في بعض الأماكن بالمملكة، ما أدى لارتفاع نسبة التضخم بشكل غير مسبوق.

كشف استطلاع أجرته الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة السعودية “منشآت”، أن نحو 99.5% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في السعودية؛ تضررت جراء فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد-19).

وبحسب الاستطلاع؛ فإن 62.5% من هذه الشركات تأثرت أعمالها بشدة، في حين أصبحت 52% منها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، و14.5% قاموا بتسريح أكثر من 10 موظفين منذ بداية أزمة الفيروس. وأضاف الاستطلاع أن 73% من الشركات فقط قادرة على الاستمرار، لفترة لا تتعدى 3 إلى 6 أشهر.

كما أشار الاستطلاع إلى أن 52% من المنشآت بمختلف أحجامها غير قادرة على الوفاء بالالتزامات المادية تجاه الموظفين، 28% منها تمثل المنشآت متناهية الصغر و22% منها تمثل المنشآت الصغيرة، و2% تمثل المنشآت المتوسطة.

كذلك كشفت شركة الخطوط السعودية للتموين، الأربعاء، عن تسجيل صافي خسارة بعد الزكاة والضريبة بلغ 234.7 مليون ريال (62.40 مليون دولار) مع انتهاء أول تسعة أشهر في 2020.

وعزت الشركة السبب الرئيس لانخفاض صافي الربح، إلى تعطل العمليات التجارية بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) وتفشيه؛ وهو ما أدى إلى انخفاض المبيعات بنسبة 73.5%.

وبدلاً من الوقوف بجوار تلك الشركات ودعمها لإعطاء فرضة للقطاع الخاص بالمملكة لالتقاط أنفاسه، كان الدعم غير متوازن مع كم الخسائر التي لحقت بالشركات، كما أنه كان انتقائيًا بدون ضوابط، فلم يصل لمستحقيه.

وتسبب كل ذلك في زيادة وتيرة تسريح العمالة السعودية، وزيادة نسبة البطالة، وسط فشل حكومة في إدارة الأزمة، وفشل في التواصل مع الشركات لمعرفة احتياجاتها ولوقف نزيف الخسائر والعمالة الخارجة منها.

“أرامكو” وصدمة قاتلة:

تسبب انتشار وباء “كورونا”، في تلقى إيرادات “أرامكو” السعودية ضربة قوية، حيث تعرضت لانخفاض مفاجئ بنسبة 44.6% في الربع الثالث من السنة المالية. ومنذ أن بدأت في الإبلاغ عن أرباحها العام الماضي، أبلغت “أرامكو” عن انخفاضات متتالية في الدخل ربع السنوي، ما فرض ضغوطًا كبيرة على المالية العامة للحكومة في الوقت الذي تسعى فيه إلى تنفيذ مشاريع تنويع طموحة بمليارات الدولارات.

ومع ذلك، أفادت الشركة بأنها ملزمة بدفع توزيعات أرباح كبيرة، بالرغم من انخفاض صافي أرباح الربع الثالث بشكل كبير إلى 44.21 مليار ريال سعودي (11.79 مليار دولار)، مقابل 21.3 مليار دولار في نفس الوقت من العام الماضي.

وذكرت الشركة أن صافي دخلها انخفض بنسبة 48.6% إلى 35.02 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2020. بالرغم من الاتجاه الهابط في السوق مع استقرار أسعار النفط الخام، فقد أظهرت عوائد يوليو/تموز – سبتمبر/أيلول من “أرامكو” تقدمًا مقارنة بالربع الثاني. وبالرغم من الوباء، فقد سجلت ربحًا قدره 6.57 مليار دولار.

صحيح أن الرياض لديها أدوات اقتصادية ومالية لمواجهة هذه التحديات على المدى القصير والمتوسط، لكن برنامج خطة التنويع الاقتصادي يتطلب إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية داخل البلاد وجهودًا لتهدئة الوضع الإقليمي لضمان الاستقرار. وإذا تحقق ذلك، فإن البرنامج سيعزز الاقتصاد السعودي ويقلل من تعرض البلاد لتقلبات سوق النفط العالمية. ومع ذلك، فإن تنفيذه يعتمد على عائدات النفط وقدرة البلاد على تدبير الاستثمار من الخارج.

في نهاية المطاف، لا يمكننا القول إلا أن الاقتصاد يتأثر بالواقع السياسي للدولة، وبالطبع تسببت سياسيات “ابن سلمان” المضطربة في إحداث المزيد من الصدمات، بالإضافة لطريقة تعامل “ابن سلمان” المهتزة مع الأزمات السابقة، كل ذلك أدى لحالة من شبه الانهيار وقع في براثنها الآن الاقتصاد السعودي، الذي يحتاج لمعجزة للخروج من المأزق الذي وضعه فيه “ابن سلمان”، والذي يبدو أنه لا خروج منه إلا بخروج “ابن سلمان” نفسه من المشهد السياسي بالمملكة.