تقرير خاص
جاء إعلان وزير الخارجية السعودي، الأمير “فيصل بن فرحان”، عن تسلم المملكة العربية السعودية لرئاسة مجموعة العشرين رسميًا، كشهادة رسوب للعالم المتحضر والمتمدن في اختبار نزاهة جديد يضاف لسجلات فشل ذلك العالم الذي يزعم التمسك بمبادئ وقيم الحرية، وفي واقعه العملي هو أول من يدوسها بقدماه.
ففي حفل مهيب أقيم في مدينة ناجويا اليابانية، أعلن الأمير “فيصل” ذلك الأمير الشاب الذي يسعى لغسل سمعة المملكة مما طالها بسبب سياسات ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، قال وزير الخارجية السعودي في تغريدة عبر حسابه الرسمي بـ”تويتر”: “بتوجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي العهد حفظهم الله تشرفت اليوم بتسلم رئاسة المملكة لمجموعة العشرين لعام 2020”.
وتابع: “سيكون عاما مليئا بالأمل والعمل، وسيكون عاما حافلا بالتواصل والحوار ليكون الإنسان في قلب التنمية المستدامة ومستفيدا من تقنية العصر.. أهلا بكم في السعودية”.
مجموعة العشرين:
أنشئت مجموعة العشرين في العام 1999، بسبب الأزمات المالية في التسعينات، ويمثل هذا التجمع ثلثي التجارة في العالم، وأيضًا يمثل أكثر من 90% من الناتج العالمي الخام، وتهتم بتنسيق سياسة الدول الأعضاء من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو الثابت وتحريك النظام المالي لتخفيض الأخطار ومنع وقوع أزمات مالية، وكذلك إنشاء هيكل مالي دولي جديد.
تضم مجموعة العشرين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وجنوب إفريقيا وتركيا والسعودية وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي.
وتستقبل مجموعة العشرين في اجتماعاتها كلا من المؤسسات التالية بريتون وودز، والرئيس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، رئيس البنك الدولي، واللجنة النقدية والمالية الدولية ولجنة التنمية التابعة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتعد السعودية من الدول المؤسسة للمجموعة، وأسهم الدور السعودي في تعزيز دورها في الاقتصاد العالم وأصبح لها تأثير على الكثير من الاقتصادات الإقليمية والعالمية.. وتستعد الرياض لاستضافة القمة ورئاسة المجموعة في نوفمبر 2020، بعد أن تستلمها من اليابان التي تتولى القمة في 2019.
رغم كل شيء.. هناك أصوات رافضة:
في يوليو الماضي أعلنت منظمة الأمم المتحدة تحفظها على استضافة السعودية للقمة المقبلة لمجموعة العشرين 2020، وذهبت لحد دعوة الدول الكبرى إلى إعادة النظر في قرارها.
جاء ذلك على لسان محققة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أغنيس كالامار، والتي أكدت أنها ستطلب من حكومات الدول الكبرى الضغط من أجل نقل قمة مجموعة العشرين المقررة في 2020 من المملكة العربية السعودية إلى مكان آخر أو مقاطعتها تمامًا، بسبب قضية مقتل “خاشقجي” وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت كالامارد: “سوف أتواصل مع عدد من الحكومات فيما يتعلق بالعديد من التوصيات التي قدمتها”، مضيفة أنها تخطط للاتصال بالمسئولين الكنديين، وتابعت: “إن عقد مجموعة العشرين في المملكة العربية السعودية العام المقبل هو صفعة في وجه جميع الذين قاتلوا، والذين مات بعضهم، من أجل المساءلة وحماية حقوق الإنسان”.
حملة علاقات عامة سعودية:
أولاً.. إنهاء حرب اليمن:
استبقت المملكة عقد القمة بحملة دولية للعلاقات العامة على عدة مسارات؛ حيث أعلن الملك “سلمان”، هذا الأسبوع، إن المملكة ترغب في تسوية سياسية باليمن، الذي تخوض فيه حربًا ضد الحوثيين منذ حوالي 5 سنوات؛ ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ودفعت بأجزاء من البلاد إلى حافة المجاعة، وسط تهدئة عسكرية واضحة المعالم على الأرض، ومحاولات حثيثة من “خالد بن سلمان” لحل المعضلة اليمنية التي تسبب فيها أخيه.
وأوضح مصدر دبلوماسي لوكالة “رويترز” بأن كل ذلك التمهيد جاء لأن الغارات الجوية السعودية التي تقتل المدنيين لن تكون “خلفية رائعة لاستضافة مجموعة العشرين” ولن تكون على نفس المسار مع رسالة الانفتاح التي ترسلها المملكة.
ثانيًا.. قضية مقتل خاشقجي:
رأى المحلل البريطاني “نيل بارتريك”، أن الاتصالات الدبلوماسية والتجارية على أعلى مستوى تشير إلى أن الرياض تخلصت بالفعل من قدر كبير من تبعات مقتل “خاشقجي”، لكنها لا تزال تجد صعوبة في جذب المستثمرين الأجانب.
كما أن خطوات القضاء السعودي في القضية وتوجيهه اتهامات لـ11 متهمًا، والاستمرار في إجراءات محاكمته قد تعطي متنفسًا للأنظمة الغربية التي تحاول يد المساعدة للنظام السعودي، بأنه يقوم بخطوات لعلاج تلك القضية؛ على حد زعمهم.
ورغم ذلك لا تزال الرياض تواجه انتقادات من بعض الحكومات التي تقول إن ولي العهد هو من أصدر أوامر القتل، رغم نفيه ذلك، متحملاً في الوقت ذاته المسؤولية النهائية بصفته الحاكم الفعلي.
ثالثًا.. اكتتاب أرامكو:
لا شك أن اكتتاب بهذا الحجم سيدر الكثير من الأموال على الجميع، وسيعمل على تنشيط حركة التجارة العالمية بالمشاريع التي ستقام بالأموال الناتجة عنه، لذا فقد اجتذبت عملية بيع أسهم شركة “أرامكو” السعودية العملاقة للنفط هذا الشهر وبيع سندات في وقت سابق من هذا العام، في إطار حملة لتنويع أكبر اقتصاد عربي بعيدا عن النفط، اهتماما بقطاعي الطاقة والتمويل التقليديين.
فبعد مقاطعة مؤتمر “دافوس الصحراء” السعودي عام 2018، عاد المسؤولون التنفيذيون الغربيون إلى مؤتمر 2019 الشهر الماضي، في محاولة لقضم قطعة من الكعكة السعودية.
ولكن يبقى السؤال الأهم مطروح على الساحة العالمية، هل يمكن لدول العشرين صم الآذان على الانتهاكات والقتل والترويع الذي يحدث من النظام السعودي لمعارضيه، مقابل حفن المال التي ستتحصل عليها مقابل حمايته؟! خصوصًا أنه قبل انعقاد القمة أثيرت فضيحة جديدة لـ”ابن سلمان” ورجاله، وهي فضيحة التجسس على تويتر!!
الكل يعلم أن مسألة انعقاد القمة في السعودية أصبح أمرًا محسومًا، ولكن الكثيرين يرون أن تلك القمة لن تمر دون أن توجه دول من المجموعة انتقادات حادة للمملكة وسياستها من أرضها، ما قد يمثل وسيلة ضغط جديدة لابتزاز النظام السعودي فيما يخص الامتثال للقيم والمعايير الإنسانية في تعامله مع معارضيه بشكل عام.