خاص: جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” خلال زيارته للمملكة العربية السعودية مؤخرًا لتكشف حجم وعمق الخلافات بين البلدين، التي يبدو أنها وصلت لطريق اللاعودة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
فرغم أن “بلينكن” أكد في تصريحاته على أن الزيارة، التي استمرت لمدة 3 أيام، هي “أمر بالغ الأهمية لتوسيع الفرص، ودفع التقدم لشعبنا وللناس في جميع أنحاء العالم”، وأن الزيارة تلك هي أوضح جهد حتى الآن من قبل إدارة “بايدن” لتجاوز العداء الذي عبر عنه الرئيس “بايدن” للأمير “ابن سلمان” وحكومته، الخريف الماضي عقب تخفيض سقف إنتاج “أوبك” بضغط سعودي مبالغ فيه، إلا أن الخلافات ظهرت علانية في الملفات التي تناولتها الزيارة.
– لحظة الانفجار:
بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” فإن الانفجار في العلاقات الأمريكية – السعودية وقع بعد أن خفض المسؤولون السعوديون إنتاج النفط على الرغم من تصور المسؤولين الأمريكيين أنهم وافقوا على زيادته. عقب ذلك، تعهد “بايدن” بفرض “عقوبات”. لكن في الأشهر التي تلت ذلك، توصل الرئيس وكبار مساعديه إلى أنهم يجب أن يقبلوا ما يرون أنه واقع صعب للمشهد الجيوسياسي الجديد، كما يقول المحللون والأشخاص المطلعون على مناقشات المسؤولين الأمريكيين: “إن واشنطن لا تستطيع تحمل تنفير الشركاء الأقوياء إذا كانت تعتزم التنافس مع الصين وروسيا في جميع أنحاء العالم”.
وأضافت الصحيفة أنه “في الوقت نفسه، يبدو أن الأمير محمد، المعروف باسم MBS ، يستفيد بمهارة من موقع بلاده في حلقة الوصل بين منافسة القوى العظمى وأسواق الطاقة العالمية وأمن الشرق الأوسط، فقد أوضح هو ومساعدوه أنهم لن يضطروا إلى اختيار جانب في صراعات القوى الدولية، وأنهم منفتحون على التودد من جميع الأطراف ويرون فوائد في الحفاظ على علاقات قوية مع كل منهم”.
– استخدام “ابن سلمان” لنفوذ المملكة المالي:
وأوضحت “نيويورك تايمز” في تقريرها أن الأمير “محمد” استخدم الأحداث الدبلوماسية الأخيرة، بالإضافة إلى استثمار مملكته المفاجئ بمليارات الدولارات في دوري PGA – للجولف؛ لإظهار قوته وتأثيره المتزايد على المسرح العالمي، كل هذه التحركات دليل آخر على رغبته في التوفيق بين الشراكات والتحوط من اعتماد المملكة العربية السعودية التاريخي على الولايات المتحدة.
كما أشارت الصحيفة إلى زيارة الرئيس الفنزويلي التي سبقت زيارة “بلينكن” بأيام قليلة للتدليل على صحة ما تقوله، قائلة: “قبل أيام قليلة من وصول السيد بلينكين، استقبل الأمير رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو، الذي تعتبره الولايات المتحدة حاكماً شريرًا، في جدة في زيارة رسمية. وأعادت إيران، وهي منافسة للسعودية، فتح سفارتها في الرياض يوم الثلاثاء، نتيجة لاتفاق بين البلدين ساعدت الصين في ترتيبه في مارس آذار. وفي الأسبوع المقبل، تخطط وزارة الاستثمار السعودية لاستضافة اجتماع كبير لرجال الأعمال العرب والصينيين”.
– مخاوف إدارة “بايدن” من التقارب مع الصين
كما ذكرت الصحيفة أن “بناء الأمير محمد الحازم للعلاقات مع الصين في الأشهر الأخيرة هو الذي أدى إلى تغيير المواقف داخل إدارة بايدن أكثر من أي شيء آخر، كما يقول الأشخاص الذين تم اطلاعهم على مناقشات المسؤولين الأمريكيين”.
وأضاف التقرير أن “المسؤولين الأمريكيين راقبوا باهتمام الأمير وهو يستقبل شي جين بينغ، زعيم الصين، باستقبال فخم في ديسمبر، بعد أسابيع فقط من انتقاد “بايدن” للأمير. وعلى الرغم من أن مساعدي “بايدن” يرحبون بالتقارب الدبلوماسي السعودي – الإيراني الذي ساعدت الصين في تنسيقه، إلا أنهم أشاروا إلى أن الحادثة تشير إلى دور الصين الأكثر قوة في المنطقة”.
ودفع ذلك كله السيد “بلينكين”، يوم الخميس، ليصرح بأن: “إننا لا نطلب من أي شخص أن يختار بين الولايات المتحدة والصين”، وأنه يعتقد أن “الولايات المتحدة تظل الشريك الأول المفضل، على ما أعتقد، لمعظم البلدان في المنطقة”.
كذلك إلى جانب هدف ضمان بقاء المملكة العربية السعودية على مسافة من الصين وروسيا، جادل العديد من كبار مسؤولي إدارة “بايدن” أنه من المهم تعزيز العلاقات مع المملكة لأسباب أكثر تقليدية: الموازنة ضد إيران، ومحاربة الجماعات الإرهابية، وبيع الأسلحة الأمريكية الصنع.
– عدم ثقة أمريكية في “ابن سلمان”:
وأوضحت “نيويورك تايمز” أن السيد “بايدن” لديه حالة من عدم الثقة المستمرة في الأمير “محمد”، الذي قام معه بقبضة يده مترددة في جدة في يوليو الماضي، وتقوية العلاقات مع المملكة العربية السعودية يتعارض مع إطاره المفضل لسياسته الخارجية: صراع بقيادة الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية ضد الاستبداد.
ولفت التقرير إلى أنه “بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، أصدر السيد بايدن تقريرًا استخباراتيًا أمريكيًا قيم أن الأمير أمر بقتل جمال خاشقجي، كاتب العمود السعودي في صحيفة واشنطن بوست والمقيم في فيرجينيا والذي قُتل على يد عملاء سعوديين في إسطنبول عام 2018. نفى أي دور فيما وصفه بالعملية المارقة). وفي عام 2021 أيضًا، علق السيد بايدن بيع ذخائر معينة للمملكة بعد أن تعهد بإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن الكارثية”.
لكن منذ ذلك الحين، أخطرت إدارته الكونغرس بما لا يقل عن 4 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية للسعودية. ويقول المدافعون عن سياسات أكثر صرامة في المملكة العربية السعودية إن السيد بايدن يتخذ الآن نهجًا تقليديًا.
– نهج تقليدي رغم الانتهاكات الحقوقية:
نقلت الصحيفة الأمريكية عن سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن، قولها: “حقوق الإنسان ليست على جدول الأعمال سوى هذه النسخة المخففة والمقلقة: سنقوم بالضغط من أجل إطلاق سراح الأمريكيين من السجن”. وأضافت أنها لا ترى فرقًا كبيرًا بين تصرفات بايدن وأفعال الرئيس دونالد ج.ترامب ، الذي سعى إلى إقامة صداقة مع الأمير محمد. (بعد ستة أشهر من ترك وظيفته في البيت الأبيض، تلقى جاريد كوشنر، صهر ترامب، استثمارًا بقيمة ملياري دولار من صندوق سعودي بقيادة الأمير)”.
وأضافت السيدة “ويتسن”: “انظر إلى السياسة الفعلية لإدارة بايدن، انظر إلى العلاقة الفعلية”، متابعة: “إنه مشابه، إن لم يكن أكثر إذلالًا. محمد بن سلمان كان يضرب الرئيس بايدن خلال العامين الماضيين”.
وذكر التقرير أن “العديد من المشرعين الأمريكيين، وخاصة الديمقراطيين، انتقدوا سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ويراقبون تحركات إدارة بايدن. يعتزم بعض كبار المشرعين الاحتفاظ بمبيعات بعض الأسلحة للمملكة. كما يتابع المشرعون التنازلات التي يطلبها الأمير محمد من الولايات المتحدة مقابل التطبيع مع إسرائيل، وهي خطوة قد يعارضها العديد من المواطنين السعوديين”.
وأضاف التقرير أن الأمير قال للمسؤولين الأمريكيين إنه يرغب في الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتعاون عسكري أكبر لردع إيران بشكل أساسي، وهو ما أكده ريتشارد غولدبرغ، كبير المستشارين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي التقى مع مسؤولين سعوديين الشهر الماضي، إن مطلبه الافتتاحي هو التزام دفاعي مشترك مثل الالتزام المنصوص عليه في المادة 5 من منظمة حلف شمال الأطلسي.
كما طلب الأمير “محمد” من واشنطن مساعدة المملكة العربية السعودية في تطوير برنامج نووي مدني بتخصيب اليورانيوم، وهو اقتراح يثير مخاوف من انتشار الأسلحة بين بعض المسؤولين وخبراء الحد من التسلح الأمريكيين.