خاص: يأتي شهر سبتمبر كل عام ليحمل معه ذكرى أيام تعيسة عاشها معتقلو الرأي في المملكة منذ قدوم “محمد بن سلمان” لولاية العهد، ففي ذلك الشهر من عام 2017 تمت أولى حملات الاعتقال في عهد “ابن سلمان”، والتي شملت العديد من الرموز السياسية والدعوية والاجتماعية من كافة التيارات بلا استثناء، وكأنها رسالة لكل المجتمع السعودي بكل أطيافه جاءكم نذير بالخراب!
وشنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة شملت دعاة، ورجال دين معظمهم من “تيار الصحوة” الديني في البلاد، وكذلك إصلاحيين، وإعلاميين؛ على خلفية المقاطعة التي أعلنتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين، لدولة قطر في يونيو من العام 2017.
وبالطبع تمت تلك الاعتقالات، دون أي أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، كما منع جل المعتقلين من التواصل مع ذويهم لفترات طويلة عقب اعتقالهم أو توكيل محام لمتابعة قضاياهم، كما تم تعذيب العديد منهم لنزع اعترافات وهمية منهم.
وتلا تلك الحملة حملات كثيرة، لوأد أي صوت قد يكون فيه نبرة معارضة لسياسات “ابن سلمان” الفاشلة.
ومع قدوم سبتمبر لهذا العام، يعاني معتقلو الرأي في عامهم الرابع بالسجون السعودية العديد من الأزمات والمشكلات، من أخطرها وأهمها:
1- فيروس كورونا والإهمال الطبي:
لا شك أن الإهمال الطبي لمعتقلي الرأي في المملكة هو منهج متعمد تنتهجه السلطات السعودية لإنهاك المعتقلين، وقتل رموزهم البارزة مثلما حدث مؤخرًا مع شيخ الإصلاحيين، عبد الله الحامد، الذي توفي في محبسه بعد رفض السلطات إجراء عملية جراحية ضرورية له، ومن قبله الشيخ الداعية “فهد القاضي”، و”أحمد العماري”، وغيرهم الكثير، ولا زال العديد من المعتقلين ينتظرون الموت وسط تعمد واضح من السلطات لإهمال حاجاتهم للرعاية الصحية، وكأنه أسلوب متبع للموت البطيء بحقهم.
ويتزامن ذلك الإهمال الطبي المتعمد مع انتشار جائحة كورونا في المملكة، وسط فشل طبي وإداري سعودي في التعامل مع الأزمة وارتفاع في أعداد المصابين والوفيات، هذا بالنسبة للمجتمع الخارجي، فكيف بمجتمع السجون، الذي لا يتوافر فيه الحد الأدنى من الظروف المعيشية السوية التي يستحقها أي إنسان.
كذلك وسط أنباء عن انتشار فيروس كورونا في أحد أجنحة سجن “الدمام” السياسي، وأنه تم إغلاق ذلك الجناح تمامًا على المعتقلين، في ظل حالة استنفار في عموم السجن في هذه الأثناء.
كما أكدت مصادر حقوقية في وقت سابق، إصابة عدد من السجناء والعاملين بالسجن بـ”كورونا”، ما يُنذر بتدهور الأمور في ظلّ عدم استجابة السلطات لنداءات أهالي المعتقلين لطمأنتهم على ذويهم.
وبحسب مصادر من عائلات معتقلين بالسجن فإن المعتقلين فيه محرومون من الزيارات منذ آذار/ مارس الماضي، كما انقطعت الاتصالات معهم بشكل كامل.
كما ذكرت المصادر أن هناك معتقلين من كبار السنّ، وآخرين مُصابين بأمراض مُزمنة مُعرّضين للخطر الشديد إذا أصيبوا بالفيروس، ولا سيّما أن المعلومات المُسرّبة من هناك تتحدّث عن إصابة عدد من السجانين والحراس.
كل هذا ترافق مع رفض قاطع وواضح من السلطات السعودية للدعوات الأممية والحقوقية الدولية للإفراج عن معتقلي الرأي، وذلك في محاولة لتخفيف التكدس داخل السجون السعودية للحول دون انتشار الفيروس، مما يهدد حياة الكثير من معتقلي الرأي، خصوصًا أصحاب الأمراض المزمنة، وكبار السن منهم.
2- قطع التواصل عن العالم الخارجي:
وكان لآثار انتشار فيروس كورونا في السجون تداعيات على تواصل معتقلي الرأي مع العالم الخارجي، فقد تم إلغاء كافة المحاكمات وإرجائها إلى إشعار آخر دون تحديد موعد لها، كما تم منع المعتقلين والمعتقلات من التواصل مع عائلاتهم ولو تليفونيًا حتى، بعد منع الزيارات عنهم، بحجة الخوف عليهم من انتشار العدوي بينهم أثناء الزيارات.
ومن ضمن المعتقلين الذين تم التأكد من انقطاع التواصل بينهم وبين عائلتهم، الشيخ الداعية “سلمان العودة”، الذي أعلنت عائلته مؤخرًا أن الاتصال مقطوع معه منذ 12 مايو الماضي.
كذلك ما قالته شقيقة الناشطة السعودية المعتقلة “لجين الهذلول”، لينا الهذلول، في حديث لها لصحيفة “الاندبندنت” البريطانية، إن الاتصال بين عائلتها و”لجين” قد انقطع تمامًا منذ أكثر من شهرين، وسط مخاوف جدية على حياتها، فالعائلة لم تسمع عن “لجين” أي خبر منذ 61 يومًا.
وتابعت بقولها: “نحن قلقون للغاية، لأنه لا توجد مكالمات أو زيارات لمدة شهرين، إنه أمر مريب. الشيء الوحيد الذي يدفعهم إلى هذا الأمر الآن هو إخفاء حقيقة تعرضها للتعذيب”.
وأضافت: “لم يسمح لنا بالزيارات عندما تعرضت للتعذيب سابقا، ولهذا نعتقد بأنها ربما تتعرض للتعذيب مجددا”.
كما كشف “عبد الحكيم”، نجل الدكتور والاقتصادي السعودي المعتقل “عبد العزيز الدخيل”، عن انقطاع التواصل تمامًا مع والده منذ اعتقاله.
وقال “عبد الحكيم” في تغريدة نشرها عبر حسابه الموثق بـ”تويتر” حول الفرق بين الاعتقال الأول لوالده وهذا الاعتقال في عهد “ابن سلمان”: “الاعتقال الأول صحيح أنه ظلم في ظلم وطغيان؛ لكن على الأقل لم يتعرض لأذى جسدي، ولم يمنع من الزيارة، وكان على اتصال منتظم بنا”.
ثم تابع مغردًا: “أما في الاعتقال الثاني فقد غُيب تمامًا ولا ندري ماذا يجري له، بل تعرض الأقارب للضغط، وتم التحكم ببعض حساباتهم في التويتر”.
وأيضًا ما ذكره حساب “معتقلي الرأي” عبر “تويتر”، عن انقطاع التواصل مع الداعية السعودي المعتقل، إبراهيم الفارس، منذ بداية العام الجاري.
وقال الحساب في تغريدة: “أخبار الشيخ إبراهيم الفارس مقطوعة تمامًا منذ مطلع العام الجاري، حيث مُنعت عنه الاتصالات مع عائلته”.
وطالب “معتقلي الرأي” السلطات السعودية بالإفراج الفوري عن “الفارس”، وحملها المسؤولية عن سلامته وحياته.
وحتى الزيارات التي سمحت بها السلطات السعودية حتى الآن، لم تُسمح إلا لبعض المعتقلين فقط، وبشروط صعبة، وزمن قليل جدًا.
ومن ضمن تلك الشروط الحديث مع المعتقل من خلف زجاج (بحجة كورونا)، وسط نفى حقوقي لما يشاع خلاف ذلك، وتأكيدات على أن ما يقوم البعض بترويجه عن السماح بالزيارات لفترة طويلة وبشكل مباشر غير صحيح البتة حتى الآن.
3- خطر المحاكمات الجائرة:
فمع دخول المعتقلين لعامهم الرابع، كشفت مصادر حقوقية سعودية، عن استعدادات تجريها السلطات السعودية لإجراء محاكمات لمعتقلين.
وأكد حساب “معتقلي الرأي” عبر “تويتر” أن المحكمة الجزائية المتخصصة تستعد لعقد محاكمة خلال الفترة القريبة القادمة لكل من الإعلاميَين “صلاح الحيدر”، و”بدر الإبراهيم”، موضحًا أن النيابة العامة السعودية وجهت للمعتقلين تُهمًا تتعلق بدعم الأنشطة الإرهابية.
وأيضًا استعدادات تجريها السلطات القضائية السعودية لبدء محاكمة الداعية البارز المعتقل، الدكتور “ناصر العمر”، وآخرين، هذا ما كشفه حساب “معتقلي الرأي” في تغريدة عبر “تويتر”، حيث قال: “تأكد لنا أن المحكمة الجزائية المتخصصة – محكمة الإرهاب -، ستعقد جلسة محكمة للشيخ ناصر العمر خلال الأيام القليلة القادمة”.
في حين أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة، حكم بالسجن لمدة 5 سنوات ضد الدكتور “إبراهيم الحارثي”، المدير التنفيذي السابق لمدارس الأندلس الأهلية، رغم عدة وعود كاذبة لعائلته بقرب إطلاق سراحه، حيث تفاجأت العائلة بخبر الحُكم.
وفي نفس السياق، كشف رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين السياسيين بالسعودية، خضر المشايخ، عن استئناف السلطات السعودية محاكمة أكثر من 60 أردنيًا وفلسطينيًا موقوفين في سجون المملكة.
وفي بيان له، أكد “المشايخ” أن السلطات السعودية استأنفت المحاكمة في القضية المتهم فيها أردنيون وفلسطينيون موقوفون منذ فبراير/ شباط 2019، إثر اتهامهم بـ”تلقي دعم مالي للقضية الفلسطينية”.
وقال “المشايخ” إن “سلطات المملكة استدعت بعض الأردنيين الثلاثاء ممن لم يحضروا جلسة المحاكمة السابقة في مارس/ آذار الماضي، في حين أبلغت بعض المعتقلين باستكمال المحاكمات سبتمبر/أيلول المقبل”.
والسؤال الآن: هل سيشهد هذا العام تغيرا في طريقة تعاطي الدولة مع هذا الملف الشائك؟! وهل بعد كل هذه الضغوطات الداخلية والخارجية على “ابن سلمان” سيعود إلى رشده ويخفف من حدة التوتر الحاصل في المملكة بسبب هذا الملف؟! وهل تتحرك المنظمات الحقوقية الدولية لردع السلطات عن هذا الخرق الواضح والانتهاك الصريح لكافة المواثيق الدولية؟!