خاص: مع بداية الربيع العربي وانتشار مَدِّه في أنحاء العالم العربي، والسقوط السريع لنظام بن علي في تونس، وانتقال العدوى إلى مصر بإزاحة حسني مبارك، ودخول البلد في مرحلة انتقالية أعطت الثورة المضادة الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق، ولكن وصول الإخوان للحكم دق ناقوس الخطر، وتم اللجوء لانقلاب عسكري بغطاء سياسي وديني رقيق.
وأما في اليمن الذي سار على خطى مصر فتم الالتفاف على الثورة بحكومة مؤقتة لكسب الوقت من أجل الالتفاف على الثوار وإخراجهم من المعادلة، وأدخلت البلاد في صراع دامٍ بين أطراف جديدة معادية للثورة تحركها جميعا أطراف خارجية، وبالمثل سوريا التي تمثل قمة الخبث في سرقة ثورات الشعوب؛ فمع عسكرة الثورة تقاسمت الدول التي تدّعي دعم الثورة فصائل الثوار وتحكمت فيها، وتم إرسال جبهة النصرة من قبل داعش في العراق بالتنسيق مع حكومة العراق التابعة لكل من إيران وأمريكا، واشترك الجميع في مشروع تدمير الثورة، وكان تقاسم الأدوار واضحا للعيان؛ حيث إن طول مدة الصراع ساعد على انكشاف الأدوار الحقيقية لكل طرف.
ولم تكن ليبيا بأحسن حالا؛ فمع قيام الثورة التي تسلحت مبكرا حاولت الدول الدخول للتحكم بالأحداث، ولكن مع مقتل القذافي وانهيار النظام كانت الثورة المضادة تتم بصور مختلفة: منها قيام حكومة ضعيفة معترف بها دوليا يقودها شخصيات عميلة لإفراغ الثورة من مضمونها، ولكن فشل هذا الخيار دفع لمحاولة إعادة بعث نظام القذافي عن طريق رفيق دربه خليفة حفتر الذي أعيد إلى ليبيا من أمريكا لتنفيذ مشروع ملخصه : أنه كما تم التمكين للحوثي طرفا رئيسا للصراع؛ فإنه كذلك أدخل حفتر طرفا رئيسا سيكون له نصيب الأسد من السلطة عن طريق التفاوض.
لقد كانت الأمور تسير وفق الخطط بصورة مرضية؛ ما شجع قوى الثورة المضادة على التصادم مع تركيا وقطر، بل ومحاولة افتراس بلد بقي مستقرا ولم يتماد في معاداة الإسلاميين، بل إنه تجاوز الموجة الأولى للربيع العربي بنجاح وبدون صراعات داخلية، إنه المغرب الذي حاول أن يساير الجميع، فأرسل قوات تشارك بما يسمى عاصفة الحزم، ولم يشارك بحملة حصار قطر، بل إنه أرسل لها طائرة شحن محملة بالإمدادات الطبية والغذائية.
وهنا بدأ التحرش بالمغرب على مراحل بدأت بتوتير العلاقة مع الشعب بتصويت الصديق المقرب وهو السعودية لأمريكا وضد المغرب في مسابقة ترشيح لاستضافة رياضية، وانتهت بتكرار تحرشات إعلامية ذات طابع سياسي حساس حول شرعية سيطرة المغرب على إقليم الصحراء بدأت بخريطة للمغرب بدون الصحراء، وتطورت إلى إنتاج فلم وثائقي حول الصحراء يصرح أنها محتلة من المغرب.
ولا يخفى أن هذا يعني نية إحياء صراع عسكري مغربي جزائري موريتاني حول الصحراء؛ ما أدى إلى سحب سفراء المغرب من الرياض وأبو ظبي، في إشارة إلى إحساس المغرب بالخطر مما تدبره كل من الإمارات وتابعتها السعودية؛ فهذا الثنائي يقوم بنشاط محموم بكل المنطقة لمواجهة ووأد مظاهر النهوض ومحاولة الخروج من دائرة التبعية والاستعمار المستتر.
لقد تم تكليف الإمارات بملف المنطقة بحيث تتبعها وتساعدها السعودية بصورة آلية مثيرة للاستغراب، وكان هذا واضحا في الانقلاب على مرسي وإعلان الحرب على الإخوان، بل وتعدى ذلك إلى الإسلام السني، وتشاركا في دعم السيسي والتدخل في سوريا وحرب اليمن، ومحاولة إسقاط تميم وأردوغان في مفارقة غريبة؛ فالجهد الأكبر وبالتالي الخسائر من السعودية، والتوجيه والتحكم بيد الإمارات، وحتى في أحداث الجزائر الحالية كان واضحا أن دور السعودية السابق في وأد حركة الشعب تحت قيادة جبهة الإنقاذ في التسعينات قد تجدد ولكن تحت رعاية وتوجيه الإمارات.
وعندما ندقق في أحداث الجزائر وليبيا نجد أن ما رفعه المتظاهرون الجزائريون يعبر عن جزء من المشهد؛ فقد رفعت لافتة تحذر من الشياطين الثلاثة وهم:
فرنسا: الشيطان الأكبر، والإمارات: الشيطان الأخبث، والسعودية: الشيطان الأهبل.
نعم لقد استهلك الشيطان الأهبل رصيده المالي والسياسي والديني في حرب شاملة سيكون أكبر ضحاياها.