بعد فترة من الهدوء النسبي في أعقاب جريمة القتل الصادمة لـ”جمال خاشقجي”، التي قاوم فيها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” الضغط الأمريكي من الكونجرس لربطه بالجريمة، عاد الأمير الشاب لتصدر عناوين الأخبار مؤخرا.
وفي 6 مارس/آذار، كشفت تقارير أن اثنين من كبار أفراد العائلة المالكة السعودية، هما الأخ الوحيد الباقي على قيد الحياة للملك “سلمان”، الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، وولي العهد السابق “محمد بن نايف”، تم اعتقالهما ضمن مجموعة من الأمراء والمسؤولين بتهمة “الخيانة”.
وفي نفس الوقت تقريبا، انفض اجتماع “أوبك+” برئاسة وزير الطاقة السعودي الأمير “عبدالعزيز بن سلمان”، دون تمديد اتفاق فيينا بشأن تخفيضات الإنتاج لتثبيت أسعار النفط، الذي كان تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2016 بين “أوبك” و دول خارج “أوبك”. وانخفضت أسعار النفط بنسبة 30% بعد إجراءات سعودية وإماراتية بالإعلان عن خطط لزيادة إنتاج النفط بشكل حاد ردا على دور روسيا في انهيار الصفقة.
ولا تزال العديد من التفاصيل وراء الاعتقالات غامضة ومتضاربة، مع انتشار الشائعات بأن تحرك “بن سلمان” لاعتقال خصومه تشير إلى أن الملك يموت أو ميت بالفعل، بالرغم من أنه تم تصويره فقط في اليوم السابق خلال لقاء مع وزير الخارجية البريطاني “دومينيك راب”.
ويعد توقيت عملية الاعتقال غير واضح. فلماذا شعر “بن سلمان” بأنه بحاجة إلى التحرك، ولماذا الآن؟، ويبدو أن الاتهامات الغامضة الأولية بالخيانة تم تخفيفها لاحقا، بينما ربطت تقارير أخرى الأمراء بمحاولات استخدام مجلس البيعة، الذي أنشأه الملك “عبدالله” عام 2007 لتنظيم مسألة الخلافة، في محاولة لعرقلة طريق “بن سلمان” إلى العرش.
ودفعت التطورات الأخيرة بالتشكيك في رئاسة السعودية لمجموعة العشرين في القمة المقبلة، وجددت الأسئلة حول أجندة ولي العهد الرئيسية للإصلاح الاقتصادي.
كان “بن سلمان” مصمما على الاستفادة القصوى من الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين، في قمة الرياض في 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني؛ حيث يعتبرها فرصة للظهور مرة أخرى على المسرح الدولي بعد عزلة طويلة تسبب فيها مقتل “خاشقجي”.
والآن، بالرغم من ذلك، يواجه “بن سلمان” التحدي المتمثل في التصدي للاضطراب العالمي غير المسبوق الناتج عن تفشي وباء “كورونا”، إضافة إلى احتمال أن تؤدي استجابة إدارة “ترامب” الفوضوية لأزمة الصحة العامة في الولايات المتحدة إلى الإضرار بحظوظه في إعادة انتخابه كرئيس. وهو رئيس قاوم، أكثر من أي شخص، دعوات محاسبة القيادة السعودية على مقتل “خاشقجي”.
وقد يدفع الخوف من فقدان السلطة “محمد بن سلمان” إلى العمل لضمان المزيد من الإحكام على سلطته كملك، بينما يحتفظ بالبيت الأبيض كدرع واقي، أو بينما لا يزال والده يحتفظ بالقدرات العقلية لمنح أي خطوة من هذا القبيل مباركته.
وفي حين كان “سلمان”، الذي يتمتع بخبرة تزيد عن 50 عاما كحاكم للرياض ثم وزير للدفاع، يحظى بالاحترام بقدر ما يحظى من الهيبة، فإن ابنه البالغ من العمر 34 عاما تضاعفت سلطته في الأعوام الأخيرة عبر التخويف والإكراه، وربما في غياب موافقة واسعة النطاق عند صعوده للعرش.
وربما، من قبيل المصادفة، أن الأمير “أحمد” كان واحدا من 3 أمراء كبار، والوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة، المذكورين في رسالة عائلية ملكية غامضة انتقدت بشدة “بن سلمان”، وذكرت أن إقالة الأمير “مقرن” من ولاية العهد في أبريل/نيسان 2015، وبعدها إقالة “محمد بن نايف” في يونيو/حزيران 2017، أسست لسابقة إمكانية اختيار ولي العهد ومن ثم تغييره.
لذلك، قد يكون كل من “بن سلمان” والملك حريصين على القضاء على أي تحدٍ محتمل لخلافة الملك، مع مراعاة صحة الملك البالغ من العمر 84 عاما، والحاجة إلى تجنب أي حالة طويلة من المرض وعدم اليقين كما حدث خلال عقد من تعرض الملك “فهد” لسكتة دماغية عام 1995 وموته النهائي عام 2005.
لكن يبقى كل هذا في النهاية شكلا من أشكال التخمين، الذي قد يحدث أو لا يحدث، مع اقترابنا من قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني. ومن المؤكد أن الاعتقالات الأخيرة، ذكّرت النقاد والمنافسين المحتملين لولي العهد بالتكلفة الباهظة لمعارضته.
ومع ذلك، فإن الخطوة التعسفية وغير المتوقعة تماما ضد الأمراء، ستثير أيضا من جديد الشكوك القائمة لدى العديد من الشركاء السياسيين والاقتصاديين والأمنيين للمملكة بشأن سمعة “بن سلمان” كزعيم صاحب قرارات متهورة.
كما أن هناك تحديات كبرى تواجه ثقة المستثمرين الدوليين في السعودية، التي أصبحت هشة بالفعل بعد طريقة اعتقال “بن سلمان” لكثير من رجال الأعمال السعوديين في فندق “ريتز كارلتون” في نوفمبر/تشرين الثاني 2017؛ الأمر الذي يعني تأثيرات كبيرة على المستويات الضعيفة بالفعل من الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة.
وسيتسبب انهيار أسعار النفط بعد خلاف “أوبك+”، وحجم الاضطراب الاقتصادي بسبب تفشي “كورونا” في وضع ضغط كبير على الأجندة المحلية الرئيسية لـ”بن سلمان”. وجرى تخفيف الكثير من القيود الاجتماعية في المملكة، وارتفعت شعبية ولي العهد بين الشباب السعودي، بالرغم من عدم وجود مقاييس موثوقة لدعم ذلك خاصة خارج المدن الكبرى، لكن قدرة “بن سلمان” على الانجاز سيتم قياسها بشكل حاسم بنجاح التحول الاقتصادي الموعود للمملكة.
وبعد أن كشف النقاب عن “رؤية 2030” مع ضجة هائلة في أبريل/نيسان 2016، يخاطر “بن سلمان” بسمعته إذا فشل في الوفاء بالوعود التي بالغ فيها، تماما كما حدث مع تقليص الاكتتاب العام في “أرامكو” السعودية.
وإذا كان “بن سلمان” ينوي حقا إعادة تشكيل المملكة التي أسسها جده عام 1932، ومحاكاة حكمه لمدة 50 عاما، فسيحتاج هو وفريقه من حوله إلى إثبات قدرتهم على إجراء تغييرات هيكلية عميقة في الاقتصاد السعودي، الذي قاوم إلى حد كبير كل محاولات الإصلاح السابقة.
وفي حرب النفط الأخيرة، التي أطلقتها تداعيات انهيار “أوبك+”، ربما نجح “بن سلمان” في مفاجأة الحكومة الروسية بزيادة إنتاج النفط السعودي بسرعة كبيرة، لكنه يراهن على مغامرة جريئة بافتراض أن المملكة يمكنها أن تعيش حقبة أخرى من انخفاض عائدات النفط.
وإذا صحت المعلومات التي تحدثت عن احتمالية إرسال “خالد الفالح”، وزير الطاقة السابق الذي عاد إلى الحكومة كرئيس لوزارة الاستثمار الجديدة في 25 فبراير/شباط، لتصحيح الخلافات مع المسؤولين الروس، الذين عمل معهم عن كثب في عملية “أوبك+”، فإن حرب النفط ستكون قصيرة الأجل تحت ضغط غريزة البقاء التي تحتل مركز الصدارة بشكل متزايد في مشهد أكثر تقلبا.