لا خيار أمام السعودية والإمارات في العلاقة مع إيران سوى المسار الدبلوماسي، ومن دون المساعدة الأمريكية والإسرائيلية الكبيرة فإن ممالك الخليج ستكون مضطرة للاعتراف بهيمنة القوة العسكرية الإيرانية.
واعتبرت الدكتورة السعودية بجامعة كينجز كوليدج لندن، مضاوي الرشيد، في مقال لها على موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن مظهر الهدوء الخادع المخيم على مياه الخليج منذ أيام الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى، تحطم بشكل غير متوقع عندما دمرت الطائرات بدون طيار ناقلات النفط السعودية والإماراتية في 12 مايو/ أيار.
وتابعت الأكاديمية السعودية المقيمة بلندن: “بعد ذلك بيومين، تعرضت محطتان للضخ في السعودية لهجومين، مما تسبب في أضرار محدودة، لكنهما ضربا بشدة سمعة مملكة تكافح لتأسيس أوراق اعتمادها كزعيم للمنطقة العربية بلا منازع ودون منافس”.
الضعف السعودي
ورأت الباحثة في الاقتصاد والعلوم السياسية، في مقالها، أن الهجمات فشلت دون شك في تعطيل تدفق النفط عبر مضيق هرمز، لكنها كشفت أيضًا عن هشاشة كل من السعودية والإمارات أمام مثل هذه الاضطرابات الخطيرة والمتفرقة.
وأوضحت الرشيد أنه على الرغم من أن الناطق الرسمي باسم الحوثي، محمد عبد السلام، أعلن مسؤوليته عبر موقع “تويتر”، إلا أنه من الصعب استبعاد الأطراف الأخرى المهتمة التي ربما تكون قد ساهمت في الهجمات أو تقوم الآن ببناء رواية لصالح حرب كاملة في الخليج. وأضاف المقال: “ظلت كل من السعودية والإمارات منضبطتين فيما أدانتا ما حدث”.
ومضت أستاذة أنثروبولوجيا الدين، تقول: “حتى الآن، يدعون أنهم يحققون في الحوادث دون أن يندفعوا لإلقاء اللوم علانية على إيران، التي لدى البلدين توترات معها”. وأردفت الكاتبة: “في حين أن السعوديين غالبًا ما يكونوا أعلى صوتًا في إدانتهم للجمهورية الإسلامية، إلا أن دولة الإمارات لا تزال حذرة على الرغم من أنها تدعي أن جزرها الثلاث في الخليج أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى، تحت الاحتلال الإيراني غير المشروع”.
وأفادت المعارضة للنظام السعودي، أن العلاقات التجارية بين إيران والإمارات لم تتأثر بمثل هذه المزاعم، بل لا تزال الإمارات ثالث أهم شريك تجاري لإيران، بعد الاتحاد الأوروبي والصين”. وواصلت الرشيد بقولها: “تكافح السعودية منذ فترة طويلة لدفع الولايات المتحدة وإسرائيل لخوض حربها التي طال انتظارها مع إيران، لكنها فشلت حتى الآن في إقناع الولايات المتحدة بشن هجمات خطيرة مباشرة على عدوتها اللدودة في الخليج.
ومع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، بحسب المقال، نجح السعوديون فقط في دفع الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية وزيادة العقوبات الأمريكية وإعلاء نبرة الإدارة الأمريكية في إدانة تدخل إيران في شؤون جيرانها من خلال رعايتها لميليشيات مختلفة في العراق وسوريا ولبنان.
حرب مكلفة
لكنه من غير المرجح شن حرب أمريكية إسرائيلية كاملة على إيران، إلا أنه لا يمكن استبعاد المناوشات، خاصة إذا كان السعوديون سيدفعون فاتورة أي تدخل أمريكي، بحسب المصدر ذاته. ولفتت الرشيد إلى أن الرئيس ترامب لم يفوت فرصة لتذكير جماهيره الأمريكية والدولية بأن السعوديين لديهم أموال وعليهم أن يدفعوا، موضحة أن دفع ثمن الأمن يأتي بتكلفة عالية.
ومضت تقول: “يحافظ السعوديون وشركاؤهم في الإمارات العربية المتحدة على مصانع الأسلحة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تعمل وتجني أرباحًا هائلة من بيع المعدات العسكرية والطائرات المقاتلة وعقود التدريب. وتحتل السعودية المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين عندما يتعلق الأمر بالإنفاق العسكري”.
وأضافت: “لكن هذا الإنفاق يفيد الموردين دون خلق نوع من الأمن تطمح السعودية إلى تحقيقه. ما زال هجوم طائرة صغيرة بدون طيار يهدد بقاءها وقد يعطل تدفق النفط من آبارها”. وشددت الأكاديمية السعودية على أن هشاشة دول الخليج أمام هجمات صغيرة مثل الهجمات الأخيرة يثبت عبث دول مثل الإمارات أو السعودية، التي تقوم ببناء ترسانة من الأسلحة الغربية تفشل في حمايتها من عمليات التخريب والهجمات البسيطة ولكنها تخريبية.
جيوش صغيرة
ورأت الكاتبة أنه “في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، ستتعرّض كل من السعودية والإمارات للسخرية لأن جيوشهما الصغيرة والضعيفة لا تضاهى بالنسبة لإيران، ليس فقط من حيث الحجم، ولكن أيضًا في الخبرة والقدرات والعقيدة”. ومضت تقول: “قد يكون لدى هذين البلدين أحدث الطائرات العسكرية، لكن أدائهما في اليمن يشير إلى أن النصر على الحوثيين لم يتحقق بعد”.
وأردفت: “في السنوات الخمس الماضية، كافح السعوديون للإعلان عن انتصار صريح على ما وصفوه بأنه ميليشيا ضئيلة”. وأوضح مقال “ميدل إيست آي” أن التحديات الجديدة التي تواجهها السعودية والإمارات لن تكون حروبًا تقليدية، يمكن فيها لطائراتها المقاتلة أن تقلب التوازن لصالحها، وإنما حروبا غير تقليدية تتمثل في التخريب والهجمات البسيطة مثل هجمات هذا الأسبوع.
ومن الواضح، بحسب الكاتبة، أنه “لن تكون هناك وحدة عسكرية مرتزقة قادرة على مواكبة العقيدة المميتة للجيش الإيراني، وإن كانت شهيتهم للحرب ربما تكون أقل إلحاحًا هذه الأيام”. وزادت قائلة: “لا يمكن للقوات المصرية والسودانية وحتى السنغالية المستوردة أن تضاهي عزم الإيرانيين على الدفاع عن مصالحهم في الخليج وإنقاذ نظامهم واقتصادهم من الانهيار”.
ورأت مضاوي الرشيد، أنه “يجب على السعوديين أن يفهموا أن المرتزقة المستوردين ليسوا بديلاً عن جيش قوي ومن المشكوك فيه أن يتم نشر القوات الأمريكية مرة أخرى في الخليج، كما كان الحال في التسعينيات”.
لا انتصار
وأشارت إلى أن الهجمات الأخيرة ستزيد من ضعف السعودية والخوف من تصعيد صراخها طلباً للمساعدة من الولايات المتحدة. هذا سيكلفهم المزيد من المال واستنزاف مواردهم إلى حد إفلاس اقتصادهم.
ولفتت المعارضة للنظام السعودي، إلى أن الترف والازدهار الذي وعد به ولي العهد محمد بن سلمان قد يكون بمثابة وهم. ومضت تقول: “من ناحية أخرى، فإن إيران معتادة على التقشف وتناقص الموارد. ولم يتم وعد سكانها بنفس الروعة السعودية والترفيه”. وأضافت: “قد يستغرق الأمر مزيدًا من التقشف قبل أن يتسبب بتمرد، وهو وضع لا يمكن للقيادة السعودية أن تتأكد منه”.
إلى جانب حلفائها العرب الآخرين، مثل مصر، “ستفشل السعودية في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، على الرغم من ضعف هذه الأخيرة وفقدان شهيتها لمواجهة كبيرة في وقت يكافح فيه اقتصادها للوقوف على قدميه في ظل العقوبات الأمريكية”، بحسب الموقع البريطاني.
واعتبرت الرشيد أن “الإمارات أو السعودية لن تتوقعا النصر في حرب سريعة بقيادة الولايات المتحدة على إيران”. واستطردت قائلة: “في الواقع، يستبعدون بشكل أفضل احتمال الحرب ويبدؤون إعادة التفكير الجاد في علاقاتهم مع إيران”.
وأفادت الأكاديمية أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخر، مثل عمان والكويت وقطر، تعارض بالتأكيد المواجهة العسكرية مع إيران. والاعتقاد بأن مصر أو أي حليف عربي آخر يمكن أن ينجر إلى حرب في الخليج هو بالتأكيد غير واقعي.
وأشارت إلى أنه حتى شن هجوم بمساعدة أمريكية وإسرائيلية سيسفر عن اضطراب غير مسبوق. وتابعت: “إذن، قد تكون تلك الدبلوماسية هي الخيار الواقعي الوحيد لكل من السعودية والإمارات”، وختمت بأن إنهاء خطاب المواجهة والشجاعة يشكل خطوة أولى لقبول أن السلام بين الأمم يخدم الدبلوماسية بشكل أفضل من السلاح.