بقلم: ترف عبد الكريم

في حياتنا الكثير من التعقيدات التي نشهدها ابتداءً من النظام الدولي والسياسة والحقوق وصولاً إلى اختيارات الإنسان الخاصة، لا سيما في ظل وجود الأجواء الخانقة التي انتشرت في العديد من الدول المجاورة و في وطننا المسمى” بالسعودية” خاصة، بسبب الاستبداد المتجذر والآخذ بالتمدد والتضخم، الذي تصدى له الكثير من المناضلات والمناضلين في سبيل انتزاع حقوقنا وحرياتنا المسلوبة، منهم من ترجل عن صهوة جواده مرغماً راحلاً إلى ربه، ومنهم من أصبح في قبضة الظالم، ومنهم من بقى مرابطاً على ضفة المعركة الأخرى يواجه آلة الطغيان الضخمة بكافة أشكالها بما استطاع من سلاح كلمة الحق أو بتطويع مواهبه التي حباه الله بها، أولئك هم أهل الهمم العُليا وأهل الضمائر الحية، الذين يدركون أن الصمت والخوف ليسوا سوى بيئة خصبة لنمو المستبد و أذرعته، وأن حرية الإنسان وكرامته هي أغلى ما يملك.

لكن يحدث أن ينتابنا نحن النشطاء الحقوقيين اليأس أو الإحباط في بعض الأحيان، وهذا ما لا يجب أن يستمر حد أن يثنينا عن مواصلة العمل والدفاع عن معتقلي الرأي وفضح جرائم المستبد وكشفها، من باب الإحباط قد يقول أحدهم لا طاقة لنا اليوم بالمستبد وجنوده عندها  لنتذكر قوله تعالى ”  قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”

أعلم أننا نعاني من أنواع الاستبداد التي ما فتئنا نتجرعها، ومن تزييف الوعي أو انعدامه عند البعض، قد يأخذ أحدنا استراحة محارب قصيرة وسرعان ما يعود، في أوقات المعارك لا وقت للراحة وليس ثمة رفاهية، لا اكتراث بأولئك المحبطين المثبطين ولا رفع للشعارات الرنانة الحالمة، بل واقعية تحتم علينا عدم الوقوف في صفوف المتفرجين، ولا حماس يُفقد ويُصاب بالفتور عند العمل الجاد! وأنى يكون ذلك؟! وثمة معتقلات ومعتقلي الرأي في غياهب السجون يعانون، نصرتهم هنا وجبت. إذ علينا أن نذّكر بهم وبأعمالهم، مثلهم لا يجب أن يُنسى كما يُراد له، ثمة مقدرات البلاد والعباد يعبث بها الحاكم الظالم دون حسيب أو رقيب، ثمة قمع وبطش لكل من يحاول أن يرفع رأسه قليلاً قائلاً : أنا أرى..!

لو نتذكر قليلاً الدكتور سلمان العودة كيف تم تقييد يديه وقدميه داخل الزنزانة، و تغميض عينيه وحرمانه من الأكل والشرب أثناء التحقيق، والتحقيق معه لأيام متواصلة دون نوم، وكيف كانوا يقذفون له الطعام في أكياس، وهو مقيد اليدين لا يستطيع أن يفتحها إلا بواسطة فمه حتى تجرّح، وساءت حالته الصحية، كل هذا و ما الله به أعلم يحدث لعالم فاضل وجليل كسلمان العودة، أو عندما تتصدر ذاكرتنا تلك الحادثة البشعة التي لا يمكن أن تُمحى لا من ذاكرة التاريخ ولا من الذاكرة البشرية ألا وهي اغتيال جمال خاشقجي -رحمه الله- هو و د. عبدالله الحامد الذي تم اهماله طبياً وهو معتقلاً فكانت السلطات سبباً في وفاته، أو عندما نتذكر سلمى الشهاب طالبة الدكتوراة في جامعة ليدز في بريطانيا التي أُعتقلت تعسفياً وتعرضت للتعذيب وسوء المعاملة وحكم عليها بالسجن 34 عاماً كلها نافذة وتم تخفيض مدة الحكم في حكم لاحق، وتقفز الى ضمائرنا نورة القحطاني وهي  أم لخمسة أطفال ولديها ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة تم الحكم عليها بالسجن 45 عاماً ومثلها بعد الخروج منع من السفر! مأساة حقيقية تصدنا عن الالتفات إلى ما دون الدفاع عن الحقوق.

ثمة وثمة.. وكلها غيض من فيض، كافية بأن تكون وقوداً تشعل أفئدتنا وتحثنا على مواصلة السير على الطريق الصحيح في تصحيح المسار نحو الهدف المنشود، وأن تحطم قيود الخوف والعمل بحذر لمن هم داخل البلاد، وان تجعل المناضل يترفع عن سفاسف الأمور، وهكذا هو شأن جميع النشطاء المخلصين الذين يؤمنون بعدالة قضيتهم وجميعنا نسعى لبلوغ نفس المرام.