سلط مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط، بلال صعب، الضوء على تداعيات التطبيع المحتمل بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل مقابل إبرام اتفاق تلتزم بموجبه الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة حال تعرضها لهجوم عسكري، متسائلا: هل ستؤدي مثل هذه الخطوة إلى تعريض الاتفاق الدبلوماسي السعودي الأخير مع إيران للخطر؟

وذكر صعب، في تحليل نشره بموقع مجلة “فورين بوليسي” وترجمه “الخليج الجديد”، أن هناك سبب قوي للاعتقاد بأن هذا الخطر محدق، لأن إيران لا تقيم علاقات عدائية مع إسرائيل فحسب، بل إن هجمات مباشرة بين الدولتين تصاعدت على مدى السنوات السبع الماضية.

ففي العام الماضي فقط، نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 400 غارة جوية في سوريا وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط ضد أهداف تابعة لإيران وحلفائها.

وإذا احتضنت السعودية إسرائيل، فمن المرجح أن تتحدى إيران بقوة شرعية المملكة كزعيمة للعالم الإسلامي، وعلى الأرجح ستهدد أمنها ذاته، إما بشكل مباشر، كما فعلت في سبتمبر/أيلول 2019، عندما ضربت منشآت النفط السعودية بطائرات مسيرة وصواريخ، أو بشكل غير مباشر من خلال وكلاء إقليميين، بمن فيهم الحوثيين في اليمن.

وهنا يشير صعب إلى أن صداقة الرياض واشنطن أمر معتاد بالنسبة للإيرانيين، لكن الشراكة مع إسرائيل شيء آخر تمامًا، إذ لم تظهر الدولة العبرية أي تردد في استخدام القوة العسكرية لمواجهة الخطط والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

كما تشعر إيران بالقلق إزاء هجوم استباقي من جانب إسرائيل ضد برنامجها النووي أكثر من الولايات المتحدة.

ولذا، إذا تعاونت السعودية مع إسرائيل، فستفترض إيران أن الرياض ستوفر منصة للجيش الإسرائيلي لشن هجوم سريع ضد إيران، حتى لو لم تكن لدى القيادة السعودية أي نية للقيام بذلك، بحسب صعب.

وعندما وافقت الإمارات والبحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020، كان كلاهما حريصين للغاية على قصر أي حديث عن التعاون العسكري مع إسرائيل على مفاهيم غامضة حول السلام والاستقرار.

ولم يكن ذلك لأن أبوظبي والمنامة لم ترغبا في تحسين علاقاتهما العسكرية مع إسرائيل، بل لأن كلا منهما فهم أن تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل يمكن أن يستفز إيران، التي مارست أبو ظبي معها دبلوماسية لوقف التصعيد ومنع المزيد من الهجمات الحوثية ضد أهداف مدنية إماراتية.

وإذا اقتربت السعودية، أو أي من دول الخليج العربية، من إسرائيل أكثر مما ينبغي، وزودتها، على سبيل المثال، بمعلومات استخباراتية ووصول عسكري حاسم، فمن المرجح أن تهاجمها إيران، حسب ترجيح صعب.

وحتى لو اتبعت السعودية مسار الإمارات والبحرين وقيدت تعاونها الأمني مع إسرائيل بعد التطبيع، فإن ذلك لن يسلمها من الإدانة السياسية والدينية الإيرانية.

وبسبب موقعها ودورها وسلطتها في العالم الإسلامي، فإن المخاطر التي تواجهها السعودية أعلى بكثير من تلك التي تواجهها الإمارات أو البحرين أو أي دولة عربية إسلامية أخرى تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

فالملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يحمل لقب “خادم الحرمين الشريفين”، وهو مسؤول ليس فقط عن حماية وصيانة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، بل عن التأكد من أن مصير القدس يتم التفاوض عليه بشكل عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتعتبر القدس، موطن المسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع الإسلامية، وحجر الزاوية التاريخي في أي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني وقضية تحمل أهمية دينية عميقة للمجتمع السعودي والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

وإذا تم النظر إلى السعودية على أنها تتخلى عن الفلسطينيين وعن القدس، فستشن إيران حملة ضغط سياسي مكثفة ضد آل سعود.

ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتحدى فيها القادة الإيرانيون شرعية وسلطة القيادة السعودية، فلسنوات عديدة، دعا المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، العالم الإسلامي إلى رفض العائلة المالكة السعودية كخادمة للحرمين الشريفين لأنها “شجرة ملعونة” اخترقتها إسرائيل.

 

دولة فلسطينية

ولذلك، يرى صعب أنه “عندما يصر المسؤولون السعوديون على أن التطبيع مع إسرائيل لن يحدث ما لم تكن هناك دولة فلسطينية أو على الأقل عملية فعالة لإنشاء دولة فلسطينية، فإنهم يبدون صادقين”.

وفي السياق، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في يناير/كانون الثاني: “إن التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يأتي إلا من خلال منح الفلسطينيين الأمل، ومن خلال منح الفلسطينيين الكرامة”.

ولا يستطيع السعوديون تحمل صفقة تطبيع مع إسرائيل على غرار الإمارات والبحرين، والتي تقتصر على تعليق أو تجميد الضم الإسرائيلي للمستوطنات اليهودية وغور الأردن في الضفة الغربية، بل يحتاجون إلى شيء أكثر أهمية لأن سمعتهم، وشرعيتهم، وسلطتهم، وحتى أمنهم، على المحك.

غير أن صعب يرى أن القيادة السعودية، وتحديد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قد تختار ما هو أقل تأكيدا بشأن القضية الفلسطينية، بشرط أن يكون أكثر مما وعدت به الإمارات والبحرين، وأن تستجيب واشنطن لمطالب الرياض بشأن معاهدة دفاعية تلتزم فيها بحماية أمن المملكة ضد أي هجوم عسكري.

فالسعوديون يعتقدون أن إيران ستهدد أمن المملكة إن عاجلا أو آجلا، لكن مع وجود درع دفاعي أمريكي لحمايتهم، قد يغتنمون فرصتهم.

وتعلم الرياض أن مثل هذه الخطوة التاريخية ستغير قواعد اللعبة وستؤدي إلى استياء سياسي، وربما تهديدات أمنية من إيران.

كما تعلم السعودية أن التطبيع مع كل من إيران وإسرائيل قد لا يكون ممكناً، وهو بالضبط سبب تردد الولايات المتحدة في قبول الثمن الباهظ الذي تدفعه المملكة مقابل التطبيع مع إسرائيل.

وتساءل صعب: إذا تحققت الخطوة التاريخية وانتقدت إيران السعودية لتطبيعها مع إسرائيل، فهل ستكون الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بخوض حرب ضد إيران لصالح المملكة؟ وماذا لو تجنبت إيران العمل العسكري المباشر ضد السعودية واستخدمت وكلائها الإقليميين لمهاجمة المملكة، فكيف سترد واشنطن حينها؟

لا توجد إجابات سهلة على هذه الأسئلة، لكن الرياض تتوقع تلك الإجابات من واشنطن، بحسب صعب، مشيرا إلى أن “التعقيدات والتداعيات المترتبة على معاهدة التحالف الدفاعي المحتمل بين السعودية والولايات المتحدة كثيرة، لكن من الأفضل للقادة في الرياض وواشنطن أن يأخذوا في الاعتبار رد فعل إيران على صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية محتملة”.