في مشهد مشهور من فيلم “دارك نايت” أو “فارس الظلام”، يقدم “الجوكر” تفسيرا نادرا حول سبب قيامه بأفعاله الفوضوية المدمرة.
في هذا المشهد يقول: “أنا مثل كلب يطارد السيارات، لا أعرف ماذا أفعل إذا لحقت بواحدة، كما تعلم، أنا فقط أفعل تلك الأشياء”.
وإذا وجهنا أنظارنا صوب الشرق الأوسط، نجد هناك أميرا قد تكون أفعاله أقرب لهذه الفلسفة، ففي حين نشأ في بيئته المترفة، وافتقر لأي نوع من المساءلة، مع ثروة سيادية هائلة في متناول اليد، تحول ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” نوعا ما إلى شرير فوضوي، يشبه شخصية هزلية ما.
ويتضح لنا هذا في عملية القتل الفاشلة بكل المقاييس للصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، الذي لم يُقتل فقط في سفارة مزدحمة، بل استخدم قتلته جوازات سفرهم الحقيقية، بأسمائهم الحقيقية، مع محاولة لاستخدام ملابسه على رجل آخر للتضليل.
ويظهر هذا من جديد في الادعاء الأخير بأن “بن سلمان” قد اخترق هاتف “جيف بيزوس” عبر رابط أرسله لـ”بيزوس” في رسالة عبر “واتساب”، حيث استخلص مجموعة كبيرة من المعلومات الشخصية حول أغنى رجل في العالم، دون محاولة للتخفي أو تغطية مساره.
لذا فإن “بن سلمان” متهم الآن بتسريب رسائل “بيزوس” إلى عشيقته، وهو تسريب أعقبه محاولات لابتزاز رئيس “أمازون”.
ولكن ما الذي كان يبحث عنه “بن سلمان” بالضبط؟ هل كانت ضربة انتقامية ردا على انتقاد الأمير في “واشنطن بوست”، الصحيفة التي كان يكتب بها “خاشقجي” ويملكها “بيزوس”؟
هل كان “بن سلمان” يحاول كسب بعض النفوذ على “بيزوس”؟
حسنا، مع ذلك، لم يكن “خاشقجي” الخصم الأكثر عداء للعائلة المالكة السعودية، لماذا إذن يخاطر “بن سلمان”، الرجل الذي يحرص على تقديم نفسه كمصلح، بمثل هذا القدر الكبير من التجريم الدولي، بمثل هذا الضرر الذي لحق بسمعته، لإسكات أحد السعوديين البارزين في الصحافة الغربية لمجرد بعض النقد المعتدل؟
الجواب هو، لأنه طوال حياته اعتاد الإفلات من العقاب، وعدم المحاسبة، بل اعتاد على إرضاء كل نزوة تمر عليه.
بالنسبة لـ “بن سلمان”، فهو مثل كل أبناء المستبدين، الذين نشأوا في بيئة متشابهة من السلطة المطلقة، مثل “بشار الأسد”، الديكتاتور السوري، الذي ورث السلطة من والده الوحشي، “حافظ”، و”عدي حسين”، نجل “صدام” المشهور بتصرفاته الغريبة، حيث اشتهر بقتل أولئك الذين تسببوا في أقل إزعاج له، حتى من الموالين للرئاسة وأقربائه.
وقد عزز “بن سلمان” في البداية موقفه من خلال حملة تطهير طالت الأصدقاء وأفراد العائلة تحت راية “حملة مكافحة الفساد”.
وكانت حملته الفظيعة في اليمن، (التي انطلقت عندما تولى منصب وزير الدفاع في العشرينات من عمره، والتي أصبحت الآن مستنقعا للسعوديين)، مناورة دفاعية غير محسوبة، وحركة متهورة غير ناضجة.
وبصرف النظر عن تلك الحوادث سيئة السمعة دوليا، والمغامرة العسكرية ذات النتائج المروعة، فإن ارتقاء “بن سلمان” إلى حكم البلاد بحكم الأمر الواقع قد أدخل الدسائس إلى القصر.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تم إطلاق النار على حارس شخصي رفيع المستوى موالٍ لوالده الملك “سلمان”، بسبب “نزاع شخصي” مع صديق بحسب ما ذُكر، وبدأت الشائعات حينها تتحدث أن مقتل الرجل كان نتيجة انزعاج المؤسسة الأمنية القديمة بسبب سلوك “بن سلمان” المتقلب.
وأصبح الارتباك والاندفاع الآن سمة مميزة للدعاية السعودية ونشاطها على الإنترنت، فقد تم بالفعل تنشيط “جيش المتصيدين” السعودي على “تويتر” لمهاجمة “بيزوس” والدعوة لمقاطعة أمازون “لتعليم بيزوس درسا لا ينساه” إذا لم يعتذر عن الادعاء بأن “بن سلمان” اخترق هاتفه.
وفي العام الماضي، قام “تويتر” بتعليق 90 ألف حساب تم استخدامها لتخويف أولئك الذين انتقدوا العائلة المالكة السعودية، وعملت على الترويج لوسوم “تويتر” الجماعية التي تمجد ولي العهد.
وبعد كتابتي أنا شخصيا لبعض التغريدات بشكل انتقادي عن العائلة المالكة السعودية، غالبا ما تم استهدافي عبر الإنترنت بحسابات موالية للحكومة السعودية تدعي أنني أتلقى تمويلا من قطر.
ولا يوجد أي مخطط رئيسي لهذه الحملة على الإنترنت، ولا في الواقع لجهود العلاقات العامة السعودية ككل، بصرف النظر عن توجيه نوبات الغضب إلى أولئك الذين يشيرون إلى أن الجميع ربما ليسوا في نفس الصفحة مع المؤسسة الملكية السعودية.
ويتماشى النموذج الملموس لتكوين الصداقات واكتساب النفوذ مع أسلوب ولي العهد المراهق في العلاقات الخارجية؛ حيث تربى على اكتناز المال، الذي يعتقد أنه يمكنه شراء كل شيء.
وفي رحلاته إلى الولايات المتحدة، أحب “بن سلمان” الاجتماعات مع ملوك وادي السيليكون، مثل “مارك زوكربيرج” و”بيزوس” نفسه.
وبشكل عام، يوجد نمط من السلوك يجعل من الصعب على الحلفاء الغربيين الاستمرار في تصوير المملكة العربية السعودية كحليف مؤهل في المنطقة.
وتتوقف السياسة الخارجية الغربية منذ فترة طويلة على صورة نمطية للقطبية الإقليمية، حيث تعتبر إيران والسعودية توأما متناقضا، حيث إيران هي الطرف غير المتوازن الذي يسعى لتخصيب اليورانيوم، والمملكة هي الجهة الفاعلة المسؤولة المتوازنة، التي من المهم الحفاظ عليها ودعمها من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
ومن الصعب الآن الاستمرار في هذه السردية، حيث يواصل ولي العهد إثبات عدم وجود شخص راشد في الغرفة، وتشير آخر التقارير إلى أن “بوريس جونسون” تعرض لرسالة ذات رموز تعبيرية من “بن سلمان” على تطبيق “واتساب”، ما يضع رئيس الوزراء البريطاني في موقف المتشكك في محاولة لمعرفة ما إذا كان قد تم اختراق هاتفه هو الآخر، أو إذا كان “بن سلمان” مجرد مغرم بالتواصل عبر الصور وليس الكلمات.
وكما حدث من قبل، تم تسريب هذا أيضا إلى الصحافة.
ما يميز “بن سلمان” ليس التخطيط الماكر أو الخبيث؛ بل إنه يعبر تماما عن الفوضى القائمة على النزوات، والتي يتم تنفيذها عبر صندوق من أدوات، أو لنقل صندوق من الألعاب.
وفي الواقع، ربما ينبغي عليّ مراجعة مقارنتي السابقة، إنه يفتقر إلى ذكاء ومكر “الجوكر”، إنه أقرب إلى شرير هزلي في حلقة من مسلسل كارتون الأطفال “سكوبي دو”.
إن الشيء الوحيد الذي يفعله “بن سلمان” بشكل ثابت، مثل انتهاك المعايير الدولية، هو أنه يقوم بذلك بطريقة خرقاء يمكن تتبعها دائما ليتم التأكد كل مرة من أنه هو الفاعل.