في أبريل/ نيسان 2018 حل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضيفا على عشاء فخم أقامه عملاق الإعلام الأميركي اليهودي روبرت مردوخ في منزله بقبلة السينما العالمية هوليوود، حضره عدد من المشاهير، بينهم الممثل دوين جونسون المعروف باسم “الصخرة”.
وكان ابن سلمان آنذاك يرنو إلى فتح آفاق جديدة على السينما العالمية، ويحظى لبلاده بدور بارز في صناعتها بالشرق الأوسط، ويرسم نفسه في الوقت ذاته كزعيم مجدد ومغير لأنماط الحياة السعودية التي عرفت بشيء من التحفظ.
لكن بعد أشهر تحطمت أحلام ابن سلمان على وقع جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، واشتعل غضب عالمي ضد الأمير الشاب، على خلفية تورطه المباشر في الجريمة.
واليوم يعاود ابن سلمان الكرة وينطلق مرة أخرى للدخول بقوة في صناعة السينما العالمية، محاولا جذبها إلى المملكة كجزء من خطة صناعة الترفيه من جهة، وللحصول على مزيد من القوة الناعمة وتحسين صورته التي تضررت كثيرا في أعقاب مقتل خاشقجي من جهة أخرى.
قطب سينمائي
وهذا ما أكدته مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، عبر تقرير نشرته في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، حمل عنوان “محاولات ابن سلمان بمساعدة مستشاريه تكريس نفسه كقطب سينمائي”.
وذكر التقرير أن محمد بن سلمان بدأ بالفعل محاولة ثانية للدخول إلى عالم مشاهير هوليوود.
وكانت المحاولة الأولى إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب (2017 – 2021) قبل مقتل خاشقجي كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، لكنها فشلت لاحقا.
لكن هذه المرة يستطيع ابن سلمان النجاح بمساعدة مجموعة من مستشاريه، على رأسهم وريث إمبراطورية السلاح، رجل الأعمال السعودي محمد بن تركي.
وبحسب المجلة الفرنسية، يريد ابن سلمان جعل المملكة قبلة شرق أوسطية لشركات الإنتاج العالمية، عن طريق ضخ المليارات لإنتاج أفلام سينمائية سعودية ودولية.
كجزء من إستراتيجية تنويع الموارد الاقتصادية، وإدارة حملة العلاقات العامة العالمية لتجميل وجه الأمير، الذي تلاحقه اتهامات مروعة بانتهاكات حقوق الإنسان في بلاده.
وقالت المجلة إن “دعم أي حدث فني برعاية الرجل الذي اتهمته وكالة المخابرات المركزية بأنه قد أمر على الأرجح باغتيال خاشقجي، لا يزال ينطوي على مخاطر تتعلق بسمعته في الولايات المتحدة”.
محمد التركي
وهنا جاء دور الرجل الذي عهد إليه ابن سلمان بثقته البالغة لقيادة تلك الإستراتيجية، لصياغة العهد الجديد وتجاوز المتاعب القائمة، وهو محمد التركي، نجل عبد العزيز علي التركي، الذي يمتلك إلى جانب شقيقه صالح علي التركي اثنين من أكبر التكتلات التجارية في السعودية، “الروابي القابضة” و”نسما”.
وعائلة التركي من الأكثر ثراء في المملكة، من خلال عملها كشريك محلي للشركات الأجنبية التي تتطلع للفوز بعقود القطاع العام السعودي، وتحديدا في البناء والنفط وقطاع الأسلحة المربح بشكل خاص.
ويعد محمد التركي (35 عاما) نموذجا لجيل جديد من رجال الأعمال السعوديين المقربين من ابن سلمان، إذ يعرض عبر حسابه على “إنستغرام” صورا له مع مشاهير وفنانين ويتباهى بصداقاته معهم مثل الممثلة ميشيل رودريغيز والممثل إد ويستويك، إذ يروج لنفسه على أنه منتج سينمائي.
وظهر أن التركي هو مهندس هذه الإستراتيجية بوضوح عندما نجح في جذب عديد من نجوم السينما الفرنسية، بينهم كاثرين دينوف، وفينسنت كاسيل، وكذلك تييري فريمو (كبير منظمي مهرجان كان السينمائي الدولي) إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي، في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر/ 2021، وهو حدث غير مسبوق في السعودية.
وعقد المهرجان في مدينة جدة الساحلية الكبيرة، وفتح أبوابه بعد يومين فقط من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة.
واستهدف ابن سلمان ومن ورائه محمد التركي، أن يتم تصنيف المهرجان كواحد من الأحداث التي يجب تثبيتها في عالم صناعة السينما العالمية، على غرار مهرجاني فينيسيا وكان السينمائيين.
وذكر موقع “إسكواير العربية” السعودي في مطلع يناير/ كانون الثاني 2022 أن التركي أقام شبكة كبيرة من العلاقات مع رموز السينما الأميركية والعالمية على مدى السنوات العشر الماضية.
طموح هوليوودي
وفي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية تقريرا عن خطوات ابن سلمان في صناعة السينما السعودية، والدخول كذلك إلى هوليوود.
وقالت: إن “السعودية تسعى لتحقيق حلم هوليوود بميزانية 64 مليار دولار، وهكذا أصبحت المملكة الصحراوية وجهة لصانعي الأفلام بعد إنهاء حظر دام عقودا على السينما”.
وذكرت أن قرارات ابن سلمان وطموحاته الهوليوودية أدخلته بشكل مباشر في منافسة شرسة مع الإمارات، التي ما زالت تمثل مركز الجذب الرئيس للشركات والاستثمارات العالمية في المنطقة، من ضمنها السينما والإنتاج السينمائي والمهرجانات واجتذاب نجوم هوليوود.
وهكذا أصبح النفوذ السينمائي أحد أبرز مجالات التجاذب بين الأمير السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
ولم تغفل الوكالة الأميركية الوجه الآخر لابن سلمان، عندما أوردت سجله الحقوقي وقيامه بسجن معارضيه، وإسكاته المنتقدين لسياسته، واتهامه من قبل واشنطن صراحة بإصدار أمر بقتل جمال خاشقجي، وهي تهمة تنفيها السعودية.
وقالت مع ذلك يسعى ابن سلمان لاجتذاب المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ونجوم هوليوود، ما يساهم في إعادة تأهيل صورة الأمير.
وشددت بلومبيرغ على أن تلك الشخصيات عرضة لانتقادات حقوقية مفادها أن “البريق المتلألئ على تلك البؤرة السياسية المشبوهة هو الأكثر قتامة”.
تغريب وشذوذ
ولم يكن للسينما وجود من الأساس في السعودية حتى عام 2018، وكانت محظورة ضمن حزمة إجراءات تضمنت أيضا منع النساء من قيادة السيارات، والفصل بين الجنسين في المطاعم، وحظر معظم أشكال الترفيه، من الحفلات الموسيقية إلى عروض الأفلام باعتبارها غير محافظة.
لكن ابن سلمان كانت له منهجية مخالفة عندما قرر إزالة القيود الاجتماعية وأطلق موسم الرياض عبر حفلات موسيقية وفعاليات ترفيهية، والآن يهيئ المملكة لعصر السينما العالمية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2019، سحبت شبكة نتفليكس إحدى حلقات برنامج “باتريوت آكت” من خدمة البث في السعودية، بعد انتقادها اغتيال خاشقجي.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، قال الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس السينمائية ريد هاستينغز، إن “السعودية وافقت على بث محتوى جنسي عبر منصتها في المملكة، مقابل حجب برنامج انتقد ولي العهد محمد بن سلمان”.
وقال هاستينغز، في مقابلة مع شبكة CNN الأميركية، إن الشركة وافقت على طلب الرياض حجب برنامج “حسن منهاج” الساخر، مطلع 2019، لكن نتفليكس تمكنت في المقابل من بث أفلام ومسلسلات تتضمن محتوى جنسيا وشاذا.
يذكر أنه خلال زيارة ابن سلمان إلى هوليوود في أبريل 2018 لم يكن الجميع سعداء بالحفاوة التي تم استقبال الأمير ووفده بها، خلال عهد ترامب.
إذ تظاهر نشطاء بالحركة النسوية “كود بنك” خارج العديد من مقرات لقاءات الوفد السعودي، لتوعية الناس بحملة القصف التي قادتها السعودية في اليمن، وأسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص ونزوح مليوني مواطن.
وقد حمل النشطاء لافتات كتب عليها “ابن سلمان ليس أمير الأحلام”.