تتوالى الأنباء عن قرب استئناف المحادثات بين السعودية وإيران بوساطة عراقية خلال 2023، بعد 5 جولات عقدت بين الطرفين في بغداد فشلت في إعادة تطبيع العلاقات بينهما إلى ما قبل عام 2016، حين جرى حرق سفارة الرياض في طهران احتجاجا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.

وانطلقت أولى جولات المحادثات المباشرة بين إيران والسعودية في أبريل/ نيسان 2021 وكانت الخامسة والأخيرة في الشهر نفسه عام 2022؛ وذلك برعاية مباشرة من رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع الرياض وطهران.

 

استئناف المحادثات

وفي 26 ديسمبر/ كانون الأول 2022، كشف مسؤولان عراقيان لصحيفة “العربي الجديد”، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، طلب من وزير الخارجية فؤاد حسين، وفريق من مكتبه استئناف جهود الوساطة العراقية بين طهران والرياض بغية ترتيب لقاء جديد بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.

ونقلت الصحيفة الإلكترونية عن مسؤول في وزارة الخارجية العراقية (لم تكشف هويته) أن “السعوديين أبدوا تجاوبا مع عودة الحوارات على مستوى منخفض، غير أن انعقاد الجولة الجديدة متوقف على الإيرانيين بالدرجة الأولى”.

وأوضحت ذلك بالقول: “الإيرانيون يطالبون بجدول زمني وملفات محددة لبحثها، مع التأكيد على عدم رغبتهم بمناقشة ملفات معينة (دون ذكرها)”.

وفي ضوء هذه الأنباء، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن الرياض وطهران متفقتان على مواصلة المحادثات بينهما ويمكنهما عقد جولة جديدة في بغداد.

وأضاف كنعاني في مؤتمره الصحفي الأسبوعي في 27 ديسمبر، أن الحوار بين وزيري خارجية إيران والسعودية الأخير بالأردن كان “بنّاء ومعبرا عن استعدادهما لمواصلة الحوار”.

وتابع: “سياستنا واضحة بشأن الحوار مع السعودية، ولحسن الحظ فإن الرياض وطهران متفقتان على مواصلة الحوار، وفي ظل الأجواء الحالية يمكن عقد جولة جديدة في بغداد”.

وأضاف أن “الأصدقاء العراقيين بذلوا جهودا كبيرة وجيدة خلال الجولات السابقة ويواصلون جهودهم في هذا المجال، فالطرف العراقي محل ثقة للطرفين الإيراني والسعودي، ونرحب بجهوده لعقد جولة جديدة”، وفق قوله.

ومضى يقول: “يبدو أن هناك رغبة لاتخاذ خطوة جديدة، وبالنسبة لإيران يمكن للمفاوضات أن تتواصل حتى استئناف العلاقات الرسمية بين دولتين جارتين ومهمتين في المنطقة”.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قد أعلن إجراء “حديث ودي” مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون في الأردن (20 ديسمبر 2022)، كاشفا عن أن وزير الخارجية السعودي “أكد استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إيران”.

لكن الجانب السعودي لم يصدر عنه أي تعليق بخصوص استئناف المحادثات مع إيران أو ما صدر عن وزير خارجيتها من تصريحات عبر تغريدة على “تويتر” في 21 ديسمبر.

ويعد الاجتماع الذي عقده عبداللهيان وابن فرحان على هامش مؤتمر بغداد في 20 ديسمبر، أعلى مستوى من التفاعلات بين البلدين منذ قطع العلاقات في عام 2016.

 

“مفاوضات ميتة”

وعلى صعيد الجديد في المحادثات المحتملة، قال باحث عراقي مهتم بالشأن الإيراني، إن “المسؤولين في العراق دورهم السمسرة، فهم يحاولون إنقاذ إيران من وضعها المزري مقابل البقاء في مناصبهم، سواء رئيس الوزراء أو غيره من زعماء المليشيات والأحزاب الموالية لطهران”.

وأضاف الباحث، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لـ”الاستقلال”، أن “المسؤولين في العراق بات حالهم حال بعض مسؤولي الأنظمة العربية، الذين يدفعون ثمن تعاملهم الصريح مع إسرائيل لتوطيد العرض وأمن بلدانهم، وهذا ما يحصل مع حلفا إيران، لكن لتأمين حياتهم والبقاء في مناصبهم”.

من جهته، قال الكاتب الإيراني محمد سلامي، إنه “بعد اندلاع الاحتجاجات في إيران على وفاة شابة اعتقلتها شرطة الآداب في سبتمبر (أيلول) 2022، توقفت عملية المباحثات. والعلاقات بين إيران والسعودية الآن في أدنى مستوياتها، ويتكهن البعض بأن المفاوضات قد تكون ميتة”.

وأضاف في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في 26 ديسمبر: “أدت هذه التطورات إلى تعتيم مستقبل المفاوضات الإيرانية السعودية وإزالة المحادثات من أجندة طهران، إضافة إلى الاحتجاجات المستمرة، تورطت طهران في حرب إعلامية”.

وأوضح سلامي أن “السعودية شنت حملة دعائية واسعة النطاق ضد إيران من خلال وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية، ما أثار حفيظة السلطات الإيرانية التي اتهمت السعوديين بمحاولة استفزاز الشباب الإيراني”.

وعلى الرغم من أن السعودية تعمل بشكل غير مباشر على تأجيج عدم الاستقرار السياسي في إيران عبر وسائل الإعلام، إلا أن الرياض وجيرانها الخليجيين رفضوا حتى الآن التعبير عن أي موقف رسمي بشأن الاحتجاجات، واختارت على ما يبدو سياسة “الانتظار والترقب”، وفقا للكاتب.

ورأى أنه “يمكن النظر إلى موقف السعودية فيما يتعلق باحتمالية الانفراج مع إيران، على افتراض استقرار الأخيرة، فيما يتعلق بثلاثة عوامل: حرب اليمن، ودور الإدارة الأميركية في الوساطة، وحملة التطبيع الإسرائيلية المستمرة”.

وأكد سلامي أنه “في الوقت الحالي، العلاقات بين السعودية وإيران متوترة بشكل كبير، ومن غير الواضح متى يمكن عقد جولة سادسة من المحادثات. ومع ذلك، فإن كلا البلدين يدرك أنه لا يستطيع حل المشاكل الإقليمية دون تعاون”.

وقبل ثلاثة أشهر، في ذروة الاحتجاجات في إيران، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لقناة فرانس 24: “لدينا بالتأكيد نية لبناء علاقة إيجابية مع جيراننا في إيران”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال نظيره الإيراني إن “طهران مستعدة لعقد اجتماع مشترك لوزراء الخارجية والدفاع من دول الخليج ودول الجوار الأخرى”.

بينما قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، خلال مقابلة تلفزيونية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إنه يبدو أن “إيران والسعودية قد شرعتا في مسار دبلوماسي، لكن لا يزال الطريق أمامنا غير واضح”.

 

“عوامل مؤثرة”

من جهته، قال الكاتب مختار شعيب عبدالله خلال مقال خلال موقع “ستراتيجيكس” في 26 ديسمبر إن هناك العديد من العوامل المؤثرة في المحادثات السعودية الإيرانية.

منها: “الترحيب الدولي والإقليمي بهذه المباحثات، ولا سيما من أميركا والاتحاد الأوروبي وروسيا والدول العربية والأمم المتحدة، وهو ترحيب يشجع الطرفين على الاستمرار في التفاوض لتضييق الهوة بينهما”.

وأشار عبدالله إلى أن “التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة أقنعت إيران والدول العربية بضرورة وضع الخلافات جانبا، واعتماد لغة التفاهم والتنسيق لمصلحة المنطقة برمتها”.

خاصة أن الإرادة السياسية الحالية لدى الجانبين تفضّل التفاوض على لغة الصراع والتهديد، لأن لكل منهما أجندة عمل داخلية تجاه شعبها مليئة بالطموحات، خاصة بالنسبة للجانب السعودي في ضوء رؤية 2030، يضيف الكاتب.

وتابع: كما أنّ الجانب الإيراني في حاجة لإنجازات داخلية ترضي الرأي العام الذي يشهد سلسلة من الاحتجاجات؛ آخرها جاءت بعد وفاة الشابة مهسا أميني، وهي الاحتجاجات التي توسعت لتضم مطالبات شعبية متنوعة متعلقة بمستوى المعيشة والظروف الاقتصادية.

واستنتج قائلا: ومن ثمّ فهي بحاجة ماسة لشرعية الإنجاز للحفاظ على استقرار الدولة والنظام، خاصة بعد أن أثبت خطاب “المؤامرة” وتحميل المسؤولية للخارج عدم نجاعته.

كما أن هناك دافعا آخر يعزز هذا التوجه، وفق عبد الله، وهو القناعة الإيرانية، التي عبر عنها مسؤولوها أكثر من مرة، بأن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الدول الخليجية خاصة السعودية وإيران سيحد من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، ويعزز مكانة طهران بين جيرانها العرب.

كما أنه سيفتح الباب لتطوير العلاقات الإيرانية مع جميع الدول العربية، ولا سيما المغرب والبحرين والسودان وجيبوتي، يوضح الكاتب المختص في الشؤون الخليجية.

وتوصل عبد الله إلى أن “الخطاب التصعيدي من الجانب الإيراني على وقع مزاعمها بتدخل سعودي وإقليمي في الاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليا، سيكون أحد العوامل الدافعة لاستئناف هذا الحوار”.

وقال إن “الوضع الحالي شبيه بالخطاب التصعيدي بين البلدين عقب الهجمات التي استهدفت بنى تحتية نفطية سعودية في 30 سبتمبر 2019، لذا يتوقع أنه وبسبب الحاجة لدى الطرفين الإيراني والسعودي لحل أزمات عالقة بينهما أن تبدأ الجولة السادسة قريبا”.

وتوقع أن “تركز الجولة السادسة على القضايا الأمنية خاصة المرتبطة بمطالب إيران ومزاعمها بشأن وقف الدعم السعودي – خاصة الإعلامي – للاحتجاجات الداخلية في إيران، وستطلب السعودية في المقابل وقف الدعم العسكري لجماعة الحوثي باليمن، والعمل على دفع الجماعة للعودة إلى الهدنة الدولية التي انتهت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022”.

وكان من المقرر عقد جولة سادسة بين طهران والرياض نهاية يوليو/تموز 2022، على مستوى وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبداللهيان وفقا لما أعلن عنه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في 23 يوليو.

إلا أن هذه الجولة تأجلت لأسباب متضاربة بحسب أوساط عراقية، من بينها أن التأجيل جاء بطلب إيراني للعراق، وأخرى تحدثت عن خلافات حيال الملفات التي ستُطرح في هذه الجولة، ومنها الملف اليمني.