ياسين التميمي
تسجل تركيا في الشمال الغربي لسوريا موقفاً يليق بدولة عظيمة تتمتع بمسؤولية تاريخية وأخلاقية إزاء معركة تتعرى فيها مواقف دول وحكومات، لكنها بالنسبة لليمنيين باتت مؤشراً خطيراً على طبيعة المآلات المستقبلية للوضع الكارثي الذي تكرسه السياسات السعودية والإماراتية في بلادهم.
فالصحافة السعودية وتعليقات الكتاب المقربين لولي العهد السعودي ومجموع الذباب الالكتروني؛ يكرسون جميعاً مفردات جديدة في الخطاب السعودي السياسي والإعلامي تجاه الأحداث والتطورات الراهنة في سوريا.
سبق للسعودية منذ اللحظة الأولى لتدخلها في خضم الثورة السورية وتبينها موقفاً متشدداً إزاء رأس النظام السوري؛ أن تعمدت تلغيم خيارات الشعب السوري التواق للحرية والديمقراطية والانعتاق بجماعات سلفية يتحمل الشعب السوري اليوم وزر وجودها العبثي في المشهد السوري، وها هي تحرف موقفها ليتحول إلى حرب ضد الشعب السوري وجيشه الذي يدافع عن آخر معاقله الآمنة في شمال غرب سوريا.
الخطاب السعودي الذي عبرت عنه بشكل واضح صحف مقربة من القصر مثل صحيفتي الوطن وعكاظ وغيرها، بات يصف الجيش الوطني السوري بالمليشيا المدعومة من تركيا، في تحول يعكس في حقيقته اضطرابا في الموقف السياسي والأخلاقي للسعودية في ظل المتحكم الجديد بهرم القيادة فيها، والذي لا يزال يكافح من أجل تأسيس مشروعية سلطته بمعايير غربية تشكل في جوهرها موقفاً صادماً للداخل للقيم والثوابت الراسخة للشعب في المملكة.
تدعي السعودية أنها تواجه المد الإيراني في اليمن وتملأ الدنيا صراخاً لتؤكد أن حزب الله متورطٌ في دعم الحوثين وأن إيران لا تتوقف عن ضخ الأسلحة للحوثيين، لكنها لا تبدو مكترثة للتحولات الجوهرية التي تشهدها الساحة السورية، بعد أن تحولت خلال الأيام الماضية إلى مقبرة للميلشيا المدعومة من إيران، بل أنها تتبنى موقفاً يمكن وصفه بالداعم للمهمة الإيرانية في سوريا، مادامت تشكل مصدر إزعاج للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ففي محافظة إدلب وريف حلب الغربي يواجه الجيش الوطني السوري حشداً كبيراً من مليشيات شيعية عابرة للحدود وممولة من إيران ومرتزقة من كل البلدان، كلها جاءت لتساهم في تكريس سلطة الأسد على شعب لم يعد يمتلك مدينة واحدة سليمة؛ من الهدم بالقصف الجوي وبالبراميل المتفجرة وبالأسلحة الكيماوية.
في التاسع والعشرين من شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، أطلق التحالف السعودي الإماراتي على الجيش الوطني في اليمن وصف المليشيات الإرهابية التابعة للإخوان المسلمين، عندما فكر هذا الجيش أن يفرض القانون في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، بعد انقلاب مدعوم من هاتين الدولتين أدى إلى خروج السلطة الشرعية من المدينة بشكل كامل ولم تعد حتى اليوم.
المستقبل الذي ينتظر اليمن يبدو شديد السواد على ضوء المواقف السعودية الغادرة التي ترعى الموجة المضادة من حرب الانقلابيين على السلطة الشرعية التي جاءت إلى اليمن لدعمها، على ضوء التقدم الذي يحققه الحوثيون في محافظة الجوف.
يحدث ذلك رغم أن معظم الذين يحتلون واجهة الشرعية من المسؤولين والقيادات، وآخرهم رئيس هيئة الأركان العامة اللواء حمود صغير عزيز، تم فرضهم من جانب السعودية ولم يعد لهم صلة بالمشروع الوطني. ومع ذلك تمضي السعودية في تحقيق ما يبدو أنها الأهداف النهائية، من تدمير اليمن وإعادة هندسته بما يبقيه ضعيفاً.
وفي حين تفقد السلطة الشرعية أو تكاد محافظة أخرى كانت تحت سيطرتها هي محافظة الجوف، تتواصل التعزيزات العسكرية السعودية التي تصل إلى عدن وإلى محافظة المهرة في جنوب وجنوب شرق البلاد، على نحو يفضح طبيعة المخطط السعودي العدواني لكونه يشكل مصدر تهديد وجودي لكيان الدولة اليمنية.
هذا التهديد يتجلى في شكل ترسيخ ممنهج للوقائع على الأرض، يظهر معها اليمن نتفاً ومجالات نفوذ مفككة لجماعات مسلحة تمكنت أكثر ما تمكنت بفضل الدعم السعودي والإماراتي. والأمر يتعلق بالحوثيين في شمال البلاد مثلما يتعلق بالمجلس الانتقالي في جنوبها، ومثلما يتعلق بالمليشيات الجديدة التي تدعمها في محافظة المهرة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من اليمن.
ليس هناك ما يمنع بلداً مثل السعودية التي بدلت مواقفها إلى هذا القدر في كل من سوريا وليبيا لتتحول إلى أكبر ممول لشبكة دولية من المرتزقة؛ من أن تدفع باليمن في ظل رئيس منعدم الخيال والخيارات والمواقف المشرفة وشرعية مفككة، نحو وضع يتصادم مع أبسط التطلعات المشروعة للشعب اليمني.