جميع المؤشرات تؤكد صحة ما ذهبت إليه تقارير متخصصة، تحدثت منذ سنوات عن تدهور متوقع للاقتصاد السعودي، أحد الاقتصادات العشرين الأقوى في العالم.

آخر ما أكد تلك التوقعات هو التراجع الذي سجلته أرباح شركات البتروكيماويات السعودية، المدرجة في البورصة المحلية، خلال النصف الأول من عام 2019، وقد بلغت نسبة هذا التراجع 56%، إلى 8.3 مليارات ريال (2.2 مليار دولار).

شركات البتروكيماويات السعودية المدرجة ضمن البورصة (13 شركة) كانت سجلت صافي أرباح بلغ 18.9 مليار ريال (5 مليارات دولار) في الفترة المناظرة من 2018.

وبحسب مسح أجرته وكالة “الأناضول” تراجعت الأرباح الصافية لـ”سابك” السعودية، أكبر شركة بتروكيماويات في الشرق الأوسط وأكبر شركات البورصة وقطاع البتروكيماويات بالمملكة، بنسبة 54.8% على أساس سنوي، خلال النصف الأول 2019.

وبحسب إفصاح الشركة للبورصة المحلية بلغ صافي أرباح سابك 5.5 مليار ريال (1.47 مليار دولار)، مقارنة مع 12.2 مليار ريال (3.25 مليارات دولار)، في الفترة المناظرة من 2018.

و”سابك” رابع أكبر شركة بتروكيماويات في العالم، مملوكة من الدولة.

 

الاقتصاد السعودي.. إلى الوراء سر

في يوليو الماضي أظهر تقرير لشركة “كامكو” الكويتية للبحوث الاقتصادية، ارتفاع العجز لبلدان الخليج العربي من 28 مليار دولار في 2018، إلى 50 مليار دولار في 2019 ؛ نتيجة استمرار سياسات التوسع المالي بدول المنطقة، وزيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 5.5% إلى 605.6 مليارات دولار بالعام الجاري.

وذكر التقرير أن السعودية ستساهم بنسبة 76% من إجمالي زيادة النفقات خلال العام الجاري، وبقيمة تقدر بـ24 مليار دولار.

والعام الماضي، حقق الاقتصاد السعودي نمواً متواضعاً بنسبة 1.6%، بحسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.

وهذا النموّ دعمه زيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره؛ بمعنى غياب أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي.

وبحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فإن نموّ الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%.

ويأتي الدين العام ضمن مؤشرات تراجع الاقتصاد السعودي، فبحسب تفاصيل موازنة المملكة للعام 2019، من المرتقب أن يزيد حجم الدين العام إلى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار) في السنة الحالية.

وفي نهاية العام 2018، كان الدين العام المستَحق على الحكومة السعودية قد وصل إلى 576 مليار ريال (153 مليار دولار)، كما ورد في بيانات وزارة المالية التي أعلنتها على صفحتها الرسمية بموقع “تويتر”.

وكانت قيمة الدين العام للسعودية وصلت، مع نهاية العام 2017، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.

ويُشكّل الدين الحكومي السعودي نحو 19.1% من الناتج المحلي للبلاد في 2018، في حين كان 17.3% في العام 2017 وقرابة 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.

وضمن سلسلة الأزمات لم يحقّق الاحتياطي السعودي من النقد الأجنبي تقدّماً حقيقياً، وذلك بعد تراجعه خلال السنوات الماضية.

وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن مؤسّسة النقد العربي السعودي، انخفضت موجودات المؤسّسة، خلال فبراير الماضي، لتصل إلى نحو 500 مليار دولار، بانخفاض 7.25 مليارات دولار، مقارنة بشهر يناير الماضي.

وبعد هذا الانخفاض عاد الاحتياطي النقدي لتعويض جزء ضئيل ممَّا فقده ليصل إلى 506.4 مليارات دولار، وفق أحدث بيانات المؤسسة حول احتياطات النقد الأجنبي بالسعودية.

ومنذ العام 2014، فَقَدَ احتياطي النقد الأجنبي السعودي نحو 36% من قيمته، حيث كان يبلغ 737 مليار دولار.

وساهم انهيار أسعار النفط، وزيادة الإنفاق العسكري والأمني في المملكة بسبب الحرب اليمنية، وعجز الموازنة العامة، في الضغط على الاحتياطي النقدي، ولجوء الحكومة للسحب منه لتغطية زيادة نفقاتها العامة.

وضمن التراجع باقتصاد السعودية، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر فيها إلى 1.4 مليار دولار نهاية العام الماضي، مقارنة بـ7.5 مليار دولار بالعام 2016، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

ويقارن هذا الانخفاض بنسبة الاستثمار التي بلغت 18.2 مليار دولار سنوياً في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية، في العامين 2007 و2008.

وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة “المونيتور” الأمريكية أن الاستثمارات الأجنبية في السعودية سجّلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 80%.

 

الطعنات تدمي جسد الاقتصاد السعودي

مطلع العام الجاري كشفت صحيفةُ “الوطن” المحلية النقاب عن انتكاسة كبيرة في الاقتصاد السعودي؛ حيث ذكرت أن 26 منشأة تغادر المملكة يومياً.

فبحسب الصحيفة، بلغ عدد منشآت القطاع الخاص، في الربع الثالث من عام 2018، 453.715 منشأة، بعد أن كانت 460.858 منشأة بالربع نفسه من عام 2017، وهو ما يعني خروج 7143 منشأة من سوق العمل خلال عام.

وعلى العكس من سعي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتحقيق “رؤية 2030″، الهادفة إلى تنويع اقتصاد بلاده وفتح المجال للمستثمرين السعوديين والأجانب للاستثمار داخل المملكة، تكشف تقارير إعلامية متخصصة عن هروب جماعي لرؤوس أموال السعوديين من المملكة.

ففي شهر نوفمبر 2018، توقّع بنك “جيه بي مورغان” (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) أن تصل تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج السعودية، خلال 2018، إلى 90 مليار دولار.

وتوقّع أيضاً تزايد حجم الأموال التي ستهرب من المملكة خلال 2019.

وحسب تقارير غربية، فإن رجال المال في السعودية باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل أية مشاريع بالسعودية، منذ حملة اعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال بفندق “ريتز كارلتون” تحت اسم “محاربة الفساد”، في نوفمبر 2017، التي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب.

 

البحث عن مخرج

وفي محاولة لإنقاذ اقتصادها الذي يواجه مخاطر وتحديات كبيرة تدفعه بقسوة نحو الانحدار؛ بداية بالمعارك التي تشعلها في جارتها الجنوبية مع “الحوثيين”، وليس انتهاء بالأزمة الخليجية، والحرب الباردة مع إيران، أعلنت السعودية، في يونيو الماضي، أنها تعمل على إنهاء اتفاقيات خصخصة، تتجاوز قيمتها ملياري ريال (533 مليون دولار)، قبل نهاية العام.

وتلك الاتفاقيات تعتبر خطوة جديدة تلجأ إليها الرياض في طريق البحث عن مصادر جديدة لدعم إيراداتها الحكومية.

وقال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة بالعاصمة البريطانية، في 16 يونيو 2019: إن “المركز الوطني للتخصيص يقوم حالياً بالعمل على إنهاء اتفاقيات تتجاوز قيمتها ملياري ريال في مجالات عدة؛ تشمل مطاحن الدقيق، والخدمات الطبية، وخدمات الشحن”.

وأضاف بن سلمان أنه “من المتوقع الانتهاء من هذه الاتفاقيات قبل نهاية عام 2019″، مشيراً إلى أن حكومة بلاده ملتزمة بالطرح الأولي العام لعملاق أرامكو “وفق الظروف الملائمة، وفي الوقت المناسب”. وتوقع أن يتم الطرح العام بين عامي 2020 و2021.

وخطط “الخصخصة” طرحها بن سلمان عام 2016 ضمن رؤية 2030، التي يهدف من ورائها لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وإخراجه من الاعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط خلال مدة تبلغ 15 عاماً، وهو ما لم يتمكن من الشروع به حتى اليوم.

وتظهر مؤشرات الاقتصاد السعودي مخاطر كبيرة تواجهها المملكة؛ فإضافة إلى عجز الموازنات السنوية المتواصل منذ العام 2014، فإن الاحتياطي العام للمملكة انخفض من 732.3 مليار دولار في نهاية 2014، إلى 490 مليار دولار، العام الماضي 2018.

فضلاً عن ذلك فقد قفز الدين العام للرياض من نحو 11.8 مليار دولار نهاية 2014، إلى 153 مليار دولار نهاية العام الماضي.

وتتوقع المملكة زيادة الدين العام ليصل إلى نحو 180 مليار دولار في 2019، وهذا الرقم يمثل نحو 21.7% من الناتج المحلي.