قالت منظمة Human Rights Watch الدولية لحقوق الإنسان، إن صياغة القوانين في السعودية يتم في ظل مناخ قمعي لا يوحي بالثقة.
وأبرزت المنظمة في تقرير لها، المخاوف من أن تُقنِّن الحكومة السعودية الممارسات المسيئة التي تطورت على مدى عقود طويلة بغياب قانون عقوبات مكتوب في المملكة.
وقالت إن على السعودية ضمان أن يتماشى قانون العقوبات المقبل بالكامل مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأعلنت السلطات السعودية في فبراير/شباط 2021 أن إصلاحات العدالة، بما فيها أول قانون عقوبات مكتوب في البلاد لجرائم التعزير – جرائم بموجب الشريعة الإسلامية غير محددة كتابةً ولا تنطوي على عقوبات محددة مسبقا – سيتم إدخالها هذا العام، لكن لم تُنشَر أي تفاصيل.
وأكدت المنظمة أنه سيكون من المهم تحديد جميع الأحكام التي تُجرّم السلوك بوضوح، وينبغي ألا يُقنن قانون العقوبات الاتهامات التعسفية الحالية لتكون جرائم واسعة النطاق وشاملة تُجرّم الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، من بين حقوق أخرى.
وشددت أن على السعودية أيضا أن تنتهز هذه الفرصة لإلغاء عقوبة الإعدام تماما، وإنهاء قمعها للمجتمع المدني المستقل والأصوات الناقدة حتى يتمكنوا من تقديم وجهات نظر مستقلة لزيادة فرص نجاح جهود الإصلاح.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “حتى يكون نظام العدالة في السعودية منصفا ومستقلا وفعالا، فهو بحاجة ماسة إلى تغيير جذري، لكن المناخ القمعي الذي يتم في ظله صياغة القوانين الجديدة لا يوحي بالثقة”.
وانتقدت هيومن رايتس ووتش مرارا الانتهاكات المتفشية في نظام العدالة الجنائية السعودي، بما في ذلك فترات الاحتجاز الطويلة دون تهمة أو محاكمة، والحرمان من المساعدة القانونية، واعتماد المحاكم على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كأساس وحيد للإدانة.
وفي السعودية تُعَد انتهاكات حقوق المتهمين أساسية ومنهجية لدرجة أنه من الصعب التوفيق بين نظام العدالة الجنائية السعودي ونظام يستند إلى المبادئ الأساسية لسيادة القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
حددت هيومن رايتس ووتش، بناء على عمليات التوثيق السابقة التي أجرتها وبالتشاور مع نشطاء حقوقيين سعوديين في الخارج، خمسة إصلاحات رئيسية ينبغي إدراجها في قانون العقوبات المكتوب المنتظر كي يفي بالمعايير الدولية.
التأكد من تقنين جميع أحكام قانون العقوبات والقوانين الأخرى ذات الصلة التي تُجرم السلوك أو المعاقبة على السلوك الذي يعتبر إجراميا.
ينبغي أيضا تحديد جميع العناصر التي تُشكل جريمة وعقوبتها المحتملة بوضوح حتى يتمكن الشخص العادي من تحديد ما إذا كانت أفعاله ستُشكل جريمة جنائية، ويجب أن تكون الجريمة معترف بها بوضوح بموجب القانون الدولي. يُمكن أن يعاقَب الأشخاص أيضا أكثر من مرة على الجريمة نفسها.
في ظل عدم وجود قانون عقوبات مكتوب، يشرع بعض القضاة السعوديين في إثبات أن المتهم قد تورط في فعل معين، ثم يصنفوه بعد ذلك كجريمة، بدلا من إثبات أن المتهم قد ارتكب جريمة محددة منصوص عليها في القانون.
أحكام المحاكم السابقة لا تُلزم القضاة السعوديين، وليس هناك ما يشير إلى أن القضاة يسعون إلى توحيد الإدانة أو تحديد الأحكام على الجرائم المماثلة.
تشمل القوانين الحالية، بما فيها “نظام مكافحة جرائم الإرهاب” سيئ الصيت و”نظام مكافحة جرائم المعلوماتية”، أحكاما غامضة وفضفاضة للغاية تم تفسيرها وإساءة استخدامها على نطاق واسع. لا سبيل للمواطنين والمقيمين والزوار لمعرفة ماهية الأفعال التي تشكل جريمة جنائية.
عدم تضمين أحكام تسمح للحكومة بقمع ومعاقبة الأشخاص بشكل تعسفي للتعبير السلمي عن آرائهم، في انتهاك للالتزامات القانونية الدولية، بما في ذلك على أسس تعريض “الأمن الوطني” للخطر.
منذ سبتمبر/أيلول 2017، بعد ثلاثة أشهر من تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، احتجزت السلطات السعودية عشرات الشخصيات السعودية البارزة، منهم رجال دين، وأكاديميون، ومفكرون، وصحفيون، ونشطاء حقوقيون، ومدافعات عن حقوق المرأة، وأدانت العديد منهم بتهم فضفاضة، تتسع لتأويلات مختلفة ولا تمثل جرائم معترف بها، بما في ذلك “دعم المظاهرات” أو “الخروج على ولي الأمر” و”محاولة تشويه سمعة المملكة”.
أدانت المحاكم السعودية كثيرين آخرين بتهم لا يعترف بها القانون الدولي على الإطلاق. في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020، عقب محاكمة مستعجلة، أدانت “المحكمة الجزائية المتخصصة” لجين الهذلول، الناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة، بمجموعة من التهم المتعلقة كليا بعملها الحقوقي السلمي.
شملت التهم مشاركة معلومات حول حقوق المرأة في السعودية مع صحفيين ونشطاء سعوديين في الخارج ودبلوماسيين وهيئات دولية ومنظمات حقوقية.
يجب أن يعرّف قانون العقوبات السعودي “الأمن الوطني” والانتهاكات ضده بمصطلحات محددة وصياغة قانونية دقيقة منضبطة لا تنتهك الحقوق المكفولة دوليا في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. على قانون العقوبات ألا يجرّم “إهانة” الشخصيات الدينية وقادة الحكومة.
على السعودية أيضا تعديل أو إلغاء القوانين التعسفية التي أُقِرّت بالفعل، بما في ذلك نظام مكافحة جرائم الإرهاب ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية والتشريعات الأخرى التي تسمح للحكومة بقمع ومعاقبة الأشخاص تعسفا على التعبير السياسي السلمي.
عدم تضمين أحكام تنتهك حقوق الأشخاص بما في ذلك الخصوصية، والاستقلال الجسدي، والصحة، وعدم التمييز.
تعاقب السعودية الأشخاص على مجموعة من “جرائم الآداب” التي تُجرِّم العلاقات التوافقية الخاصة مثل الخُلوة (لقاء رجل وامرأة لا تربطهما صلة قرابة، ولا سيما بمفردهما)؛ الزنا؛ الشعوذة والسحر والإجهاض والأفعال الأخرى المتعلقة بالتعبير عن الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي غير المعيارين.
تجريم هذه الأنشطة يتعارض مع المعايير الدولية وغالبا ما يتم توجيه التهم بطريقة تميّز ضد المرأة. يمكن أيضا استخدام التهم لمقاضاة ضحايا العنف أو الاتجار الجنسيَّين.
مثلا، يُستخدم الحمل كدليل على جرائم الزنا، ويمكن اعتبار أن النساء اللواتي يُبلغن عن الاغتصاب أو العنف الجنسي قد اعترفن بممارسة الجنس وتتم مقاضاتهن بدلا من ذلك. تنطوي مثل هذه الجرائم أيضا على عقوبات بدنية، بما في ذلك الجلد والرجم.
عدم تضمين أحكام تسمح بالعقوبات التي ترقى إلى التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك الرجم والبتر والجلد.
حكمت المحاكم السعودية على أشخاص بالجلد لممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وشرب الكحول، وجرائم أخرى. صدرت أحكام بالرجم بتهمة الزنا، رغم أنها نادرا ما نفذت.
استخدمت السلطات ونفذت أحكاما نادرة ببتر أطراف بتهمة السرقة. في أبريل/نيسان 2020، أدخلت السعودية بعض التعديلات على نظام العدالة الجنائية، والتي تضمنت إنهاء الجَلد لجرائم التعزير.
في قضية بارزة، حُكم على المدوّن السعودي رائف بدوي في يناير/كانون الثاني 2015 بالسجن عشر سنوات وألف جلدة لإهانة الإسلام، رغم أن عقوبة الجلد لم تنفذ بالكامل. أُفرِج عن بدوي في وقت سابق من هذا العام، لكنه ما يزال ممنوعا من السفر.
يعتمد النظام القانوني السعودي على تفسير متشدد للشريعة الإسلامية، والذي يقول بعض رجال الدين أنه يسمح بمثل هذه العقوبات، بينما يعتبرها علماء آخرون انتهاكا لمعايير الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالشرعية، والإثبات، والخصوصية، ومتطلبات الإثبات العالية.
تستخدم السلطات أيضا الجلد دون حكم قضائي. أفادت نساء محتجزات في ملاجئ، غالبا بتهمة “الانحراف عن الصراط المستقيم” أو عصيان أولياء الأمر الذكور، عن مشاهدة مسؤولي الملجأ يجلدون النساء بدعوى انتهاك القواعد.
على السعودية أن تتبنى تعريفا للتعذيب يتماشى مع المادة 1 من “اتفاقية مناهضة التعذيب” لضمان أن تكون جميع أعمال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة جرائم جنائية، وأن تفرض عقوبات تعكس الطبيعة الجسيمة لهذه الجرائم.
عدم إدراج الإعدام كعقوبة لأي جريمة وإلغاء استخدامها بشكل صريح.
لدى السعودية أحد أعلى معدلات الإعدام في العالم وهي تطبَّق عقوبة الإعدام على الجرائم غير العنيفة بما في ذلك جرائم المخدرات.
تحصر المعايير الدولية لحقوق الإنسان استخدام عقوبة الإعدام في “أشد الجرائم خطورة” فقط، وهي تلك التي تؤدي عادة إلى الوفاة، وفقط عندما يكون الحق في محاكمة عادلة مكفولا بشكل صارم
والسعودية هي أيضا واحدة من عدد قليل من الدول التي تفرض عقوبة الإعدام على الأحداث الجانحين. يحظر القانون الدولي عقوبة الإعدام للأحداث الجانحين.
رغم الوعود بالحد من استخدام عقوبة الإعدام، أعدمت السلطات السعودية في 12 مارس/آذار 81 رجلا في إحدى أكبر الإعدامات الجماعية التي نفذتها مؤخرا.
تشير الانتهاكات المتفشية والممنهجة في نظام العدالة الجنائية السعودي إلى أنه من غير المرجح أن يكون أي من الرجال قد حصل على محاكمة عادلة.
رغم التصريحات الصادرة عن “هيئة حقوق الإنسان” الحكومية في السعودية في 2020، والتي تزعم أنه لن يتم إعدام أي شخص في السعودية على جريمة ارتكبها عندما كان حدثا، قد يواجه الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم وهم أحداث– ولا يزالون – عقوبة الإعدام عند اتهامهم بارتكاب جرائم معينة مثل “الجرائم التي تنتهك حدود الله” (الحدود) و”جرائم القصاص”.
عقوبة الإعدام متفردة في قسوتها وكونها لا رجعة عنها، وهي في كل الأحوال مشوبة بالتعسف، والتحيز، والخطأ.
تعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع البلدان وفي جميع الظروف. ينبغي للسعودية أن تلغي تماما هذه العقوبة القاسية.
أفادت “وكالة الأنباء السعودية” أن قانون العقوبات هو واحد من أربعة مشاريع قوانين للإصلاح أُعلِن عنها مسبقا سيتم تقديمها هذا العام.
القوانين الأخرى هي قانون الإثبات، الذي أُدخِل في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021؛ قانون الأحوال الشخصية، الذي أُدخِل هذا الشهر، وقانون المعاملات المدنية.
وصف محام وناشط سعودي في الخارج قانون الإثبات الجديد بأنه “سليم من الناحية القانونية”، لكنّه حذّر من أن العديد من الأحكام التي تحمي حقوق المتهمين قد تم تضمينها في القوانين واللوائح السابقة، لكن لم تُنفَّذ بشكل فعال.
تصيغ السلطات السعودية مشاريع قوانين الإصلاح هذه في ظل الإغلاق الكامل لما كان أصلا مساحة ضيقة للمجتمع المدني، والذي لم يترك أحدا داخل البلاد لضمان وفاء الدولة بوعودها، أو الدعوة إلى المزيد من التغييرات الضرورية.
قال بَيْج: “جهود الإصلاح في السعودية لا يمكن أن تنجح دون مشاورة عامة، حيث يمكن للناس مشاركة آرائهم دون خوف من الاعتقال. من الضروري أن تتجنب الإصلاحات القادمة ترسيخ التمييز الحالي وتجريم الحريات”.