بشّر وزير التجارة السعودي، ماجد القصبي، مواطني بلاده بحلّ سريع لأزمة البطالة التي تعانيها البلاد، من خلال توفير 35 ألف وظيفة لمن يبحث عن العمل.
لكن بشارة الوزير السعودي واجهت استهجاناً واسعاً من المواطنين؛ فالوظائف التي تحدث عنها لا تناسب المواطن السعودي، فضلاً عن أن ما يراه الوزير توفير فرص عمل أسهم في غلق العديد من المهن والأعمال والمتاجر، لكونها لا تتناسب بالأساس مع “السعودة”.
وتحاول الحكومة السعودية توفير فرص عمل لنحو مليون و700 ألف عاطل من المواطنين؛ وعليه أطلقت حملة لـ”سعودة” الوظائف؛ في محاولة للاستغناء عن أكبر عدد ممكن من العمالة الوافدة وإشغال وظائفهم من قِبل مواطنين.
الوظائف الـ”35 ألفاً” التي أعلنها الوزير القصبي هي أعمال في البقالات التي كان يشغلها وافدون، غالباً هم من دول شرقي آسيا.
وقال القصبي في حديث صحفي، الاثنين (24 ديسمبر الجاري): إن هناك “٣٥ ألف وظيفة قد تُوجدها البقالات للسعوديين، وسوف نفرض عليهم توفيرها للمواطنين”.
السعوديون ردوا باستياء على تصريح الوزير؛ حيث العمل في مثل هذه المهن لا يتناسب ومستوى معيشة الفرد السعودي، لكون هذه الأعمال خدمية، ومرتباتها متدنية جداً لا تسد احتياجات الفرد السعودي.
لكن هذه البقالات ملك أفراد، وهُم أعلم بتصريف شؤون أعمالهم، ولربما ينتهي الأمر بإغلاقها منعاً لتكبُّد خسائر، وهذا ما أكده مغردون أيضاً، بعضهم امتعضوا من حديث الوزير.
السعودة تصل بالأسعار لارتفاعات جنونية
بالإضافة إلى الضرائب الجديدة ورفع أسعار الوقود الذي فرضته المملكة منذ مطلع العام الجاري، تسببت سياسة سعودة الوظائف في موجة ارتفاع الأسعار الجنونية التي ضربت البلاد.
وفي مارس 2017، طرحت وزارة العمل السعودية خطة “سعودة” سوق العمل، وتنص على رفع نسب التوطين بالشركات العاملة في البلاد؛ بهدف خفض نسبة البطالة بين المواطنين.
وتطبيقاً لهذه الخطة، فرضت حكومة المملكة، منذ بداية العام الماضي، تضييقات متصاعدة على العمالة الأجنبية، تمثلت بإقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم وعلى أفراد أسرهم، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات رئيسة.
ونتيجة لذلك، فإن مئات الآلاف من العمالة الأجنبية رحلوا عن السعودية، في ظل عدم وجود عمالة محلية بديلة مناسبة؛ ما تسبب في ضعف أداء عدد كبير من الشركات، وإغلاق المئات من المحال التجارية، خاصةً التي تعمل في مجالات تأجير السيارات وبيعها، ومتاجر المجوهرات والذهب، ومواد الإعمار والبناء، وفق ما ذكرته وسائل إعلام سعودية.
وبحسب تقرير نشرته، في 10 يوليو الحالي، وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية، فإن عدد العمال الوافدين إلى المملكة تراجع بنسبة 6%، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع أعدادهم في الربع الأول من العام الماضي.
صحيفة “الاقتصادية” السعودية ذكرت أيضاً في 25 يوليو الماضي، أن معدل التضخم في المملكة ارتفع بنسبة 2.1% خلال شهر يونيو من العام الجاري، إذ وصل الرقم القياسي لتكاليف المعيشة إلى مستوى 107.4 نقاط مقارنة بـ105.2 نقاط بالفترة نفسها من العام الماضي (2017).
وأفادت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، المنشورة في 7 يوليو الماضي، بأن نحو 785 ألف موظف أجنبي من القطاع الخاص غادروا البلاد خلال الفترة من يناير 2018 وحتى نهاية مارس الماضي.
وذكرت البيانات أن عدد الموظفين الأجانب في المملكة تراجع إلى 7.71 ملايين فرد نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 8.49 ملايين نهاية 2016.
وبحسب الكثير من المراقبين الاقتصاديين، فإن عدم رغبة معظم السكان المحليين في العمل بوظائف متدنية -أو تتطلب جهداً بدنياً- كانت تشغلها العمالة الأجنبية؛ تسبب في تراجع إنتاج العديد من الشركات، لترتفع من ثم أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها، وهذا الأمر سيتفاقم تدريجياً مع مغادرة مزيد من العمالة البلاد.
وقالت صحيفة “بيزنس إنسايدر” الاقتصادية البريطانية، في 10 يوليو الماضي، إن رحيل مئات الآلاف من العمالة الأجنبية من السعودية أدى إلى خلق أزمة توظيف.
وأوضحت أن “السعوديين، رجالاً ونساءً، كسالى وغير مهتمين بالعمل، حسبما يقول أرباب العمل، وهو ما يعني أزمة اقتصادية جديدة تضرب المملكة”.
وأضافت الصحيفة: إن “أغلب الشركات السعودية تشكو من أن السكان المحليين لا يريدون العمل في وظائف متدنية، كان يعمل بها العديد من المغتربين؛ ما خلق مشكلة حقيقية للاقتصاد وتسبب في ضعف أداء هذه الشركات”.
ونقلت الصحيفة عن مراقبين قولهم: إن “هناك مخاوف فعلية من أن العديد من الشركات، خاصة في قطاعات الفندقة والاتصالات وتأجير السيارات، قد تغلق أبوابها بسبب سياسة السعودة”.
ويعمل قسم كبير من الوافدين إلى المملكة في مهن يرفض السعوديون العمل بها؛ مثل أعمال النظافة، والمطاعم، والفنادق، والخدمات المنزلية. أما القسم الآخر، فيشكل عماد قوة العمل في البناء والصناعة والتجارة والنقل والصيانة والخدمات الصحية، وهو ما لم يتهيأ المواطنون في المملكة للعمل به خلال السنوات الماضية.
وتشتكي الشركات الخاصة الملتزمة تشغيل عمال سعوديين من تدني إنتاجية هؤلاء، وتخلُّف الكثيرين منهم عن الدوام، وأداء مهامهم بشكل يعرقل سير العمل ويرفع تكلفته، بحسب تقرير نشرته قناة “دويتشه فيله” الألمانية.
جدير بالذكر أن القطاع الخاص السعودي يعتمد بنسبة تصل إلى 80% أو أكثر، على العمال الأجانب، الذين يشتغلون بشكل شرعي أو غير شرعي، وفق بيانات وزارة العمل السعودية.
ونتيجة للسعودة، أكد أصحاب مشاريع صغيرة في مدن عديدة بالمملكة، لـ”الخليج أونلاين”، أنهم أغلقوا مشاريعهم؛ تفادياً لتكبُّد خسائر متوقعة.
واتفقوا جميعهم على أن ترحيل العمالة الوافدة كبّدهم خسائر، لكون الوافدين يتقاضون أجوراً تتناسب واستمرارية العمل، فضلاً عن أن الوافد يعمل دون ملل أو اعتراض، ويؤدي واجبات عديدة تتطلب جهداً بدنياً.
وأشاروا إلى أن السعوديين يترفعون عن العمل بوظائف يرونها دنيا اختص بها الوافدون، وفي حال مارس مواطن سعودي مثل هذه الأعمال، فإنه يتقاضى أجوراً تمثل أضعاف ما يتقاضاه الوافد، فضلاً عن فرض تحمّل صاحب العمل التأمين الصحي للعامل السعودي وغيرها من الشروط التي يجب تطبيقها في هذا الخصوص، لذلك أغلق كثيرون مشاريعهم ومتاجرهم، لتفادي خسائر أكبر، بحسب قولهم.
ما أثار الاستهجان أيضاً أن بلداً كالسعودية، باعتبارها واحدة من أقوى الاقتصادات في المنطقة، وتحل بالمرتبة الـ18 بين أقوى الاقتصادات العالمية، تعمل على تسفير عمالة وافدة تمارس مهناً دنيا لتوطين هذه المهن.