بعد حرب نفطية دارت بين السعودية أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، وروسيا ثاني أكبر المصدرين، في الأسابيع الماضية، واستمرت أياماً طويلة، وضعت تلك الحرب أوزارها، بعد إعلان منظمة “أوبك” ومنتجي النفط المتحالفين معها في إطار ما يُعرف بمجموعة “أوبك+”، الاتفاق على خفض تاريخي لإنتاج 10 ملايين برميل يومياً.
وستتحمل جميع دول “أوبك+” خفض الإنتاج بشكل متساوٍ وليس الدول الخليجية وحدها كما هو الحال في كل مرة، بنسب 23% بدءاً من 1 مايو 2020، ولمدة تبلغ شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020؛ وذلك في حال وافقت المكسيك التي لا تزال متعنتة.
وحسب الاتفاق سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 10 ملايين برميل يومياً لمدة شهرين، ومن ثم 8 ملايين برميل يومياً لغاية ست شهور، يتبعه تخفيضٌ قدره 6 ملايين برميل يومياً لمدة ستة عشر شهراً، تبدأ من 1 يناير 2021 وحتى 30 أبريل 2022.
ومن بنود الاتفاق التاريخي، إعادة تأكيد إطار العمل الخاص بإعلان التعاون الذي تم التوقيع عليه بتاريخ 10 ديسمبر 2016، وميثاق التعاون الذي تم التوقيع عليه بتاريخ 2 يوليو 2019.
كما وضعت دول “أوبك+” الأساس المرجعي لتحديد حصص الأعضاء هو إنتاج النفط لشهر أكتوبر 2018، فيما عدا السعودية وروسيا فإن الأساس المرجعي لكل منهما هو 11 مليون برميل يومياً.
وسيبقى الاتفاق ساري المفعول حتى 30 أبريل 2022، على أن تتم إعادة النظر في إمكانية تمديده، خلال الاجتماع المقرر في ديسمبر 2021.
وستتولى اللجنة الوزارية المشتركة مهمة مراقبة تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج، وتمديد التفويض الخاص بها، لتمارس مهام المراجعة الدقيقة لأحوال السوق، ومراقبة مستويات الإنتاج، ومدى التزام الدول الأعضاء تنفيذ حصص التخفيضات.
ويهدف الاتفاق التاريخي إلى رفع أسعار النفط التي انهارت من جراء أزمة فيروس كورونا المستجد، ووصلت إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد، ولكن هناك دولة واحدة لم تتعهد بخفض إنتاجها وهي المكسيك، وهو ما يعنى أنه لا يزال معلقاً.
وتريد المكسيك التي تحتل المرتبة الحادية عشرة من حيث إنتاج النفط في العالم خفض إنتاجها بواقع 100 ألف برميل نفط يومياً، في حين يتوجب عليها وفق اتفاق أوبك خفض بواقع 400 ألف برميل يومياً، وهو ما ترفضه.
الموقف الخليجي
وبعد الاتفاق، سارعت الدول الخليجية إلى الترحيب به كون موازناتها تعتمد على النفط كمصدر أساسي، إذ أكدت السعودية التي كانت أحد أركان هذا الاتفاق أنه يتوقف على انضمام المكسيك لعمليات الخفض، خاصة أن له منافع على العالم أجمع وليس عليها فحسب.
وتوقعت السعودية على لسان وزير طاقتها الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن تساهم دول مثل أمريكا وكندا والبرازيل الانضمام لجهود “أوبك+” لإرساء الاستقرار في سوق النفط باستخدام أساليبها الخاصة.
كما اعتبر وزير الطاقة والصناعة الإماراتي، سهيل المزروعي، أن خفض “أوبك+” إمدادات النفط سيكون له أثر كبير في إعادة التوازن للسوق النفطية وسط تفشي فيروس كورونا المستجد.
وعقب الاتفاق، قال المزروعي في تغريدة له: “قرار التخفيض الأكبر للإنتاج في تاريخ المنظمة سوف يكون له أثر كبير في إعادة التوازن للسوق النفطية، في وقت يشهد فيه العالم تكاتف الجميع لمواجهة وباء كورونا”، مشيراً إلى أن “القرار سيساعد في تحقيق التوازن بين الإمدادات والطلب”.
كما أعلنت الكويت دعمها لدعوة السعودية إلى إجراء محادثات جديدة حول تخفيض إمدادات النفط، في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وأجرت الكويت، حسب وزير النفط خالد الفاضل، “محادثات ماراثونية في الأيام الماضية وخلال الاجتماع، لخلق حالة من التوافق بين الدول الأعضاء؛ أملاً في إعادة التوازن لأسواق النفط”.
كما تتهم الكويت، المكسيك بأنها تعطِّل الاتفاق الذي توصلت إليه مجموعة “أوبك+” بخفض إنتاج النفط عشرة ملايين برميل يومياً.
ما بعد الاتفاق؟
وعن التزام الدول الـ23 الأعضاء في تحالف “أوبك+” بالاتفاق، يؤكد الخبير في قطاع النفط والطاقة، عامر الشوبكي، أن “الدول الـ22 التي وقعت على الاتفاق مضطرة إلى التزام بنود الاتفاق، حسب الحصص التي تم إقرارها عليها من التخفيض، باستثناء المكسيك”.
وستعمل تلك الدول، وفق حديث الشوبكي على “تخفيض إنتاجها من النفط، بسبب قلة الطلب العالمي على نجم الأسواق، إضافة إلى أن عديداً من الدول خارج (أوبك+) كالولايات المتحدة وكندا، ستعمل على التخفيض التلقائي للإنتاج”.
كما بيَّن الخبير النفطي أنَّ “خفض الإنتاج في مصلحة الجميع، حيث إن ذلك سيؤثر على الأسعار ويُحسِّنها ويرفعها في الفترة الحالية”، لكن في الوقت نفسه توقع أنها “لن تتجاوز 40 دولاراً للبرميل”.
وعن الدور السعودي في الاتفاق التاريخي، يوضح الشوبكي أنه “كان محورياً وساعد في إبرام الاتفاق، مع تحقيق جميع المطالب السعودية، من ناحية توزيع نسب التخفيض بشكل متساوٍ بين الدول، وهو ما يعد مختلفاً عن الاتفاقات السابقة التي كانت المملكة تتحمل فيها معظم نسب التخفيض”.
ومهد الاتفاق، كما يبين الخبير في قطاع النفط والطاقة، “لمرحلة جديدة قادمة في عالم النفط وهي مساواة خفض الإنتاج بين الدول، والمساهمة في خفض أسعار النفط العالمية”.
كما أوضح في الوقت نفسه أن “التخفيضات ستساعد في استقرار الأسواق عند 35 دولاراً للبرميل في الفترة القليلة القادمة حتى منتصف مايو القادم، مع انتهاء تعبئة الدول للمخزونات الاستراتيجية من النفط”.
لكن الشوبكي أشار إلى أن “نتيجة قلة الطلب على المحروقات بسبب أزمة كورونا ووقف حركة الطيران والسيارات، سيقل الطلب العالمي على النفط خلال شهري مايو ويونيو”، لذا توقَّع “عودة تدهور الأسعار”.
هل ربحت السعودية؟
ومنذ بداية الأزمة الصحية الحالية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد، سجّلت الأسواق النفطية تدهوراً تفاقم على أثر حرب أسعار النفط التي خاضتها السعودية وروسيا والتي بدأت بعد فشل الاتفاق على تمديد خفض الإنتاج.
وكان رد الفعل السعودي على رفض روسيا تخفيض الإنتاج النفطي صاعقاً للأسواق العالمية، ففي 8 مارس 2020، أعلنت المملكة عن تخفيضات غير متوقعة في الأسعار تتراوح بين 6 دولارات و8 دولارات للبرميل للعملاء في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وهو ما أثار هبوطاً حاداً في أسعار النفط وعواقب أخرى في ذلك اليوم، حيث انخفض خام برنت بنسبة 30%، وهو أكبر انخفاض منذ حرب الخليج عام 1990.
كما انخفض الروبل الروسي بنسبة 7% إلى أدنى مستوى خلال 4 أعوام مقابل الدولار الأمريكي، في الأيام التي تلت الإعلان، إلى جانب التداعيات الكبيرة على الأسواق الأمريكية نتيجة الخسائر التي منيت بها، وهو الأمر الذي حدا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التدخل ووقف الحرب بين موسكو والرياض.
وشهدت احتياطات السعودية من العملات الأجنبية أيضاً، انخفاضاً وسط برنامج إنفاق ضخم من الدولة.
وقالت سارة لاديسلاو، نائبة الرئيس في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، في مذكرة في 9 مارس 2020، حسبما ذكرت “رويترز”: “إن الرياض لا تواجه ضغوطاً على الميزانية فحسب؛ بل قد تتعرض لضغوط محتملة من المستثمرين لخفض الإنتاج للحفاظ على استقرار السوق”.
لكن كان لافتاً أن السعودية ورغم الخسائر التي مُنيت بها نتيجة قرارها الذي صعق أسواق النفط، فإنها كانت ترسل رسائل بأنه بإمكانها التعايش مع مستوى أسعار نفطية تحت 30 دولاراً للبرميل لمدة عشر سنوات كاملة.
وفي هذا السياق يقول الخبير النفطي عامر الشوبكي، إن تداعيات تراجع النفط على موازنات الدول الخليجية -لا سيما السعودية- “كبيرة”، لكن في الوقت نفسه “المرونة في خفض النفقات الخليجية كانت أكبر من غيرها من الدول كروسيا”.
وأضاف: إنه كانت توجد “إدارة جيدة للحرب النفطية من جانب الخليج، فعلى سبيل المثال، سهم أرامكو ورغم انخفاضه بنسبة 20% كان أقل من أسهم شركات عالمية كبرى كـ(إكسون موبيل) التي انخفض سهمها بنسبة 46%”.
وتابع أن الدول الخليجية عالجت تداعيات الحرب النفطية من خلال الاقتراض دون المساس بالصناديق السيادية، مشيراً إلى أن “الرياض اشترت أسهم شركات أخرى عالمية لصالح صندوقها السيادي”.
وتوقع الشوبكي أن “قدرة السعودية والدول الخليجية أعلى على تحمُّل تداعيات انخفاض النفط مستقبلاً، رغم أن الجميع متضرر”.