لم تنفذ المملكة العربية السعودية أياً من تهديداتها التي لطالما أطلقتها ضد نظام الأسد على لسان وزير خارجيتها السابق عادل الجبير، بأن رأس النظام السوري بشار الأسد سيسقط إما بحل سياسي أو عسكري.
وبقي الجبير (وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية حالياً) يعيد تلك الأسطوانة ويؤكدها عشرات المرات في أغلب المؤتمرات المتصلة بالأزمة السورية، أو في المؤتمرات الصحفية مع نظرائه من عرب وغربيين.
العلاقات السعودية مع نظام الأسد، أبرز حلفاء إيران في المنطقة، كانت توصف بالجيدة قبيل اندلاع الثورة عام 2011، إلى درجة أن العلاقات الدبلوماسية لم تشهد توتراً بين الطرفين إلا بعد أكثر من 5 أشهر من العنف المتواصل الذي شنه النظام ضد شعبه عقب اندلاع الثورة السورية.
ولي العهد في حضن الأسد
وفي إطار إعادة عدة دول عربية للعلاقات مع نظام الأسد نهاية 2018، انتشرت أنباء عن اقتراب تطبيع العلاقة بين الرياض والنظام لإعادة تأهيله إقليمياً ودولياً، لكنها لم تنفذ ذلك.
ولكن ربما حان الوقت الآن، فقد كشف حساب المغرد السعودي الشهير على موقع تويتر “مجتهد”، في 31 أغسطس الماضي، عن تطورات مفاجئة في علاقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنظام بشار الأسد.
وقال “مجتهد”، المعروف بنشر أسرار العائلة السعودية الحاكمة: إن “الأمير محمد بن سلمان وجّه وزارة الخارجية السعودية بإعداد الترتيبات لعودة السفير السعودي لدمشق خلال أسابيع”.
كما وجّه ولي العهد الوزارات المعنية الأخرى بوضع خطة لإعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع دمشق، وفق ذات المصدر.
توجيه من محمد بن سلمان لوزارة الخارجية بإعداد الترتيبات لعودة السفير السعودي لدمشق خلال أسابيع، وتوجيه للوزارات المعنية الأخرى بوضع خطة لإعادة العلاقات التجارية والاقتصادية
وكان ولي العهد السعودي قد قال في تصريحات سابقة لمجلة التايم الأمريكية حول مصير بشار الأسد، إنه من غير المرجح أن يترك الأسد السلطة، إلا أنه أعرب عن أمله في ألا يصبح الأسد “دمية” في يد طهران.
وتابع: “بشار باقٍ، لكن أعتقد أن من مصلحة بشار ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يريدون”، وفق ما أوردته قناة “العربية”.
وأردف محمد بن سلمان قائلاً عن مستقبل بشار الأسد: “لذا، فمن الأفضل له (بشار) أن يكون نظامه قوياً في سوريا، وهذا الأمر أيضاً سيكون إيجابيّاً بالنسبة لروسيا”.
وفي يناير الماضي، أكدت صحيفة “رأي اليوم” اللندنية أن السعودية أبلغت المعارضين السوريين بإزالة أعلام المعارضة من كافة الأراضي السعودية، ورفع أعلام النظام السوري بدلاً منها.
وشهدت الفترة الأخيرة توقّفاً لحدّة النقد السعودي الدائم للنظام السوري، ومنع جمع تبرّعات لقوى المعارضة المسلّحة في سوريا، وتجميد حسابات بنكية لشخصيات سورية معارضة.
وعلى الرغم من المجازر اليومية التي يرتكبها نظام الأسد بدعم من روسيا وإيران بحق المدنيين في محافظة إدلب وريف حماة، فإن الرياض لم تصدر أي بيان إدانة أو استنكار أو امتعاض خلال الأشهر الماضية، وهو ما يزيد من إمكانية وجود تقارب مع نظام الأسد سراً، سيتبعه تطبيع علني ستكشفه الأيام القادمة.
على خطا الحلفاء
وعلى الرغم من تشابك العلاقات السعودية الإماراتية البحرينية في أغلب ملفات المنطقة، فإنّ الرياض لم تقدم على خطوة أبوظبي والمنامة في إعادة سفرائها إلى حضن نظام الأسد في دمشق بداية العام الجاري.
ومع أنّ نظام الأسد مرتبط بإيران بشكل وثيق، وسيطرة الأخيرة على مناطق استراتيجية في عموم البلاد، لم تجد هذه الدول التي تتخذ من طهران عدواً لها أي حرج في إعادة علاقاتها معه.
والمستغرب، بحسب متابعين للشأن السوري، أن الإمارات والبحرين أقدمتا إلى إعادة السفراء دون طلب من نظام الأسد بل بمبادرة منها، وهو ما بدا سقطة تضاف إلى سقطات هاتين الدولتين تجاه شعوب المنطقة.
وذكر مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، في يناير الماضي، أن الوقت الذي أعادت به الإمارات والبحرين العلاقات مع نظام الأسد لم يكن مواتياً بالنسبة للسعودية، لأن ذلك كان سيزيد من عزلة النظام السعودي الواقعة في مأزق أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018 بقنصلية بلاده بإسطنبول التركية، وأصابع الاتهام تشير إلى محمد بن سلمان، وهو ما كان سيفتح عليه أبواباً هو بغنى عنها.
ونقل المركز عن خبراء قولهم: إن “إيران تُعتبر بالنسبة للإمارات عدواً تقليدياً، ومن أجل كبح أطماعها بالخليج تلجأ الإمارات إلى الأسد لعلاقته القوية مع ملالي طهران الذين يحاولون بسط نفوذهم الديني بالخليج والشرق الأوسط برمته، وسمح لهم بشار الأسد بالولوج إلى سوريا”، وهو ما قد تفعله السعودية في الفترة المقبلة.
رسائل إلى الرياض
كما أنّ التسريبات الأخيرة التي كشفها مجتهد عن تحركات محمد بن سلمان لإعادة علاقته مع الأسد تفتح تساؤلات كثيرة عن الدور الذي من الممكن أن تلعبه دمشق بين طهران والرياض؟
وفي 14 يوليو الماضي، وجه “نظام الأسد” رسالة غير مباشرة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، دعاه فيها إلى انضمام السعودية إلى ما يسمى “محور المقاومة”، ومنح سوريا مليارات مثل التي مُنحت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ونقل الموقع الإلكتروني لقناة “المنار” اللبنانية التابعة لمليشيا “حزب الله”، عن فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام، رسالته إلى دول الخليج، بأن من يقف ضد “نظام الأسد” فهو مع “إسرائيل”.
وقال “المقداد”: “من يقف ضد سوريا في هذه المعركة إنما يقف إلى جانب إسرائيل وأهدافها في تفتيت وإضعاف المنطقة، بما في ذلك من يعتقد في دول الخليج أنه سيكون بمنأى عن ذلك”.
وألمح إلى ترحيب نظامه بتقديم الدعم له من السعودية، بقوله: “نرحب بأي دعم نتلقاه بدلاً من الدعم الذي يعطيه البعض بسخاء للولايات المتحدة لكي تعتدي على سوريا وتعتدي إسرائيل على لبنان وتدمر بلداننا واحداً تلو الآخر”.
وزعم “المقداد” أنه “لا مستقبل لهذه الأمة إلا عندما تنضم إلى محور المقاومة؛ لأنه محور الشرف والعزة والانتصار، ويجب ألا يتردد أحد في دعمه والانضمام إليه”.
ويتساءل مراقبون هل سيعيد محمد بن سلمان فعلاً بشار الأسد إلى الساحة العربية رغم علاقته بإيران، خاصة أنّ السعودية اليوم خسرت معركتها في اليمن وباتت مهددة في عمقها الاستراتيجي، فإن قبلت ببقاء بشار الأسد في الحكم، وإيران في سوريا، فربما ينخفض تهديد جماعة الحوثي المدعومة من طهران على الحدود اليمنية السعودية، وتتوقف طائرات الحوثي المسيرة عن استهداف مرافق المملكة الحيوية.
كما أنّ السعودية لم تسحب يدها تماماً من الملف السوري، فهي حتى الآن على صلة بالوحدات الكردية في الشمال الشرقي من البلاد، وإن كان الدعم الموجه لتلك الجماعات “الانفصالية” هو إغاظة لتركيا، إلا أنه يصب في مصلحة نظام الأسد الذي ينسق بشكل كبير معها ولا يقدم على قصفها أو مجابهتها.
وفي 2012، قرّرت الرياض، ضمن قرار عربي وخليجي، إغلاق سفارتها في دمشق وطرد السفير السوري، كما دعمت الجيش السوري الحر، وأعلنت رفضها بقاء الأسد في السلطة، قبل أن تتراجع عن هذا المطلب في العامين الأخيرين، وتتحدث عن ضرورة إنجاز تسوية سياسية.
وفي نهاية عام 2018، بدأت أنظمة عربية مثل السودان ومصر والعراق بالتطبيع العلني مع نظام الأسد المدعوم بشكل كبير من روسيا وإيران على إثر الخسائر التي تكبدتها الفصائل المعارضة على الأرض.