“أُجبرتُ على توظيف عدد من السعوديين في مصنعي تطبيقاً لسياسة السَّعْوَدَة المفروضة علينا، ولكن هؤلاء العمّال ينامون في سيّاراتهم بمنتصف عملهم، ولا يوجد إنتاج”، هكذا وصف صاحب مصنع للثّلاجات حال سير العمل عنده بعد إنهاء عقود العمال الأجانب بعد القرارات الحكومية الأخيرة بحقهم.
ولتلاشي حالة الضعف والبطء في العمل من قبل العمّال السعوديين لجأ صاحب هذا المصنع إلى توفير راتب شهريٍّ متدنٍّ لهؤلاء العمال، على أن يبقوا في منازلهم، حسبما نقلت صحيفة القبس الكويتية.
ولم يكن صاحب هذا المصنع هو الوحيد الذي لجأ لهذه الخدعة من أجل إرضاء السلطات، فالعديد من أرباب العمل في السعودية بدؤوا بالفعل بتسجيل وظائف وهميّة للسعوديين، وهو ما أُطلق عليه “السَّعْوَدَة الزائفة”.
وتنظر الشركات السعودية إلى أن الشابّ السعودي غير مهيّأ وظيفيّاً، حيث يمثّل عبئاً مالياً وتنظيمياً وإنتاجياً على أرباب العمل عند مقارنته بالعامل الأجنبي، إلى جانب أنه ليس لديه ولاء وحب للعمل، ولا المقدرة على أدائه بنفس القدرة التي يتمتّع بها الأجنبي.
وتُظهر أرقام رسمية سعودية أن قرابة الـ 800 ألف من الأجانب من الطبقة العاملة غادروا السعودية، منذ مطلع 2017، ما تسبَّب بـ “أزمة توظيف” في العديد من الأعمال التي كانوا يشغلونها.
وكان الهدف من تلك الخطوة السعودية هو خفض معدَّل البطالة بين الشباب السعوديين، ولكن الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية حول معدَّل البطالة تُثبت عكس ذلك؛ إذ إن البطالة في صفوف السعوديين بلغت نحو 13%، في الربع الأول من عام 2018.
أزمة بأسواق الذهب
صاحب مصنع الثلاجات لم يكن الوحيد بين السعوديين الذين تأثّرت أعمالهم بسبب العمالة وتطبيق “السَّعْوَدَة”، حيث أغلقت بعض محال الذهب أبوابها في أحد أحياء الرياض التجارية، بينما تكافح أخرى للبقاء؛ وذلك بسبب رحيل العمال الأجانب، وعدم امتلاك السعوديين للخبرة المطلوبة لهذا المجال من الصناعة.
واشتكى عدد كبير من أصحاب محلات الذهب من توظيف سعوديين؛ بسبب ميلهم إلى الاعتقاد بأنهم يجب أن يتلقّوا معاملة مميّزة، إضافة إلى أنهم لا يرغبون في العمل لساعات طويلة، على عكس العمال الأجانب.
ويقول فايز الهردي، صاحب أحد محلات الذهب، في حديثه خلال تقرير سابق لوكالة الأنباء الفرنسية: “محلي كان يضمّ مجموعة من العمال اليمنيّين ذوي الكفاءة، ولكن قمت بتسريحهم بسبب السَّعْوَدَة، والسعوديون جدد في هذا النوع من العمل وبحاجة لاكتساب الخبرة”.
ويقول صاحب محل آخر لبيع المجوهرات وهو يشير إلى مجموعة من السير الذاتية لسعوديين تقدَّموا بطلبات عمل: إن “أفضلهم بقي لمدة يومين فقط في عمله، وهذا يقضي على تجارتنا”.
ولجأ عدد من أصحاب محلات الذهب إلى دفع رواتب العمال السعوديين من دون أن يأتوا إلى مركز عملهم؛ لإرضاء السلطات في سياساتها الجديدة.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي السعودي، محمد بن دليم القحطاني، أن المملكة تعاني بالفعل من الوظائف الوهمية، حيث يوجد بالفعل شركات تقوم بدفع رواتب لموظفين سعوديين دون أن يعملوا.
ويرصد القحطاني، في حديث سابق لصحيفة الرياض، الخسائر المالية من تلك الوظائف الوهميَّة، حيث تهدر الشركات رواتب شهرية تُقدَّر ب 585 مليون ريال، بما يعادل 7 مليارات و20 مليون ريال سنوياً، دون أيّ عائد إنتاجي.
وينوه بأن “السَّعْوَدَة الوهميّة تقتل الإبداع لدى طالب العمل السعودي، كما أنها تهدر الوقت والمال بطاقات بشرية غير مستغلَّة”، مبيّناً أن ما يقرب من 25% من القوى البشرية من الشباب يحتاجهم سوق العمل وهم لا يعملون.
انتهاء البرجوازية للسعوديين
وفي أحد أحياء مدينة الرياض يكسر الشاب بدر العجمي (38 عاماً) حالة البرجوازية التي عاشها الشباب السعوديون سنوات طويلة؛ من خلال وقوفه على شاحنة لبيع “الهمبرغر” والجبن مع البطاطا المقليّة، وقيامه بتقديم الخدمات للزبائن.
وخطوة العجمي تُعتبر جديدة وغير مألوفة على السعوديين الذين دائماً يعتبرون هذه الوظيفة لا تليق بهم، وأن أصحابها هم العمال الأجانب فقط.
ويقول العجمي لصحيفة القبس: “عندما بدأنا بشاحنة الطعام قبل عامين، قال لي الكثير من الأشخاص: كيف ستقف في الشارع وتبيع الهمبرغر والشطائر؟ أنت من عائلة كبيرة”.
ويضيف: “لا بد من العمل في هذه الأوقات”.
ويواجه العجمي صعوبة في إيجاد عمال سعوديين يقبلون فكرة العمل ببيع الهمبرغر، خاصةً أن عمله يبدأ من التاسعة مساءً حتى منتصف الليل.
ويرى اقتصاديون سعوديون أن الحالة التي تمرّ بها البلاد ستدفع المزيد من السعوديين إلى العمل في مجالات السباكة والنجارة والخياطة، وهي وظائف كانت مقبولة في مرحلة ما قبل اكتشاف النفط.
وتتركّز العمالة الأجنبية في السعودية في قطاعات لا تتطلَّب مهارات عالية؛ أبرزها البناء، وتجارة التجزئة، وخدمات المنازل، والحرف، وورشات الصيانة والتصليح.
وتتراوح نسب الاعتماد على الأجانب بين 40 إلى 90% في مجالات عمل القطاع الخاص.
وفرضت السعودية رسوماً على العمالة الأجنبية ومرافقيها، وأعلنت البدء بتطبيقها اعتباراً من يوليو الجاري، بواقع 100 ريال سعودي (26.6 دولاراً) عن كل مرافق، ليرتفع الرسم الشهري إلى 200 ريال (53.3 دولاراً) العام المقبل، و300 ريال (80 دولاراً) في العام اللاحق له، و400 ريال (106.6 دولارات) بحلول 2020.
الخليج أونلاين