سلطت صحيفة بريطانية الضوء على الدعوة التي وجهتها الحكومة البريطانية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لزيارة لندن، للمرة الأولى منذ اتهامه بالوقوف وراء مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي عام 2018.

ووفق صحيفة “الغارديان”، فإنه من المقرر أن تجرى الزيارة في أواخر خريف عام 2023.

وقالت إنه “خلال الآونة الأخيرة، ذهب العديد من وزراء المملكة المتحدة إلى السعودية، كما حضر وزراء سعوديون كبار إلى لندن، بمن فيهم وزير الخارجية، فيصل بن فرحان”.

كما أمضى ابن سلمان ما يقرب من أسبوع في باريس، خلال يونيو/ حزيران 2023، بعد لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحضوره قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”، التي عُقدت في باريس يومي 22 و23 من الشهر نفسه.

 

لغة الأرقام

وذكرت الصحيفة البريطانية أن “أخبار زيارة المملكة المتحدة، التي أوردتها صحيفة فاينانشيال تايمز لأول مرة، تأتي في الوقت الذي تحاول فيه السعودية إنهاء الحرب في اليمن، وتوقيع اتفاق لعودة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران”.

وحسب التقرير، فإن “الولايات المتحدة تسعى لإقناع السعودية أيضا بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل”.

وأضافت الغارديان أن “الرياض -على عكس حليفتيها الخليجيتين، الإمارات والبحرين- تستعصي على الموافقة، حتى يتم إحراز تقدم بشأن القضية الفلسطينية”.

وأكدت الغارديان على أن “السعودية تسعى إلى اجتذاب تصويت المملكة المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لاستضافة معرض إكسبو 2030 في الرياض”.

وأشارت إلى أن “هذا هو العام الذي من المفترض أن تتحقق فيه رؤية السعودية 2030، التي تعمل على تنويع اقتصادها بعيدا عن الوقود الأحفوري”.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن “روما هي المنافس الرئيس للمملكة في استضافة معرض إكسبو 2030″، ولذلك تعمل السعودية على اجتذاب تصويت بريطانيا لصالحها.

علاوة على ذلك، فإن هناك هدفا آخر من الزيارة، وهو أن “المملكة المتحدة تتفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعد السعودية الدولة الأكبر فيه”.

وأكدت الصحيفة أن “المملكة المتحدة تشعر بالقلق من أن تتدنى مرتبتها في سلم التعاون الاقتصادي، كشريك أوروبي رئيس للرياض”.

وأوضحت أنه “بعد الجولة الثالثة من المحادثات التجارية بين الطرفين، التي جرت في مارس/ آذار 2023، قالت المملكة المتحدة إن تحليلها أظهر أن الاتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي سيزيد معدل التجارة بنسبة 16 بالمئة على الأقل على المدى البعيد”.

وتابعت: “هذه النسبة تضيف ما لا يقل عن 1.6 مليار جنيه إسترليني سنويا إلى الاقتصاد البريطاني، وتساهم بمبلغ إضافي قدره 600 مليون جنيه إسترليني أو أكثر في الأجور في المملكة المتحدة”.

وفي معرض رده على الاتهامات الموجهة لابن سلمان المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة مقتل خاشقجي، قال المتحدث باسم الحكومة البريطانية، إن “موقف رئيس الوزراء من مقتل خاشقجي هو أنها كانت جريمة مروعة”.

وأضاف المتحدث (لم تذكر اسمه) أنه “يجب على السعودية ضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع مرة أخرى”.

 

صفقة المقاتلات

وفي ضربة للعلاقات التجارية السعودية-البريطانية، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز، أنه “لن يسلم طائرات يوروفايتر المقاتلة للسعودية في المستقبل القريب”، وفق الغارديان.

فيما ذكرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية نقلا عن وثيقة حكومية داخلية أن “الحكومة ستؤجل طلبات الحصول على تراخيص التصدير للسعودية حتى نهاية الحرب في اليمن”.

وحسب الغارديان، فقد أبرمت شركة “BAE Systems” البريطانية صفقة قبل خمس سنوات لتوريد 48 طائرة حربية، لكن ثلث مكوناتها يأتي من ألمانيا، مما يمنح برلين حق النقض بشأن الجهات التي تشتري هذه الطائرات.

وشددت على أن “ألمانيا تريد أن ترى مزيدا من التقدم في محادثات السلام السعودية مع المتمردين الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء عام 2015”.

كما أن المملكة على “خلاف متزايد مع الإمارات بشأن مستقبل اليمن، حيث يدعم البلدان مجموعات تتنافس على السيطرة جنوب اليمن، الأمر الذي يزعج ألمانيا”، وفق الصحيفة.

وترى أن “الزيارة المرتقبة للمملكة المتحدة تأتي أيضا في ظل انتشار الجدل بشأن قيام السعودية بعملية تحسين صورتها عبر استخدام الرياضة”.

ويتضمن ذلك الاستثمارات السعودية في نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، وتعزيز الدوري السعودي المحلي لكرة القدم عبر شراء لاعبين مشهورين، فضلا عن الاندماج بين دوري الغولف الأميركي “بي جي إيه”، ودوري “ليف” المموّل من السعودية.

وأفادت الصحيفة بأن “الاندماج بين الدوريين كان موضوع جلسات استماع في مجلس الشيوخ الأميركي في 11 يوليو/ تموز 2023، حيث يحاول أعضاء مجلس الشيوخ معرفة ما إذا كان هذا الاندماج ينتهك قوانين مكافحة الاحتكار”.

والجدير بالذكر أن “معهد السياسات لمجموعة أكسفورد للأبحاث” نشر ورقة بحثية، عام 2018، أكد فيها أن “هناك القليل من الأدلة على أن المملكة المتحدة تمارس نفوذا على السعودية”.

وأضاف المعهد أنه “في الواقع، هناك دلائل أكبر على أن السعودية تمارس نفوذا على المملكة المتحدة”.

وتابع: “هناك تناقض بين تقديم المملكة المتحدة نفسها كدولة تقدمية وليبرالية، تدافع عن النظام الدولي القائم على القواعد، بينما توفر في الوقت نفسه غطاء دبلوماسيا لحكومة تقوض ذلك النظام القائم على القواعد”.

وأكد أن “المملكة المتحدة يبدو أنها تتكبد تكاليف تتعلق بسمعتها نتيجة علاقتها مع السعودية، في حين أن الفوائد الاقتصادية التي تجنيها من وراء ذلك مشكوك فيها”.

 

إعادة تأهيل

وأشارت الغارديان إلى السجل الحقوقي للرياض، حيث إنه “في عام 2022، أعدمت السعودية 196 شخصا، وهو أعلى عدد من عمليات الإعدام السنوية التي سجلتها منظمة العفو الدولية في البلاد خلال الثلاثين عاما الماضية”.

وفي 12 مارس/ آذار 2022، أعدمت الحكومة السعودية 81 رجلا، بينهم سبعة يمنيين وسوري، في أكبر عملية إعدام جماعي معروفة في تاريخ المملكة.

وقالت مستشارة السياسة الخارجية لمنظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، بولي تروسكوت: “يجب ألا يكون هناك شك في أن قيام المملكة المتحدة بمد السجادة الحمراء لابن سلمان، يعني قدرة حاكم السعودية على استخدام هذه الزيارة لإعادة تأهيل نفسه على المسرح العالمي”.

ولفتت إلى أن “الزيارة تتزامن مع الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال خاشقجي وتقطيع أوصاله على يد عملاء سعوديين في تركيا، وهي جريمة تم التستر عليها بشكل أساسي من قبل السلطات السعودية، التي لم تشعر حتى الآن بالندم”.

وأردفت تروسكوت أنه “يجب محاسبة ابن سلمان وحكومته كما ينبغي، على الانتهاكات التي ارتكبها المسؤولون السعوديون، بما في ذلك مقتل خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، واستخدام التعذيب على نطاق واسع في السجون السعودية، والقصف العشوائي للمدنيين في اليمن”.

وأضافت أنه “من بين العديد من القضايا الأخرى، يجب أن يكون رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، مستعدا لمواجهة ولي العهد السعودي بسبب سجنه المشين لسلمى الشهاب، طالبة الدكتوراه في ليدز البريطانية”.

وقالت تروسكوت إن الشهاب “تقضي عقوبة بالسجن لمدة 27 عاما، بعد محاكمة جائرة، بسبب تغريداتها التي تدعم حقوق المرأة السعودية”.