بعد تولي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد في يناير/كانون الثاني 2015، وما ترافق مع ذلك من صعودٍ سريع لابنه الأمير محمد بن سلمان من مستشارٍ عادي في مكتب والده إلى ولي للعهد في غضون أقل من عامين، قام الأخير بالاستعانة بعدد من رجاله المخلصين الذين أشرفوا على مشاريعه الأساسية، ومنها حرب اليمن وخصخصة المرافق الأساسية في السعودية، وحملة القمع والاعتقالات، وحصار قطر. وقام بن سلمان بجلب الأشخاص الذين سبق له أن عمل معهم في مشاريع والده التجارية منذ ظهوره في المشهد العام عام 2007 حتى وصول والده للحكم، إضافة إلى الصحافيين الذين كانوا يعملون في شركات الأخير الإعلامية. لكن تسارع الأحداث وفشل مشاريع بن سلمان الداخلية والخارجية، أديا إلى سقوط العديد من حرسه القديم إما عبر إقالتهم وطردهم بسبب خلاف في وجهات النظر، أو عبر محاولة إبعادهم عن المشهد حماية لهم من المحاسبة الدولية نتيجة الجرائم التي اقترفوها، أو حتى التضحية بهم والسماح بمحاكمتهم.
ويُعدّ سعود القحطاني، المستشار السابق في الديوان الملكي ووزير إعلام الظل في السعودية، أحد أبرز الرجال المتساقطين حول بن سلمان، وذلك بعد تورطه المباشر في مقتل الكاتب والصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول قبل نحو عام.
وساهم القحطاني في الترويج والإعداد لصعود بن سلمان من منصب وزير للدفاع إلى منصب ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد والمتحكم في الاقتصاد والسياسة والجيش والإعلام، وذلك عبر قيامه بالسيطرة على كافة وسائل الإعلام المحلية التي يملكها الأمراء المنافسون ورجال أعمال سعوديون، والإشراف على حملات أمنية قمعية تجاه رموز وأفراد تيار الصحوة، أحد أكبر التيارات الدينية في البلاد، ثم القضاء على الأمراء المنافسين بحجة محاربة الفساد في ما عرف بحملة فندق “ريتز كارلتون”.
كما أشرف القحطاني بشكل مباشر على عمليات التعذيب داخل السجون بحق الناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان، وفق شهادة عائلة الناشطة النسوية لجين الهذلول، التي قالت إن القحطاني أشرف على تعذيبها وهددها بالقتل داخل أحد السجون السرية التابعة لجهاز أمن الدولة، الذي يعد الأخير من مؤسسيه.
لكن بعد ارتكاب جريمة اغتيال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتصاعد الضغوط الدولية لمحاسبة المتورطين، لا سيما بعد اكتشاف تفاصيل الجريمة وأدوار فريقه، اضطر بن سلمان للإقرار ضمنياً بمسؤولية القحطاني عنها في محاولة منه للتملص منها، ومن ثم تمّت إقالة الرجل من كافة مناصبه وإبعاده عن المشهد العام مع تقديم وعود له بإعادته مرة أخرى إلى الواجهة إذا ما هدأت الأمور. وسبق أن نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة على سير المحاكمة بحق المتورطين في الجريمة، أن القحطاني ليس من بين المتهمين الذين تجري محاكمتهم، ولم يظهر في أي من الجلسات الأربع التي انعقدت منذ يناير/كانون الثاني الماضي، على الرغم من أن الادعاء السعودي قال إن القحطاني التقى بالعناصر المكلفة بإعادة خاشقجي قبل توجههم إلى إسطنبول. كما سبق أن أكد مصدر أن بن سلمان لا يزال يستعين بالقحطاني.
ولم يكن القحطاني رجل بن سلمان الوحيد الذي سقط بسبب قضية خاشقجي، فمعه سقط نائب رئيس الاستخبارات العامة والذراع الأمنية لمحمد بن سلمان، اللواء ركن أحمد عسيري، الذي أبعد عن المشهد وحُمّل وزر قضية مقتل الصحافي المعارض حماية لبن سلمان أيضاً. وعلى عكس القحطاني، فإن عسيري يخضع للمحاكمة في القضية.
وساهم عسيري في الحملات الأمنية العنيفة التي شنّها بن سلمان ضد خصومه، كما أنه كان المتحدث الرسمي باسم التحالف الذي يشنّ الحرب في اليمن، لكن أهميته تبدو ضئيلة بالنسبة لولي العهد السعودي مقارنة بالقحطاني، ما رجح أنه سيتحمل الوزر الأكبر في القضية التي هزت صورة بن سلمان أمام دوائر صناعة القرار الغربية.
كما تعرض وزير الخارجية السابق عادل الجبير للإبعاد نظرياً من قبل الملك سلمان عن وزارة الخارجية، إذ أمر العاهل السعودي بتعيين إبراهيم العساف، وزير المالية السابق وأحد أفراد الحرس القديم الذين سجنوا في فندق “ريتز كارلتون” على يد بن سلمان، في منصب وزير الخارجية، ليكون ممثلاً لسلمان بدلاً من رجل ابنه، الجبير، الذي أصبح وزير الدولة للشؤون الخارجية، لكنه حافظ على بعض من دوره من خلال استمرار مساهمته في إدارة الشؤون الخارجية.
لكن سقوط خالد الفالح، الرجل الاقتصادي النفطي القوي، يُعد من أقوى الضربات التي تلقاها بن سلمان ورؤيته الاقتصادية التي يحاول تسويقها، والتي استخدمها كذريعة للوصول إلى سدة الحكم وتنفيذ حملات القمع تجاه أبناء عمومته من الأمراء والناشطين السياسيين والناشطات الحقوقيات.
واستحدث بن سلمان وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية عام 2016 وقام بوضع الفالح كوزير لها، وتولى الأخير في الوقت ذاته مهمة رئاسة شركة “أرامكو” السعودية، كما أنه عيّن كمخطط للتحول الاقتصادي في البلاد من الاعتماد على الصادرات النفطية إلى الاعتماد على الصناعة وقطاع الاستثمار والخدمات التكنولوجية.
وأدى الفالح دوراً مهماً في محاولة جذب رؤوس الأموال الغربية التي يطمح لها بن سلمان، خصوصاً أنه يتمتع بعلاقات كبيرة مع قطاع الأعمال العالمي بسبب مناصبه السابقة التي تولاها في القطاع النفطي السعودي، كما أنه حاول المساهمة في تبرئة اسم بن سلمان من اغتيال خاشقجي لدى قطاع الأعمال ومحاولة إنجاح مؤتمر “دافوس الصحراء” الذي عُقد بعد الجريمة مباشرة، وقوبل بمقاطعة من قبل عدد كبير من رجال الأعمال.
لكن الفالح فشل في مهمته الأساسية، وهي طرح أسهم “أرامكو” في الأسواق العالمية، بسبب تدخلات الملك سلمان المستمرة وإيقافه طرح “أرامكو” أكثر من مرة بعد توصيات من قبل رجال كبار داخل الأسرة الحاكمة، وفق وكالة “رويترز”.
وتسبّب فشل الفالح في تجاوز أوامر الملك سلمان، إضافة إلى فشله في التحوّل الاقتصادي وفي جلب رؤوس الأموال، وفي قطاعي الصناعة والثروة المعدنية، في قطيعة بينه وبين ولي العهد، الذي حمّله مسؤولية تأخر حلمه في بيع “أرامكو”، ما أدى إلى فصل وزارة الطاقة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية أولاً، ومن ثم إقالة الفالح من شركة “أرامكو” وتعيين محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، كرئيس للشركة، ومن ثم إبعاد الفالح من منصبه كوزير للطاقة وتعيين أخ الأمير محمد بن سلمان، الأمير عبد العزيز، على رأس هذه الوزارة التي لم يسبق لأمير من الأسرة الحاكمة توليها. وفي ظل ميل بن سلمان للتضحية بالرجال المحيطين به وتحميلهم المسؤولية عند وقوع أي خطأ، فإنه من المتوقع أن يستمر سقوط أفراد من فريقه.