خاص: يأتي تهافت الماليين السعوديين والإماراتيين الرسميين على سوق تجارة العملات الإلكترونية في الوقت الذي يضع فيه العالم -على رأسهم الولايات المتحدة- لوائح تنظيمية مشددة في التعامل على تلك العملات، ليثير علامة استفهام كبيرة، ويلقي بمخاوف جدية على أثر ذلك الاستثمار على الاقتصاد السعودي.

 

قيود غربية وسط تساهل سعودي – إماراتي:

من جانبها، وصفت صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية اللوائح التي تضعها كل من السعودية والإمارات بأنها فرش لسجادة حمراء للمتعاملين على تلك العملات الغامضة حتى الآن، وذلك في تقرير لها لخصت فيه رؤية المملكة للاستثمار في تلك العملات والخطر الكامن وراء تلك الاستثمارات المليارية.

وقالت الصحيفة في تقرير لها إن “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يقومان بإطلاق سجادة حمراء من اللوائح التنظيمية للعملات الرقمية الخفيفة، وفقًا للاعبين في السوق الأمريكية، ما يشكل تباينًا مع الولايات المتحدة، حيث يتهافت المسؤولون هناك على وضع قواعد التشفير”.

وأضافت الصحيفة أنه في الوقت نفسه، بينما تضع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسها كملاذ آمن لشركات العملات المشفرة، فإن الولايات المتحدة تجعل من الصعب على تلك الشركات نفسها العمل محليًا، كما يؤكد كبار تجار العملات المشفرة. ففي الأسبوع الماضي فقط، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستطلق “منصة السيولة عند الطلب” من Ripple في محاولة لتسهيل المدفوعات الدولية الرقمية.

وأشارت الصحيفة إلى قيام عمالقة المال مثل ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لشركة جولدمان ساكس، والرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون، ستيفن شوارزمان، بالحج إلى مبادرة الاستثمار المستقبلي في الرياض الأسبوع الماضي، على حد قولها، حيث انضموا إلى بعض أكبر الأسماء في الأصول الرقمية، بما في ذلك براد جارلينجهاوس، الرئيس التنفيذي لشركة Ripple Labs ومايك نوفوغراتز، الرئيس التنفيذي لشركة Galaxy Digital.

وأكدت الصحيفة أنه في السنوات القليلة الماضية، كثفت المملكة العربية السعودية من جهودها لجذب شركات التشفير، حيث يعمل البنك المركزي السعودي والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة معًا لمعرفة كيف يمكن للبنكين اعتماد blockchain والمدفوعات الرقمية.

من جانبه، قال مايك نوفوغراتز، الرئيس التنفيذي لشركة Galaxy Digital: “لقد أتيت إلى المنطقة منذ سنوات، وهذه هي المرة الأولى التي شعرت فيها أن التجمعات الكبيرة لرؤوس الأموال كانت مهتمة بالعملات المشفرة”، مضيفًا: “الاجتماعات التي عقدتها مع المستثمرين، كان الناس يطرحون أسئلة متقدمة جدًا حول التبني والتنظيم”، كل ذلك تم في الرياض.

وأوضحت الصحيفة أن مطلعين ماليين توقعوا أن تستثمر بعض صناديق الثروة السيادية الرئيسية في الشرق الأوسط مباشرة في العملات المشفرة في وقت ما خلال الاثني عشر شهرًا القادمة، بل إن البعض منهم رأى أن المملكة العربية السعودية تركز على العملات المشفرة كجزء من رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وجعل البلاد مركزًا للابتكار.

 

رؤية بلا هدف:

ورأى مراقبون اقتصاديون أن الاستثمار في عالم العملات الرقمية المضطرب يعد مخاطرة كبرى، يعرض بها صندوق الثروة السعودي السيادي مئات المليارات من الدولارات لخطر فقدان قيمتها في لحظة.

وهذا ما أكده العديد من كبار الاقتصاديين في العالم، فعالم العملات الرقمية لا زال حتى الآن أرضا مجهولة يحاول فيها الاقتصاديون تلمس موقع أقدامهم، لا ليستثمروا فيها مليارات الدولارات كما تفعل السعودية.

فخطر العملات الرقمية متعدد، بين أمن سيبراني، ومخاطر المعاملات وانعدام الثقة، إضافة للقيود القانونية التي فرضتها الحكومات الغربية عليها وعلى المتعاملين بها حتى لا يتعرض الاقتصاد المالي لديهم لأي هزة أو مخاطر متوقعة.

وكانت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة قد حذرت مستثمري العملات الإلكترونية من خطر فقدان كل أموالهم. ووفقاً للمحللين، تتفاقم مخاطر الاستثمار بسبب أنشطة الاحتيال أيضاً. كما يشير المتخصصون البريطانيون إلى أن الاستثمارات ومنتجات القروض المتعلقة بالعملات المشفرة تنطوي على “مخاطر عالية جداً”.

 

رحلة “البيتكوين” المتقلبة:

لنأخذ “بيتكوين”، على سبيل المثال، في بداية عام 2020 بلغ متوسط سعرها 7300 دولار أميركي، وأغلقت العام عند أكثر من 29 ألف دولار أميركي. وهذا يعني نمواً تقريبياً بنسبة 300% في آخر 12 شهراً. اعتباراً من أوائل ديسمبر (كانون الأول) وحده، بلغت قيمة العملة المشفرة نحو 19000 دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 53 في المئة في شهر واحد، ثم في 7 يناير (كانون الثاني) من هذا العام، وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 40 ألفاً، ثم عادت وانخفضت إلى 30 ألفاً بعد بضعة أيام فقط، ثم بقيت أسابيع تتأرجح بين 32 ألفاً و36 ألف دولار للوحدة. وفي 8 فبراير (شباط) الماضي أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا”، إيلون ماسك، عن أنه سيستخدم أموال الشركة لشراء الأصول الرقمية وقبولها كطريقة دفع مقابل مركباتها.

وما هي إلا أسابيع قليلة حتى خرج ماسك بتغريدة أخرى يتراجع فيها عن بيع سيارات “تيسلا” باستخدام “بيتكوين” لأسباب تتعلق بالبيئة واستهلاك العملة المشفرة للطاقة، وتسببت تغريدته الثانية في تراجع أكبر عملة مشفرة في العالم بنسبة 40 في المئة تقريباً من رقمها القياسي البالغ 65 ألف دولار أميركي، وتم تداولها بنحو 39360 دولاراً، وهو مستوى شوهد آخر مرة قبل أن يكشف صانع السيارات الكهربائبة عن استثماراته. ومع مضاعفة ماسك انتقاداته للعبء البيئي للعملة المشفرة انخفضت عملة “بيتكوين” بنحو 15 في المئة. لتأتي بعد ذلك الضربة القاضية بإصدار بنك الشعب الصيني بياناً أكد فيه أنه لا يمكن استخدام الرموز الرقمية كشكل من أشكال الدفع، مما يسلط الضوء على المخاطر التنظيمية المعلقة على العملات المشفرة، في حين ساهم إعلان البنك الصيني في إعادة عملة “بيتكوين” إلى ما مستويات ما قبل فبراير الماضي، أي أعادها 8 مستويات.

وقالت فيونا سينكوتا، كبيرة محللي الأسواق المالية في “سيتي إندكس”، لـ “إيكونوميك تايمز”: “هذه التقلبات الضخمة التي شهدناها في العملات المشفرة تسلط الضوء حقاً على الطبيعة التخمينية للعملات المشفرة كأصل”. وأضافت، “لدينا إيلون ماسك يقود الصفقات في عالم التشفير ويثير المتاعب، ليست المرة الأولى، ولا أستطيع أن أتخيل أنها ستكون المرة الأخيرة أيضاً”.

ورغم كل هذه التقلبات، يستمر “ابن سلمان” في المخاطرة بمليارات الدولارات من أموال الشعب من أجل رؤيته الضبابية المسماة رؤية 2030، فبعد فشله في فتح المجال للاستثمارات الأجنبية بسبب قضية “خاشقجي”، وكذلك فشل مشاريعه العقارية الضخمة مثل “نيوم”، و”ذا لاين”، وغيرها من المشاريع التي بنيت على دماء السعوديين ومنازلهم التي هجروا قسرًا منها.

فما كان من “ابن سلمان” إلا أن يغامر في قرار اعتباطي ليس مبنيا على دراسات للاستثمار في مجال لا زال العديد من الاقتصاديين الكبار متخوفين من الخوض فيه، وهو ما ألقى بظلاله على استقبال الحكومات الغربية لفكرة العملات الرقمية مجهولة المصدر تلك.