خاص: جاء كشف مجلة “فوربس” الأميركية، أبريل الماضي، عن أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية انخفض بنحو 60% في عام 2022، في أوّل تراجع سنوي له منذ 5 سنوات وثاني أكبر انخفاض منذ أكثر من 15 عاماً، بمثابة سكتة قلبية لرؤية “ابن سلمان” الاقتصادية المسماة السعودية 2030.

وقالت المجلة المتخصصة بتتبع القضايا الاقتصادية، إنّ إجمالي الاستثمار الداخلي في المملكة بلغ العام الماضي 7.9 مليارات دولار، وفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي (سما) في أواخر شباط/فبراير. وعلى الرغم من كون هذا الرقم ثاني أعلى رقم سنوي منذ عام 2016، فإنّه أقل بكثير من 19.3 مليار دولار المسجلة في عام 2021.

وبتتبع ما يحدث بداخل المملكة، فإن “ابن سلمان” وتوجهاته السياسية والاقتصادية أثرت بشكل كبير على تدفق الاستثمارات في المملكة، بل نكاد نقول أنها دمرته، وأوصلته لأكثر المستويات انخفاضًا منذ عقود.

 

– اعتقالات الريتز كارلتون:

قبل أسبوعين من حملة اعتقالات الريتز كارلتون، استضاف الفندق ذاته في الرياض مؤتمرًا دوليًا للترويج للسعودية كمقصد للاستثمار في حضور أكثر من ثلاثة آلاف من كبار المسؤولين وزعماء قطاع الأعمال!

وعقب ذلك، أضحى الفندق سجن فاخر لبعض من النخبة السياسية وكبار رجال الأعمال الذين جرى احتجازهم في حملة واسعة على الفساد قد تغير طريقة عمل الاقتصاد.

وأشار خبراء اقتصاديون أن تلك الحملة من الاعتقالات كانت عملية محفوفة بالمخاطر؛ لأن الحملة تلحق ضرراً ببعض من أكبر رجال الأعمال بالقطاع الخاص في المملكة وزعماء مؤسسات عائلية ممن بنوا معظم الاقتصاد غير النفطي على مدى العقود القليلة الماضية، وقد تعاني صناعات كثيرة إذا نضبت الاستثمارات من هذه العائلات في الأشهر المقبلة في وقت انزلق فيه الاقتصاد بالفعل إلى ركود بسبب ضعف أسعار النفط وسياسات التقشف، وفق تقرير لوكالة “رويترز”.

فالعشوائية كانت سمة تلك الحملة، ما تسبب في خروج الكثير من الأموال خارج المملكة خوفًا من أصحابها سواء كانو سعوديين أو مقيمين في المملكة على أموالهم.

كذلك عبر مستثمرون عن قلقهم بشأن الآثار الاقتصادية لحملة الاعتقالات تلك. وشعر البعض بقلق من أن المصارف قد تبدأ بالمطالبة بسداد قروض قدمتها للعائلات التي يشملها التحقيق باستخدام شروط للإقراض تسمح بهذا في حالات المخاطر القانونية، وهو ما قد يؤدي لانهيار أسعار أسهم تلك الشركات.

كما جرى تجميد لصفقات أعمال جديدة كثيرة. وقال رجل أعمال بشركة أجنبية لخدمات التكنولوجيا لرويترز إنه كان يدرس مشروعاً مع شريك سعودي لكنه قرر هذا الأسبوع عدم المضي قدماً فيه بسبب روابط الشريك مع بكر بن لادن، أحد رجال الأعمال المحتجزين.

 

– مقتل “خاشقجي”:

ألقت عملية قتل “خاشقجي” – المتورط فيها ولي العهد السعودي بحسب تقارير استخباراتية أمريكية وغربية -، بظلالها على وضع الاستثمار في المملكة، فلنا أن نقول أنه تم إلغاء منتدى دافوس الصحراء في سنة مقتل “خاشقجي”، بينما أحجم العديد من المستثمرين على الاستثمار في المملكة رغم التسهيلات التي تقدمها الحكومة السعودية؛ خوفًا من انتقادات منظمات حقوق الإنسان لعملهم في المملكة رغم سجلها الحقوقي السيء.

أي أن شبح “خاشقجي” أخاف المستثمرين من التواجد في المملكة، والعمل بداخلها وظل يطارد خطة “ابن سلمان” الاقتصادية حتى أفشلها.

وهو ما دفع وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، للدفاع عن قوة اقتصاد المملكة، قائلاً ردًا على سؤال حول تداعيات قضية مقتل خاشجي على اقتصاد المملكة: “السعودية ما زالت تستقطب عددا كبيرا من الاستثمارات.. وشاهدنا في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار توقيع عدد كبير جدا من الاتفاقيات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي”.

وأشار الجدعان إلى أن “هناك اتفاقات كبيرة جدا وقعت في المنطقة الشرقية الأسبوع الماضي للاستثمار في مدينة الملك سلمان الصناعية”، وهي التصريحات التي تؤكد تضرر اقتصاد المملكة ومحاولة الحكومة تجميل ذلك الضرر بتصريحات براقة ليس أكثر.

– عشوائية خطة السعودة:

تسببت خطة عشوائية لسعودة الوظائف بشكل موسع في أضرار للقطاع الخاص وانحسار الاستثمارات المحلية والأجنبية، فيما أدى التراجع عن خصخصة الكثير من المشروعات إلى تعزيز شكوك المستثمرين في قدرة بن سلمان على الوفاء بوعوده لتنويع الاقتصاد.

وبينما رفعت رؤية 2030 شعار تنويع موارد الدولة وجذب المزيد من رؤوس الأموال وإنعاش الاقتصاد، كشفت الأرقام الرسمية وصول الدين العام للمملكة إلى مستويات تاريخية، بعد أن قفزت بنحو 1200% في غضون أربع سنوات، كما تحولت المملكة الغنية بالنفط من الفائض المالي إلى العجز رغم الاقتراض غير المسبوق.

واقترب الإخفاق أيضا من خطة بن سلمان إلى نشر السعودة (توطين الوظائف)، والتي تضمنت زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%.

لكن وفقاً لتقرير أصدرته الهيئة العامة للإحصاء، فإن معدل البطالة بين السعوديين بلغ 12.9% في الربع الأول من 2018، فيما ذكر عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة، في تصريحات صحافية مؤخرا، أن نسبة البطالة الحقيقية تصل إلى 34%.

وفي مقابل التوظيف الشكلي، تسبب توسع المملكة في تسريح العمالة الوافدة في أضرار كبيرة لقطاعات التجزئة والشركات الكبرى العاملة في هذا المجال، إذ سرحت المملكة أكثر من 1.1 مليون عامل في الفترة من مطلع 2017 حتى منتصف العام الجاري وفق البيانات الرسمية.

 

– إنفاق غير مدروس:

فالمشاريع الوهمية التي جرى لها “ابن سلمان” أموال المملكة، والإنفاق على الدعاية الرياضية والفنية وفعالياتهما بلا حد، وجلب اللاعبون المشهورون بملايين الدولارات، كل ذلك أدى لحدوث عجز كبير في الموازنة السعودية دفع المملكة للاستدانة من أجل سد هذا العجز، رغم ارتفاع واردت النفط خلال العامان الماضيان.

وهو ما دفع صندوق النقد الدولي لتحذير الحكومة السعودية من زيادة الإنفاق في أعقاب ارتفاع أسعار النفط، وحضها على الحد من كلفة الرواتب.

وقال الصندوق في تقرير له، إن زيادة الإنفاق ستعرض ميزانية المملكة للانكشاف في حال انخفاض أسعار النفط بشكل غير متوقع.

وشدد التقرير على “أهمية ضمان بقاء الإنفاق على مستوى مستدام في مختلف ظروف أسعار النفط” وعلى ضرورة تجنب سياسة مالية من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات في النشاط الاقتصادي.