تقرير خاص

“مسك” للأعمال الخيرية؛ اسم رنان، يخفي وراءه أكثر مما يُبدي؛ فخلف ستار الأعمال الخيرية ومشاريع تمكين الشباب التي يطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمؤيديه من الشباب من خلال مؤسسته؛ يشرع -كحال كافة الأنظمة الاستبدادية- في صناعة فصيل شبابي يدين له بالولاء ويدافع عنه وعن رؤيته من خلال تقريبه، ووراء كل ذلك ذراع أخطبوطية نافذة، كلما توقف العمل القذر أو تعثر لأية ذريعة تدخلت “مسك” بوجهها الملائكي لتنفخ فيه الروح ويعاود العمل من جديد..

فمن خلال “مسك” تمكن “ابن سلمان” من التواصل مع مؤسسات خيرية دولية وأقام معها شراكات كبيرة – وإن كان العديد منها قد انهار مؤخرًا كما سيتضح -، مكّنته من تلميع صورته غربيًا باعتباره راعي الشباب السعودي، والممكن لهم سياسيًا واقتصاديًا في مملكة كان الأصل فيها هو حكم الشيوخ حتى جاء “ابن سلمان” الشاب المنفتح كما تروج له فعاليات ومؤتمرات “مسك” حول العالم.

ولكن ما بدأ خطأ فمصيره إلى زوال، فبعد جرائم “ابن سلمان” من قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، واعتقال الناشطات، وحرب اليمن، ومؤخرًا فضبحة تجسس تويتر، كل ذلك أضعف موقع ومكانة “مسك” العالمية، وجعلها مرمى لحملات إعلامية مضادة وانتقادات حقوقية باعتبارها وسيلة من وسائل “ابن سلمان” في تلميع وتنظيف سمعته، بينما هو غارق داخل المملكة في مستنقع من الانحطاطات الأخلاقية والإنسانية.

لماذا كانت “مسك”؟!

في تعريفها على موقعها، هي مؤسسة “محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية”؛ المعروفة اختصارًا بـ (مسك الخيرية)، وهي مؤسسة غير ربحية، أنشأها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وهو من يرأس مجلس إداراتها.

ورسالة المؤسسة المعلنة هي تمكين المجتمع في كافة مجالات الحياة والتقدم على أعلى المستويات في مجال الأعمال والأدب والثقافة والعلوم الاجتماعية والتكنولوجية، عن طريق إنشاء حاضنات لتطوير وإنشاء وجذب مؤسسات عالية المستوى، وتوفير البيئة التنظيمية لذلك.

وتهتم المؤسسة بثلاثة مجالات رئيسة تشمل (التعليم، والإعلام، والثقافة)، باعتبار أن هذه المحاور تشكل العمود الفقري لتطور أي مجتمع وازدهاره، وتشهد تحديثًا وتغيراً مستمراً في الأدوات والوسائل.

– ففي المجال الإعلامي: تركز مسك على تنمية المهارات الإعلامية، من منطلق أن “الإعلام مسؤولية اجتماعية لبناء وتنمية مستوى الوعي لدى المجتمع”.

– ومن الناحية الثقافية: من ضمن الأنشطة التي قامت بها مسك، مشاركتها في معرض الرياض الدولي للكتاب. ففي عام 2015، نظمت المؤسسة 10 ندوات عن خبرات وتجارب الشباب في التأليف، و6 ورش عمل، بمشاركة متحدثين ومدربين في المجالات الثقافية.

– أما الجانب التعليمي: من خلال تهيئة الكوادر البشرية من الشباب والكفاءات اللازمة من أجل بناء مشاريع تنمية على كافة المستويات.

هذه المجالات الثلاثة هي المجالات الأساسية التي تسعى مسك من خلالها إلى التحكم بمفاصل القوة الضاربة في المجتمع السعودي وهي شريحة الشباب، وذلك لتكوين ولاءات منتمية بشكل أساس لشخص ولي العهد محمد بن سلمان، بحيث تكون كوادر مستأنسة ومدينة بالولاء المطلق وجاهزة للاستخدام المستقبلي في الوظائف والمهام والمناصب القيادية التي يتم تكليفها بها.

خاشقجي.. محطة قاصمة في مسيرة “مسك”:

كانت المؤسسة تسير بخطا ثابتة لتنفيذ المخطط الموضوع لها، باعتبارها واجهة نظيفة تتمثل فيها القيم التي يريد “ابن سلمان” توصيلها للمجتمعات الغربية والخارج عمومًا؛ باعتباره “الشاب المنفتح” الذي يروج لنفسه على أنه جاء لإنقاذ المملكة من براثن الوهابية والتطرف، حتى حدث ما حدث في أكتوبر 2018، وقتل الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” على يد فريق استخباراتي سعودي داخل مقر القنصلية السعودية بإسطنبول في مشهد هز أطراف العالم كله، وقلب الطاولة على رأس ولي العهد.

وعقب انتشار الخبر مع حملات الاعتقال داخل المملكة، تأكد للجميع أن “مسك” هي ذراع غير نظيفة، فبعد تورط “بدر العساكر” الذي يشغل منصب الأمين العام لمؤسسة “مسك” الخيرية ومدير مكتب ابن سلمان في الوقت ذاته، في قضية مقتل “خاشقجي”، ثم فضيحة “تويتر” لاحقًا أصبحت نشاطات “مسك” وفعالياتها عبر أنحاء العالم موضع تدقيق وريبة، والشراكات التي قامت بها أصبحت في مهب الريح بسبب سمعتها التي أضحت سيئة عالميًا.

مقاطعة عالمية:

– مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” الخيرية: كانت البداية من مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” الخيرية، التي تتبع عملاق صناعة البرمجيات الأمريكي “بيل غيتس “وزوجته، والتي قررت في نوفمبر 2018 – عقب شهر واحد من مقتل خاشقجي – قطع علاقتها مع الجمعية التي يرأسها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان “مسك”.

وقالت المؤسسة في بيان لها: “إن خطف جمال خاشقجي وقتله أمر مزعج للغاية”، مضيفة: “نحن نراقب الأحداث الجارية بقلق، ولا توجد لدينا خطط حالياً للتعاون في أي برامج قادمة مع مؤسسة مسك الخيرية (التي يرأسها ابن سلمان)”، بحسب ما نقلت صحيفة “سياتل تايمز” الأمريكية.

وأوضحت المؤسسة الأمريكية ومقرّها واشنطن: “إن ما يتردّد عن وقوف ولي العهد السعودي وراء مقتل خاشقجي جعل هذه الشراكة غير مقبولة”.

وقد أثر ذلك القرار على مبادرة مشتركة بين المؤسستين تتضمّن تقديم منح للمنظمات في أنحاء العالم التي يعمل الشباب فيها بطرق مبتكرة لمواجهة بعض التحديات الإنمائية الأكثر إلحاحاً، حسب البيان ذاته.

–  “جامعة هارفارد” الأمريكية: أعلنت هي الآخرى في يوليو 2019، إنهاء العمل باتفاقية تعاون مع “مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز” الخيرية المعروفة اختصارا بـ(مسك).

وقالت المتحدثة باسم هافارد، جوناثان ل.سوين، عبر بيان، أنه تم إلغاء منح دراسية صيفية كانت مخصصة سنويا 100 طالب سعودي ترشحهم مؤسسة “مسك”.، ولم توضح سبب إلغاء الاتفاقية، لكن عدة جامعات عالمية ألغت تعاونها مع نظيراتها السعودية على خلفية جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول أواخر العام الماضي.

ووقعت الاتفاقية بين جامعة هارفارد ومؤسسة “مسك”، عام 2016، لمدة 5 سنوات. وبموجبها، كانت الجامعة تقدم منحا دراسية صيفية لقرابة 800 طالب كل عام يخصص 100 مقعد منها لطلاب سعوديين ترشحهم مؤسسة “مسك”.

وسبق أن اعتذرت كلية كينيدي بجامعة هارفارد عن استضافة الأمير تركي الفيصل، سفير الرياض الأسبق لدى واشنطن، للحديث بإحدى محاضراتها، على خلفية قضية مقتل خاشقجي.

وفي فبراير الماضي، نظم حوالي 100 شخص من جامعة هارفارد تظاهرة في مكتبة كامبريدج العامة، مطالبين الجامعات بأن تكون أكثر شفافية بشأن علاقاتها المالية مع الحكومة السعودية.

– مكتبة نيويورك العامة: ألغت المكتبة في سبتمبر 2019 فعالية كانت ترعاها مؤسسة “مسك”، بسبب انتقادات حقوقية وجهت لها، وقالت المكتبة، في بيان، نقلته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قالت فيه: “لن نستضيف ذلك الحدث بسبب المخاوف العامة”.

وأرجعت المكتبة قرارها، إلى المخاوف العامة النابعة من قلق منظمات حقوق الإنسان، التي انتقدت استضافة المكتبة للفعالية، بالتزامن مع الذكرى الأولى لمقتل الصحافي جمال خاشقجي.

كما كان من المزمع أن تستضيف المكتبة في مبناها التاريخي بنفس الشهر افتتاح منتدى دولي جديد للشباب برعاية جهتين، الأولى هي مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشباب، والثانية مؤسسة “مسك”، وهو ما تم إلغاءه أيضًا.

– موقف الأمم المتحدة من المنظمة: أعلن “فرحان حق” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، سبتمبر الماضي، أن مبعوثة الأمم المتحدة للشباب جاياثما ويكراماناياك قررت الانسحاب من فعالية تنظمها مؤسسة “مسك” الثقافية السعودية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقال “حق” إن هذه المشاركة في الظروف الحالية لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، وهي التقريب بين القادة الشباب والمؤثرين والمبدعين للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

فضيحة تويتير.. قشة قصمت ظهر “مسك”:

 فضيحة التجسس على “تويتر” هي القشة التي قصمت ظهر “مسك”، فالمدير التنفيذي السابق بها “علي الزبارة” من ضمن الذين وجهت لهم وزارة العدل الأمريكية الاتهام، وقد اتهم رسميًا بالتجسس على حسابات المعارضين السعوديين على “تويتر” وتتبع نشاطها.

فقد كان “الزبارة” الرجل التنفيذي الثاني بعد سعود القحطاني المستشار الملكي المقال بسبب جريمة قتل “خاشقجي”، فيما يعرف بالاتحاد السعودي للأمن السيبراني “الذباب الإلكتروني”، وقد نجح “الزبارة” في غرس عملاء داخل “تويتر” للتعرف على مكامن الضعف والقوة وكيفية استغلال “تويتر” للترويج لسياسات “ابن سلمان”، ولكتم الأصوات المعارضة عليه وقمعها.

كما أكدت وثيقة مسربة مؤخرًا، عن وجود علاقة شراكة بين “بدر العساكر” مدير مكتب ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، والمتهمين بالتجسس على شركة “تويتر” لصالح السعودية.

ونشرت الوثيقة على حساب الصحفي العراقي المقيم في الولايات المتحدة “زيد بنيامين” على “تويتر”، والتي جاء فيها أن “العساكر” وشخصية أخرى مقربة من “بن سلمان” عملا مطولاً عبر شركات استثمار مثل (عشرون) وغيرها على تمرير تمويل ولي العهد السعودي المبطن للشركات العاملة في التكنولوجيا والأمن السيبراني والتسويق الإلكتروني.

كما أشارت الوثيقة إلى أنه من بين تلك الشركات واحدة تابعة لـ “أحمد الجبرين المطيري”، المتهم بتجنيد “على الزبارة” والتنسيق مع “أحمد أبو عمو” للتجسس داخل شركة “تويتر”، بحسب “بنيامين”.

وتابعت الوثيقة أن “العساكر”، المولود في 25 يونيو 1974، اشترى نسبة 60% من شركة “سماءات” التابعة لـ “الجبرين”، في 22 نوفمبر 2016، وأن الأخير زار الولايات المتحدة في 2014 لتوقيع اتفاقيات.

وتأتي أهمية الكشف عن تلك القضية، في أنها تمت على أرض أمريكية ضد أشخاص مشمولين بالحماية الأمريكية، وبالطبع سوف تؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة بشكل عام، الذي تشكل فيه شركات وسائل التواصل العالمية حجر أساس فيه.

لذا كانت هذه الفضيحة هي الطامة الكبرى التي فضحت خطورة تغلغل “مسك” في الحياة الثقافية الأمريكية، والهدف الذي تم من أجله إنشاء ذلك الكيان الضخم، وهي أن تكون وسيلة لقمع المعارضين وغسيل سمعة “ابن سلمان” محليًا ودوليًا.