تقرير خاص

تحدد العلاقات بين الدول وبعضها البعض وفقًا للسياسة التي تتبعها كل دولة في تعاملها مع محيطها الخارجي المجاور لها، ومع المحيط الإقليمي الذي تنتمي إليه، ورؤيتها لقضايا العالم وطريقة تعاطيها معها.

ولا شك أن السياسة الخارجية الخاصة بالمملكة العربية السعودية تأثرت تأثيرًا جذريًا بصعود الأمير “محمد بن سلمان” لولاية العهد في 2017، فرؤية الأمير الشاب تختلف بشكل قطعي مع الرؤية السابقة للمملكة في معظم المجالات، لذلك لم تلقى قبولاً سواء على مستوى الأسرة الحاكمة؛ الذين رأو في تطلعات الأمير الشاب مصدر خطر على بقاء الحكم داخل الأسرة، وحتى على المستوى الشعبي، وذلك بعد أن ثبت أن كثير من رؤى ولي العهد الجديد لم تنجح في إيجاد واقع أفضل للمواطن السعودي.

وكجزء من العلاقات السياسية للسعودية، تأثرت علاقة المملكة مع محيطها الإسلامي بشكل كبير، كان الضرر هو الأثر الطاغي عليها بعد تولي “ابن سلمان” ولاية العهد.

فالوضع مع العالم الإسلامي قبل “ابن سلمان” ليس كوضعه بعد أن تولي الأمير الشاب ولاية العهد، فالاتجاه الذي غلب على سياسات “ابن سلمان” هو التخلي عن قضايا العالم الإسلامي، والاتجاه نحو الولايات المتحدة وما تمليه عليه من سياسات بالطبع لا تتوافق مع رؤى وطموحات العالم الإسلامي من المملكة التي تعتبر راعية للإسلام في العالم كله!

ويمكن لنا أن نجمل أهم نقاط التغيير التي طرأت على سياسة المملكة تجاه العالم الإسلامي وقضاياه بعد تولي “ابن سلمان” في النقاط التالية..

– القضية الفلسطينية:

تعد القضية الفلسطينية القضية الأساسية والرئيسية في العالم الإسلامي قاطبة، ومنذ قدوم “ابن سلمان” لولاية العهد ظهرت رؤيته لهذه القضية المحورية واستخفافه في التعامل معها على أنها مجرد صراع حربي على قطة أرض محتلة، وليس كونه صراع عقائدي على بقعهة من أقدس بقاع الأرض!

فقد جاءت تصريحات ولي العهد السعودي في أول حوار عالمي له  لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، في إبريل 2018، بمثابة صدمة للشعوب الإسلامية من التحول الجذري في الرؤية السعودية للقضية الفلسطينية.

فقد قال “ابن سلمان” إنه لـ”الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك دولتهم الخاصة، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية”، مشدداً على أن بلاده “ليس لديها مشكلة مع اليهود”، قائلاً: “نبينا محمد تزوج امرأة يهودية، جيرانه كانوا يهوداً، ستجد الكثير من اليهود في السعودية قادمين من أمريكا وأوروبا”!

وكذلك ما ذكره تقرير نشرته القناة العشارة العبرية، مارس الماضي، حول تصريحات الأمير “ابن سلمان” في نيويورك في السابع والعشرين من مارس الماضي، أمام زعماء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة.

حيث قال ولي العهد السعودي ما يناقض تمامًا تصريحات والده الملك “سلمان” وكل أسلافه: “على مدى سبعة عقود منذ أربعين عامًا والقيادة الفلسطينية تفوت الفرص، حيث رفضت جميع المقترحات التي قدمت لها”، مضيفًا: “لقد حان الوقت كي يقبل الفلسطينيون الاقتراحات والعروض وعليهم العودة إلى طاولة المفاوضات أو فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر”.

وعلقت القناة العبرية في تقريرها أن زعماء المنظمات اليهودية فوجئ، وصُدم الحاخامات من هذا الكلام لدرجة أنهم كادوا يسقطون من مقاعدهم أثناء لقائهم بولي العهد السعودي!

ومؤخرًا؛ الموقف الرسمي السعودي “الرخو” من إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” صفقتها المزعومة لحل النزاع، وهو ما أكدت عليه المملكة أن على الطرفين الجلوس والتباحث! وهو موقف يؤكد موافقة المملكة الضمنية على الصفقة ودعمها لها، وهو ما يثبت صحة التقارير التي تتحدث عن الضغط السعودي على الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” للقبول بها، والتأكيدات حول أن المملكة ستدفع الجزء الكبير من الـ50 مليار دولار اللازمين لتنفيذ الصفقة!

– قضية اضطهاد الصين لمسلمي الإيجور:

عمدت الصين إلى اضطهاد الملايين من عرقية الإيجور المسلمة بإقليم “شينغيانغ”، واعتقلت أكثر من مليون منهم في معسكرات “مكافحة الإرهاب”، كما منعت أكثر من 22 اسم إسلاميًا، ومنعت المسلمين من إطهار الكثير من عباداتهم مثل الصلاة والصوم في رمضان، وقامت بتعيين مراقبين على كل أسرة مسلمة!

وجاء تعامل السعودية مع تلك القضية بكونها قضية داخلية صينية! وذلك في محاولة للحفاظ على التعاون الاقتصادي مع الصين، فولي العهد السعودي محمد بن سلمان أشاد بشكل صريح بالصين في تعاملها بملف الأقليات!

حيث بدا ولي العهد موافقًا على معاملة السلطات الصينية للمسلمين الإيغور عندما زار الصين هذا العام، عندما قال: “نحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ إجراءات مكافحة الإرهاب والتخلص من التطرف لحماية الأمن القومي”.

وبحسب الكاتبان “آنا فايفيلد” و”كريم فهيم” بصحيفة “واشنطن بوست”؛ فإن تعامل السعودية باستخفاف مع تلك القضية أظهر نتائج الحملة التي تقوم بها الصين، ومنع أي نقد لها من دول الغالبية المسلمة، مشيران إلى أن الصين ركزت في الأشهر الستة الماضية على أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وكانت حملة مكثفة شارك فيها دبلوماسيون صينيون، وشملت على محفزات اقتصادية وتهديدات أيضا، وطلبت الصين من الأعضاء الـ57 في المنظمة التعامل مع سياساتها في الإقليم ذي الغالبية المسلمة على أنها مسألة داخلية تخص الأمن القومي، وهو ما كشف عنه مطلعون على جهود الضغط الصينية على دول المنظمة.

وتورد الصحيفة نقلا عن مطلعين على الحملة، قولهم إن الصين اعتمدت كثيرا على السعودية وحليفتها المهمة الإمارات العربية المتحدة، فخاطبتهما مباشرة، وراهنت على قدرتهما على التأثير على بقية الدول المسلمة.

ويذهب التقرير إلى أن موقف السعودية يظهر التغير الدرامي في سياسات المملكة في ظل ولي العهد، الذي حاول مواجهة سلطة المؤسسة الدينية في السعودية وتقليلها، لافتا إلى أن محمد بن سلمان يحاول تشكيل هوية سعودية تعتمد أكثر على البعد الوطني، وليس على المكون الديني، وهو ما أدى إلى تخلي المملكة عن سياسات تبنتها في السابق!

– تعامل المملكة مع قضية اضطهاد ميانمار لمسلمي “الروهينجا”:

مثل سابقتها؛ تعاملت المملكة في عهد “ابن سلمان” مع اضطهاد الحكومة البورمية لمسلمي “الورهينجا” باعتبارها قضية داخلية وأن العلاقات الاقتصادية هي من تحكم العلاقات السعودية – البورمية، وإن لم يخلو الأمر من بعض الإدانات الدولية التي لا تسمن ولا تغني، مع دعوات سعودية للحكومة البورمية للتعامل بإنصاف مع مسلمي الروهينجا.

كذلك جاء تعامل السلطات السعودية مع لاجئي الروهينجا المتواجدون داخل المملكة مخيبًا للآمال، وغير إنساني، فقد نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني تقريرا تحدث من خلاله عن مواصلة السعودية انتهاكها لحقوق الإنسان، حيث أن آخر ضحاياها هم مسلمو الروهينغا، على خلفية اعتماد قانون يقضي بترحيل اللاجئين من الروهينغا إلى بنغلاديش بصفة قسرية.

وقال الموقع، في تقريره إن المملكة العربية السعودية أمرت حكومة بنغلاديش باستعادة أكثر من 100 من مسلمي الروهينغا الذين دخلوا المملكة بجوازات سفر أصدرتها بنغلاديش.

ويخشى المجتمع الدولي من أن يقوم البلد الآسيوي الفقير بترحيل اللاجئين إلى بلدهم الأصلي ميانمار، حيث يتعرضون لشتى أصناف العذاب والاعتداءات.

وتمكن اللاجئون الفارون من الاضطهاد في ميانمار من ولوج السعودية بواسطة تأشيرات لتأدية مناسك العمرة، وقد شنت السلطات السعودية حملات اعتقال على اللاجئين، ومن ثم نقلتهم إلى مركز الشميسي للاحتجاز بمدينة جدة، حيث اعترفوا باستخدامهم لجوازات سفر مزورة للقدوم إلى السعودية.

ووصف أفراد الأقلية المضطهدة الذعر والخوف الذي عاشوه خلال فترة مكوثهم في مركز الاحتجاز، فضلا عن ترحيل شرطة الهجرة السعودية لعدد كبير منهم إلى بنغلاديش بصفة قسرية!

– وقف دعم المملكة لمساجد أوربا:

جاء إعلان رئيس رابطة الجامعات الإسلامية والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن السعودية لن تدير ولن تمول المساجد والمراكز الإسلامية خارج حدودها الوطنية بعد الآن، بمثابة تخلي جديد للمملكة عن دورها في خدمة العالم الإسلامي وقضاياه.

فالمملكة كانت دومًا تستخدم التمويل للمساجد بأوربا كوسيلة للسيطرة على الفكر الإسلامي الموجود في أوربا، ووقف تغول حركات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين في القارة العجوز.

وصرح “محمد العيسى” لصحيفة لوماتان ديمانش السويسرية، أواخر الشهر الماضي، أنه “قد آن الأوان أن يستلم إدارة مسجد جنيف مجلس إدارة سويسري، يكون ممثلا للمسلمين في المنطقة، مع رئيس منتخب”. بمعنى أخر، أن المؤسسة الثقافية في جنيف التي تدير شؤون المسجد منذ تأسيسه سنة 1978، ستنسحب من مهمتها تلك. وسيتم وضع هذا الصرح الإسلامي الكبير الذي افتتحه الملك الراحل خالد بن عبد العزيز بين يدي “الجالية الإسلامية في جنيف وضواحيها”.

وأضاف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: “سنتوقف عن تمويل المسجد”، داعياً إلى مشاورات بين الجالية المسلمة بمساعدة من السلطات السويسرية، مشيرًا إلى أن تعويض التمويل السعودي قد يتم عبر مشاركات من المصلين أو بعطاءات خاصة: “لا بد من تنويع المصادر إن كنا لا نريد أن نكون مرتبطين بأحد”.

وهذا القرار لا يتعلق فقط بمسجد جنيف، إذ سيتم اتخاذ الإجراءات نفسها في العالم بأسره بالتعاون مع السلطات الوطنية، موضحاً: “لا سيما لأسباب أمنية. لا بد من التأكيد على أن تكون هذه المساجد في أيد أمينة. بعدها، لن نتدخل مجدداً”.!

وبعد؛ فإن كل ما سبق ترك ظلالا قاتمة على علاقة المملكة العربية السعودية مع دول العالم الإسلامي على المستوى الرسمي، أما على المستوى الشعبي؛ فقد فقدت المملكة الكثير من بريقها باعتبارها حامية للإسلام ومدافعة عن قضايا المسلمين، بل تحولت إلى نصير للأعداء المتربصين بالأمة الإسلامية لدى الكثير من تلك الشعوب.

فيكفي أن نجد علم المملكة يحرق بجوار العلم الأمريكي والإسرائيلي في كثير من التظاهرات التي عمت العالم الإسلامي في العديد من المناسبات الاحتجاجية باعتبارها داعما أساسيا لسياسة تلكما البلدين اتجاه العالم الإسلامي، ما يعني اتساع الهوة بين جماهير العالم الإسلامي والنظام السعودي، وعدم الرضا الإسلامي على سياسيات المملكة بقيادة الأمير الشاب “ابن سلمان”.