أفادت تقارير مؤخرا بأن السعودية عرضت على الحوثيين منطقة عازلة على طول الحدود السعودية اليمنية مقابل سحب قواتها في البلاد. ويأتي ذلك في الوقت الذي تنتقل فيه الولايات المتحدة إلى حكومة أقل صداقة مع الرياض، فيما يسعى المتمردون الحوثيون إلى الحصول على تنازلات أعمق على الأرض.
ويمثل العرض السعودي انخفاضًا كبيرًا في الأهداف الأصلية للمملكة، فضلاً عن اعتراف ضمني بالوجود السياسي والعسكري للحوثيين في اليمن.
وأدى تراجع الدعم الخارجي لحرب اليمن، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط ووباء “كورونا”، إلى زيادة الضغط على السعودية للانسحاب من اليمن، مما أجبر الرياض على قبول فشل تدخلها العسكري المستمر منذ 5 سنوات والذي كان يستهدف إخراج الحوثيين من العاصمة صنعاء وإعادة الرئيس ” عبدربه منصور هادي” إلى السلطة.
وأثار تدخل المملكة غضب المشرعين الأمريكيين في الكونجرس، الذي صوت عدة مرات لإنهاء دعم الولايات المتحدة للتدخل العسكري في اليمن. وكافحت السعودية مع تراجع الدعم من حلفائها الإقليميين، حيث سحبت الإمارات مؤخرًا قواتها من اليمن.
وبخلاف استعادة السيطرة على مساحات شاسعة من جنوب اليمن، كان تقدم التحالف السعودي محدودًا حيث ظلت خطوط المواجهة الرئيسية بالقرب من تعز ومأرب والحديدة دون تغيير إلى حد كبير لسنوات، مع التطورات الصغيرة التي حققها الحوثيون مؤخرًا والتي أبرزت صعوبة الحفاظ على المنطقة.
وجاء اعتماد السعودية الكبير على الضربات الجوية وعمليات الحصار على حساب الخسائر في صفوف المدنيين وانقطاع إمدادات الغذاء والوقود التي تشتد الحاجة إليها من قبل اليمنيين الذين يعانون من الفقر. وقد صوت الكونجرس الأمريكي في أبريل/نيسان 2019، على إنهاء الدعم العسكري لتدخل الرياض في اليمن، والذي عارضه “ترامب” في النهاية.
ومن المرجح أن تصبح علاقة السعودية بالولايات المتحدة أكثر خصومة بمجرد أن يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” منصبه في يناير/الثاني مما سيزيد من تعرض الرياض للضغوط الأمريكية. فمقارنةً “بترامب”، من غير المرجح أن يعرقل “بايدن” محاولات الكونغرس لإنهاء الدعم الأمريكي للتدخل السعودي في اليمن.
وبعد تنصيبها في 20 يناير/كانون الثاني، قد تقرر إدارة “بايدن” مباشرة خفض مشاركتها في الصراع، مما يترك السعودية بدون الدعم اللوجيستي والاستخباراتي الذي استخدمته في الضربات الجوية والعمليات في اليمن. وقد يدفع ذلك المملكة إلى تنويع علاقاتها بعيدًا عن واشنطن.
وبالفعل، يشعر المسؤولون السعوديون بالقلق بشأن نهج إدارة “بايدن” تجاه إيران وسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد أن هدد “بايدن” بتحويل السعودية إلى دولة “منبوذة” لاغتيالها “جمال خاشقجي” عام 2018.
ويعتبر التعاون الدفاعي والاقتصادي حجر الزاوية في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة. لكن تراجع الحاجة إلى النفط السعودي بسبب انخفاض أسعار الطاقة العالمية وزيادة عمليات التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة ساعد واشنطن على التفكير في تخفيف العلاقة مع المملكة.
وتسعى السعودية إلى إيجاد شركاء دفاعيين واقتصاديين جدد لتعويض التراجع في العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك زيادة العلاقات الدفاعية مع الصين وعلاقة دافئة محتملة مع (إسرائيل) للوصول إلى التقنيات الإسرائيلية.
وإجمالا، فإن هذه التطورات ستؤدي إلى تشجيع الحوثيين على السعي للحصول على تنازلات أكبر من السعودية، بما في ذلك المزيد من السيطرة على الأراضي لامتلاك تأثير أكبر في المفاوضات السياسية مع حكومة “هادي”.
وكلما طال الاستنزاف السعودي في اليمن، زاد احتمال أن يجبر الضغط الأمريكي الرياض على منح الحوثيين التنازلات التي يريدونها. وقد يؤدي تصنيف الولايات المتحدة المحتمل للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية إلى زيادة تعقيد قدرة الرياض على التوصل إلى تسوية سياسية مع الجماعة المتمردة، حيث قد يطالب الحوثيون بإلغاء التصنيف كشرط أساسي للمفاوضات.