لوحت المملكة العربية السعودية، في 22 أغسطس/آب 2022، بإمكانية خفض مجموعة “أوبك بلس” معدلات إنتاج النفط، وسط مخاوف أميركية من تأثر السوق العالمي والمحلي بالقرار.
وبعد نحو أسبوع، وتحديدا في 28 أغسطس/ آب 2022، أبدت كل من واشنطن وطهران على لسان مسؤولين فيها، تفاؤلا واضحا بقرب التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018 وأعاد فرض العقوبات على إيران.
الأحاديث عن قرب عقد اتفاق أميركي إيراني محتمل لإحياء اتفاق البرنامج النووي، يرافقها تنبؤات بإمكانية عودة طهران إلى أسواق الطاقة العالمية، وبدء تصدير النفط إلى الغرب.
تلويح السعودية وإعلان واشنطن وطهران، أثارا تساؤلات فيما إذا كان موقف الرياض يأتي في سياق الاعتراض على إحياء الاتفاق النووي، وأسباب تخوفاتها من ذلك.
توقيت حساس
الموقف السعودي جاء على لسان وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، بالقول إن “لدى تحالف أوبك بلس وسائل في إطار آليات إعلان التعاون، تجعله قادرا على التعامل مع التحديات وإرشاد الأسواق، منها خفض الإنتاج في أيّ وقت”.
ولفت الوزير السعودي خلال مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” الأميركية، إلى “البدء قريبا في العمل على صياغة اتفاق جديد لما بعد عام 2022 الجاري”، وهو ما لاقى دعما من بلدان أخرى أعضاء في “أوبك بلس” وتسبب بارتفاع أسعار النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل.
وأوبك بلس هي مجموعة تقودها السعودية وروسيا، وتضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضوا في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، وجرى تشكيلها في 2016، لخفض أو زيادة الإنتاج لتحسين أسعار النفط في الأسواق.
وربط محللون دواعي توقيت تصريحات المسؤول السعودي بقلق المملكة إزاء التبعات الأمنية والاقتصادية المنتظرة لأي اتفاق أميركي إيراني محتمل لإحياء اتفاق البرنامج النووي الإيراني وهو ما سيسمح لطهران بإعادة ضخ نفطها في الأسواق ومن ثم انخفاض الأسعار.
وكذلك، فإن أي حديث لخفض إنتاج النفط يثير قلق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تسعى لتحقيق انفراجة بشأن الاتفاق النووي من جهة.
والحفاظ على أسعار الوقود في الولايات المتحدة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 من جهة أخرى، وهو ما كان أحد محاور زيارة بايدن إلى السعودية في 15 يوليو/ تموز 2022.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والباحث السويدي من أصل إيراني تريتا بارسي خلال مقال نشره موقع “إن أس إن بي سي” الأميركي في 25 أغسطس، إن “بايدن لم يفشل في خفض أسعار النفط فحسب، بل التزم أيضا بإستراتيجية أمنية مضللة”، بحسب تعبيره.
وأضاف الكاتب أنه “إذا كان هناك أي شك في أن بايدن ما كان ينبغي أن يزور السعودية، فإن تهديدات عملاق النفط بخفض إنتاج النفط بدلًا من زيادته يجب أن تحل هذه القضية مرة واحدة وإلى الأبد”.
وتابع: “في البداية، تجاهله السعوديون بالإعلان عن واحدة من أصغر الزيادات في إنتاج النفط في تاريخ (أوبك بلس) ولزيادة الطين بلة، تهدد السعودية الآن بخفض إنتاجها النفطي بشكل صريح للحفاظ على ارتفاع الأسعار”.
ورأى بارسي أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ربما يسعى إلى تخريب الدبلوماسية حول الاتفاق النووي الإيراني مع دخول المحادثات أكثر مراحلها حساسية حتى الآن.
أو ربما ببساطة يشير إلى أنه حتى لو عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وعاد النفط الإيراني إلى أسواق الطاقة، ولا يزال بإمكان ابن سلمان إيذاء الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عبر رفع أسعار النفط، يستدرك الكاتب.
وأردف: “في كلتا الحالتين، تُظهر خطوة السعودية حماقة زيارة بايدن، إذ كانت الرحلة تهدف إلى تقديم بايدن في أفضل صوره، عملاق السياسة الخارجية الذي تعامل مع العالم كما هو، والذي فهم متى يجب أن تتفوق الضرورات الجيوسياسية على القيم وحقوق الإنسان”.
رسالة سعودية
وفي ما إذا كانت تصريحات الرياض تنطوي على رسائل سياسية، نفى ذلك الخبير الاقتصادي السعودي تركي فدعق، خلال مقابلة مع قناة “بي بي سي” في 29 أغسطس، بالقول إن “تصريحات وزير الطاقة السعودي ليست ردا على اتفاق الولايات المتحدة المزمع مع إيران”.
وأوضح أن “مجموعة أوبك بلس دأبت عند حدوث أي تغيرات تؤثر في العرض أو الطلب على تعديل الإنتاج لما يتماشى مع توقعاتها للأسواق، لذلك هناك اجتماع محدد مسبقا في مطلع سبتمبر/ أيلول 2022 لتحديد سياسات الانتاج المتوقع خلال الفترة المقبلة”.
ومن أجل ذلك يضيف الخبير السعودي، فإنه “في حال دخول النفط الإيراني إلى الأسواق فهذا يعني زيادة في المعروض بما يوازي 2.5 مليون برميل يوميا وهذا يستدعي من أوبك بلس إعادة النظر في سياسة الإنتاج”.
وعن الإصرار السعودي على خفض الإنتاج رغم أن النفط الإيراني يشكل نسبة 5 بالمئة فقط من مجمل إمدادات مجموعة أوبك بلس، قال فدعق إن “التوقعات الاقتصادية لأوبك بلس وصندق النقد الدولي حول المشكلات الاقتصادية لدول العالم تؤكد احتمال حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي في الصين والدول الغربية”.
ولفت إلى أن “هذا الأمر من المتوقع أن يخفض من الطلب على النفط خلال الفترة الزمنية القادمة، لذلك السعودية في هذه السياسة تدافع عن مصالحها الاقتصادية في حال اتخاذ هذا القرار لمجموعة أوبك بلس”.
وأشار إلى أن “القرارات الاقتصادية لها جانب سياسي، وأن السياسي والاقتصادي هما خطان متلازمان من أجل ذلك هذه المجموعة من الدول تحاول أن تدافع عن مصالحها الاقتصادية بشكل واضح”.
من جهتها، رأت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية خلال تقرير لها في 26 أغسطس، أن تحذيرات السعودية بأنها قد تقود أوبك بلس لخفض إنتاج النفط، بمنزلة رسالة لإدارة بايدن، التي تتحضر لتوقيع اتفاقية مع إيران.
ونقلت الصحيفة عن المحللة المتخصصة في النفط هيلما كروفت؛ إنه كان من العدل القول، بداية العام الحالي؛ إن السعودية واللاعبين الآخرين في المنطقة، كانوا وبشكل منطقي واثقين من عدم الاتفاق على صفقة في المستقبل القريب”.
وأضافت “الآن ومع إحياء المفاوضات، أعتقد أنهم يركزون على سوق النفط والتداعيات الأمنية الأوسع للصفقة التي وصلت إلى المرحلة النهائية من الاكتمال”.
أما المستشار السابق في البيت الأبيض ورئيس رابيدان إنرجي غروب بوب ماكنالي؛ فيقول للصحيفة ذاتها إن تصريحات الوزير السعودي “كانت تهدف لضخ استقرار في أسواق النفط الخام بالمستقبل، ومنع خروجها عن السيطرة وسط تراجع في السيولة والغموض الكبير، بما في ذلك الركود والحظر الأوروبي على النفط الروسي”.
ويقول نائب المدير في “أي أتش أس ماركيت” روجر ديوان, إن “احتمال عودة براميل النفط الإيرانية، هي عامل مزعزع للاحتكار السعودي- الروسي، لأوبك بلس، وبخاصة لو ضربت براميل النفط الإيراني السوق مع بداية الشتاء”، حسبما نقلت الصحيفة.
اتفاق وشيك
وعلى ضوء تصريحات الطرفين، فإن إحياء الاتفاق النووي الإيراني بات وشيكا، فقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في 28 أغسطس، أن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المبرم بين طهران والقوى العالمية تمضي بمسار إيجابي، فيما أكد البيت الأبيض أن التوصل لاتفاق بشأن الملف أقرب مما كان عليه الوضع قبل أسبوعين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن المفاوضات النووية تسير ضمن مسار إيجابي، وأن القضايا المتبقية تتعلق برفع العقوبات، وهي قليلة لكنها جوهرية وحساسة ومصيرية.
وأضاف كنعاني أن بلاده ستجيب على الرد الأميركي على مقترح الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي في أول فرصة ممكنة، وذلك بعد انتهاء دراسة الخبراء له، لافتا إلى أن الإعلان عن تفاصيل المفاوضات لا يخدم النتائج المرجوة منها.
من ناحية أخرى، قال منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن الولايات المتحدة أقرب اليوم للتوصل إلى اتفاق مع إيران مما كانت عليه قبل أسبوعين، وذلك بفضل استعداد طهران للتنازل عن قضايا رئيسية.
وأضاف كيربي خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية في 28 أغسطس، أن بلاده تعمل على التوصل إلى اتفاق، ولا تزال هناك بعض الفجوات بين الأطراف.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن بلاده قدمت ردها، وتأمل تحقيق نتيجة إيجابية “لأنه سيصعب حل أي مشكلة في الشرق الأوسط في حال حصول إيران على سلاح نووي”.
وأكد أن “الرئيس الأميركي جو بايدن لا يزال يعتقد أن الدبلوماسية والعودة للاتفاق النووي هما أفضل حل، وسنواصل العمل من أجل ذلك”.
وطالما عارضت السعودية التقارب الأميركي مع إيران، وفي عام 2018 وضعت ثقلها خلف الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي مزق أهم إنجاز في السياسة الخارجية لسلفه الديمقراطي باراك أوباما، وأعلن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وبشكل منفرد، ثم طلبت من باقي الدول الامتناع عن التعاون مع طهران وهددت بفرض عقوبات لكل من يخالف ذلك.