باتت شركات المقاولات تتسابق للظفر بمشاريع توسعة الحرم المكي الشريف التي لا تنتهي، والتي باتت تثير حنق الزائر لبيت الله الحرام، وسط انتقادات واتهامات بأنها تمس قدسية الديار المقدسة وروحانيتها.
ويراقب كثيرون في ذعرٍ واستغراب واستهجان، تدمير مئات من المباني التاريخية والأثرية لإفساح الطريق أمام عمليات توسعة البيت الحرام.
ومؤخراً أعلنت السعودية عن توسعة جديدة للحرم المكي الشريف برقم فلكي يصل إلى 100 مليار دولار.
وأكدت فاتن حسين، مستشارة وزير الحج والعمرة، في بيان، السبت 20 يوليو 2019: إن “المملكة ضخت 100 مليار دولار على مشاريع التوسعة الثالثة في المسجد الحرام والتي تضمنت 5 مشاريع أساسية: مبنى التوسعة الرئيس وشمل تطويراً للمسعى والمطاف، ومشاريع الساحات، والأنفاق، ومحطة الخدمات المركزية، والاستمرار في توسعة الملك عبد الله بن عبد العزيز”.
هذه التوسعة التي رفعت طاقة الحرم الاستيعابية إلى أكثر من مليون و600 ألف مصلٍّ، أثارت جدلاً وانتقاداً كبيراً، لكونها أدت إلى هدم كثير من الآثار الإسلامية، ليحل محلها قصر ملكي ضخم، ومشروع وقف الملك عبد العزيز التاريخي.
لكن سبق أن أجاز المفتي العام للسعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، هدم الآثار بمكة المكرمة لتوسعة الحرمين الشريفين.
وأكد المفتي العام، خلال تعقيب له بعد إحدى محاضراته التي جرت عام 2013 في أثناء التوسعة السابقة، أن “ما هُدم من آثار في الحرمين الشريفين لا مانع منه، بل إنه من الضرورة”، مشيراً إلى أن “توسعة الحرمين عمل شريف، وتُشكر عليه الدولة”.
وأضاف: إن “ما يُظَن أنه آثار ليس له اعتبار، وإزالة هذه الأشياء لتدخل ضمن التوسعة أمر ضروري ولا إشكال فيه”.
المشروع الذي بدأ قبل سنوات عديدة، يهدف إلى توسعة المسجد الحرام، ليتسع لملايين الحجيج المسلمين الذين يفِدون إليه كل عام لأداء فريضة الحج، التي هي ركن من أركان الإسلام.
لكن التوسعة الفلكية الجديدة تهدف وفق وزارة الحج السعودية، إلى رفع الطاقة الاستيعابية لزوار بيت الله الحرام إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030، تماشياً مع أهداف “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود.
رائحة فساد
وتأتي هذه التوسعة امتداداً للتوسعات التاريخية السابقة التي بدأت منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، وأشهرها توسعة الملك خالد للساحات الشرقية، وتوسعة الملك فهد للجانب الغربي من المسجد، وتوسعة الملك عبد الله للمسعى.
لكن هذا الرقم بحد ذاته أثار جدلاً كبيراً وتساؤلاً حول حقيقته، خاصة في ظل غياب أي مصدر مستقل للتحقق من صحته، إلى جانب أن مكة عامرة وصغيرة المساحة نسبياً (1.200 كم²)؛ ومن ثم فإن أي توسعة مهما كان حجمها قد لا تستدعي إنفاق هذا المبلغ الضخم، الذي يوازي ميزانية دولة بأكملها.
وربما يؤدي الفساد دوراً بالإعلان عن هذا المبلغ الضخم، خاصة في ظل وجود سوابق اتُّهم فيها كبار المسؤولين السعوديين أمثال إبراهيم العساف، إذ كانت وكالة “رويترز” قد نقلت في يناير 2018، عن مسؤول سعودي، قوله: إنه “متهم بالتكسب من مشروع توسعة الحرم المكي، واستغلال منصبه لشراء أراضٍ بعد الاطلاع على خطط توسعة الحرم”.
وسبق أن اتُّهم أيضاً عبد الرحمن السديس بالفساد، في يناير 2018، بصفته الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في عدة قضايا شملت توسعة الحرم، والإسراف والتبذير، وعدم الترشيد في الإنفاق.
تدمير الآثار المكية
وعلى الرغم من أهمية مشاريع توسعة الحرم المكي الشريف، الذي بات يتسع لأكثر من مليونين ونصف المليون مُصَلٍّ بدلاً من 1.7 مليون قبل خمس سنوات، فإن تلك المشاريع تعرضت لانتقادات كبيرة من المهتمين بالتراث الإسلامي.
واعتبر المنتقدون أن أعمال التوسعة تشوه تاريخ المدينة الموغل في القدم، بسبب التصميمات المعمارية الإسلامية المزيفة، ولم تراعِ أهمية بعض الأماكن البارزة، التي كانت تعجُّ بها مكة المكرمة، كالبيت الذي وُلد فيه الرسول أو الذي ترعرع فيه.
وتم تدمير الآثار المهمة في مكة المكرمة نتيجة أعمال البناء، فبيت أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد الذي عاش فيه الرسول الكريم، وتلقى الوحي فيه، ووُلدت فيه بناته، حتى هاجر إلى المدينة المنورة، وكان يقع في زقاق الحجر بمكة المكرمة، هُدم مع التوسعات وتحوَّل إلى دورات مياه للوضوء.
أما بيت الصحابي أبي بكر الصديق الذي عاش فيه ووُلدت فيه أم المؤمنين عائشة، فتحوَّل إلى فندق “مكة هيلتُون”، في حين أن مسجد انشقاق القمر الذي شهد معجزة انشقاق القمر تحوَّل إلى مسجد، ولكن تم هدم المسجد مع جزء من جبل أبي قبيس من أجل التوسعة الأخيرة.
كما أن دار الأرقم بن أبي الأرقم التي هي من أهم الآثار العربية في الجاهلية والإسلام، وكانت مركز اجتماع الصحابة مع رسول الله، وفيها أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب، وكان موقعها على يسار جبل الصفا، هُدمت عام 1955 وأُدخلت في توسعة المسجد الحرام بعهد الملك سعود بن عبد العزيز.
ألبير أديب – الخليج أونلاين