بقلم: حسين إبراهيم – كاتب صحفي لبناني
لا يكاد يمرّ يوم إلا وتعلن السعودية عن ضبطية جديدة أو أكثر، لآلاف أو ملايين حبوب الكبتاغون المهرّبة من إحدى الدول المجاورة براً أو بحراً أو جواً. وفي ضوء هذه الكميات، لا يسَع المرء إلا أن يتخيّل أن المملكة هي أحد أكبر أسواق المخدرات في العالم، وتحتضن واحدة من أعلى نسب التعاطي، بين سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة. وهذا بالفعل ما أكّدته الإحصاءات عاماً بعد عام.
كانت السعودية ولا تزال تتعامل مع قضية الانتشار الواسع للمخدرات فيها، على أنها مشكلة مستوردة من الخارج؛ إذ الحق دائماً على الدول التي تأتي منها حبوب الكبتاغون، وهي كانت ولا تزال تستخدمها سياسياً، وإن تغيّر اتجاه هذه الاستخدام.
فبعدما ظلت لسنوات تتّهم «حزب الله» بالوقوف وراء توريد الكبتاغون إليها، إلى درجة منع استيراد الفاكهة والخضَر اللبنانية، لمجرّد ضبط بضع شحنات مخبّأة في برادات برتقال ورمان، رغم أن تلك الضبطيات حصلت على أيدي القوى الأمنية اللبنانية وثبت أنها آتية من خارج لبنان، ها هي تعلن اليوم أن استئناف العلاقات مع دمشق يعود، جزئياً على الأقل، إلى الرغبة في التعاون معها، لمكافحة تهريب الكبتاغون، بعد الإقرار بأن مصانع هذه المادة في البلاد تعمل خارج مناطق سيطرة الدولة.
من حق أي دولة أن تتطلّع إلى وقف تصدير مخدرات إليها من المصدر، لكن إنكار الجانب الداخلي من المشكلة لم يؤدّ إلا إلى زيادتها تعقيداً واتساعاً. والحملة التي تشهدها المملكة حالياً، لمكافحة هذه الآفة، تعكس هذا الحجم الداخلي، وقوة ونفوذ المتورّطين المحليّين في الإتجار وصلاتهم الواسعة داخل أجهزة الدولة.
فالآن، كيفما اتجهت في الرياض والمدن السعودية، تجد لافتات تحذّر من الإدمان، وتدعو المواطنين إلى الإبلاغ عن المروّجين، وتُعْلِمهم بتوفّر خدمة إعادة تأهيل المتعاطين مع ضمان الخصوصية لهم.
ويدفع ذلك، إلى جانب تفعيل العقوبات القاسية، ومنها الإعدام للمهرّبين والتوقيف للمتعاطين، بالمزيد من الأخيرين، إلى اللجوء إلى عيادات التأهيل، ويساهم بالتالي في إظهار حجم المشكلة.
صحيح أن ما يجري في المملكة يشكل «حرباً على المخدرات»، كما وصفتها وكالة الصحافة الفرنسية في تحقيق قبل أيام. لكن الصحيح أيضاً أن تلك الحرب لا تزال قاصرة عن الوصول إلى كبار المتورّطين في الاتجار بالمخدرات، وبعضهم من أبناء الأسرة الحاكمة التي ينوف عدد أفرادها على 15 ألف أمير، وفق آخر الإحصائيات.
وإذا لم ترتق الحملة إلى المسّ بكبار المتورطين في تجارة الحبوب المخدرة، فإن الحدود المترامية للمملكة لا يمكن ضبطها، ولا سيما أن ثمة وسائل متطورة للتهريب عبر الحدود، منها الطائرات المسيّرة، كما حدث قبل أيام حين جرى ضبط إحدى تلك الطائرات بعد عبورها إلى تبوك شمال غرب المملكة.
ورغم العقوبات القاسية، فإن الذين يُعاقَبون في الغالب هم «بسطاء المروّجين» مثل الباكستانيين والهنود والسوريين واليمنيين، ونادراً ما تطاول الأحكام شركاءهم السعوديين، ولا سيما إذا كانوا من المحظيين، علماً أنه في كل عملية ضبط شحنة مخدرات يكون ثمة شريك سعودي أو أكثر، للمتورطين.
وبالقطع، لم يحصل مرة أن اعتقل أحد أفراد الأسرة، فضلاً عن أن يُعدم، في قضية مخدرات، على رغم وجود أمثلة كثيرة على تورط بعض هؤلاء في صفقات ضخمة.
والأرجح أن ولي العهد، محمد بن سلمان، لا يستطيع فتح جبهات أخرى ضد أطراف في الأسرة، تُضاف إلى الجبهات السياسية التي كان قد أطلقها في بداية حكمه ولا تزال مستمرة إلى الآن. وثمّة مثال ما زال بالإمكان الاستناد إليه لتفسير ما يجري، ولو جزئياً، يتناول قضية «أمير الكبتاغون»، عبد المحسن بن وليد آل سعود، الذي اعتقل في بيروت عام 2015 بينما كان يهمّ بالمغادرة إلى بلاده على متن طائرة خاصة تحمل صناديق تحوي طنّين من حبوب الكبتاغون. لو لم يُعتقل الرجل في بيروت، لما كان اعتقل لدى وصوله المملكة.
بل إن سلطات المملكة ضغطت على لبنان للإفراج عنه. ويُظهر ذلك أن المملكة تفعل كل شيء، إلا ما يجب أن تفعله حقيقة في إطار حربها على المخدرات. لكن تورط كبار أفراد الأسرة في تجارة المخدرات ليس جديداً، ففي عام 1999، اتُّهم الأمير نايف بن سلطان بن فواز الشعلان آل سعود، بتهريب طنين من الكوكايين من فنزويلا إلى فرنسا.
ولكنه تمكّن من العودة إلى بلاده ليعيش محميّاً في المملكة، على رغم أن فرنسا اتهمته باستخدام موقعه الديبلوماسي لوضع المخدرات في طائرة تعود إلى الأسرة الحاكمة، وحُكم عليه غيابياً بالسجن عشر سنوات عام 2007.
ولا يقتصر تورّط الأمراء على الاتجار، وإنما ثمة من يتعاطون. إذ أُوقف الأمير يوسف بن سعود، وهو الابن الثاني والأربعون للملك الراحل سعود بن عبد العزيز، في مطار بيروت في كانون الأول 2017، بعد العثور على كمية صغيرة من المخدرات في حوزته، وُصفت بأنها للاستعمال الشخصي، وتم الإفراج عنه بعد تدخل مراجع لبنانية عليا.
ثمة تقاطع بين الخبراء الدوليين على أن السياسات التي اتّبعها ابن سلمان ساهمت في انتشار المخدرات خلال السنوات الماضية. وتُعزى الزيادة بين الشباب إلى القلق والخوف من المجهول الذي يعيشه هؤلاء، بسبب البطالة وصعوبة تأمين متطلبات الحياة مثل الزواج والإسكان، وتأثير توقيف الكثير من رجال الدين السلبي على فاعلية مراكز إرشاد الشباب في المملكة، وكذلك بسبب عدم شرعنة بدائل أقل إيذاءً مثل الخمور.
ففي آخر تقرير له يعود إلى عام 2020، يقدر «المركز الوطني الأميركي للمعلومات البيوتكنولوجية» أن 7 إلى 8 في المئة من مجمل السعوديين تعاطوا نوعاً من المخدرات.
وبذلك، حلّت المملكة الرابعة عالمياً في تعاطي المخدرات في 2020 بعد الولايات المتحدة والمكسيك وتايلاند، بعدما كانت الثالثة في السنة السابقة لها. ولكنها ظلّت على الدوام الأولى في الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث تُوصف في الإعلام الغربي بأنها «عاصمة المخدرات في المنطقة».
ودائماً ما تعلن السعودية عن ضبطيات جرت محاولة تهريبها من جميع الدول المجاورة، من الإمارات إلى الكويت إلى سلطنة عمان إلى اليمن إلى العراق إلى الأردن.
ويؤكد تقرير عن «الهيئة الدولية لمراقبة الممنوعات»، صادر في آذار 2021، أن 45% من كميات الكبتاغون المصادرة حول العالم، بين 2015 و2019، كانت في المملكة.
لكن الحملة الأخيرة انطلقت بعد ضجّة أحدثها قيام سعودي في القطيف بإحراق منزل عائلته بسكب البنزين عليه، في نيسان 2022، خلال إفطار رمضاني، ما أدى إلى مقتل أربعة من أفراد تلك الأسرة. وثبت للسلطات أن الرجل كان تحت تأثير مادة «الشبو»، أو ميثامفيتامين.