على وقع الأزمة التي يشهدها العراق جراء الانسداد السياسي الحاصل وعجز القوى السياسية عن تشكيل الحكومة بعد مضي 10 أشهر على الانتخابات البرلمانية، أجرى زعيم تيار “الحكمة” العراقي عمار الحكيم (شيعي)، زيارة إلى السعودية.
لقاء الحكيم بولي العهد محمد بن سلمان بمدينة جدة في 17 أغسطس/آب 2022، أثار تساؤلات عن طبيعة وأهداف زيارة شخصية بارزة في قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي الموالي لإيران، لا سيما أنها جاءت بعد ساعات من مؤتمر الحوار الوطني ببغداد.
ولم يخرج الحوار الوطني الذي عقد بدعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صاحب العلاقات المتوازنة مع السعودية، سوى بتأكيد الاحتكام للمسارات الدستورية في قضية حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وذلك بحضور جميع القوى السياسية باستثناء التيار الصدري.
طلب الوساطة
وعن لقائه مع محمد بن سلمان بمدينة جدة، أكد الحكيم عبر “تويتر” أنه “تطرق إلى تطورات الساحة العراقية، وأن الحوار بين مختلف الأطراف هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول مرضية للانسداد السياسي الحالي في العراق، وشددنا على أن الحلول لا بد أن تبقى عراقية دون أي ضغوطات خارجية”.
في حين، قالت وكالة الأنباء السعودية في اليوم ذاته، إنه “جرى خلال الاستقبال، استعراض العلاقات السعودية العراقية، وعدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك”.
ولم يتطرق بيان الطرفين إلى ما ورد في تقارير إعلامية محلية عراقية، ألمحت إلى نية لدى الحكيم باقتراح وساطة سعودية على ابن سلمان، للدفع نحو إنهاء الجمود السياسي في العراق.
لكن القيادي في “الإطار التنسيقي” عائد الهلالي، قال في حديث لوكالة “شفق نيوز” العراقية في 18 أغسطس، إن “زيارة الحكيم إلى السعودية، لها علاقة بالأزمة السياسية العراقية الحالية”.
وأكد الهلالي أنه “ربما خلال هذه الزيارة يجري طلب وساطة سعودية لحل الخلاف ما بين الإطار وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، خصوصا أن السعودية لها علاقة جيدة مع التيار الصدري وممكن أن تلعب دور في حل الخلافات وتقريب وجهات النظر”.
ورأى أن “السعودية، اليوم، تختلف عما كانت عليه سابقا، ولهذا يمكن أن يكون لها دور إيجابي في حل الأزمة السياسية في العراق، وتكون ضامنا لتنفيذ أي اتفاق سياسي ما بين الصدر وقوى الإطار، والأيام القليلة المقبلة، ستكشف نتائج الزيارة من خلال تطورات المشهد العراقي”.
وعلق مدير مكتب عمار الحكيم عضو المكتب السياسي لتيار “الحكمة” صفاء الكناني على الزيارة، قائلا: “مرة أخرى تثبت عمامة الاعتدال والوسطية أن الأوزان لا تقاس بالأرقام، وإنما بالمواقف والإرث الإنساني والديني والسياسي الكبير”.
وأضاف الكناني في تغريدة عبر “تويتر” في 18 أغسطس، أن “زيارة عمار الحكيم للسعودية تأتي في إطار تبادل وجهات النظر حول تطورات الأحداث ولعكس صورة واقعية عنها، قد لا تنقلها وسائل الإعلام بالشكل الصحيح”.
وأكد الكناني أنه من يفهم في “البروتوكولات يعي جيدا أن زيارة كهذه يحضر لها منذ مدة طويلة قبل الشروع بها، وقد تأتي مصاحبة لأحداث معينة ولكن تبقى الزيارة أصلا والأحداث عارض عليها”.
رسالة “الإطار”
من جهته، توقع الباحث في الشأن السياسي العراقي محمود الحامد لـ”الاستقلال” أن “تتدخل السعودية كطرف وسيط في الأزمة العراقية الحالية لكن لإبعاد الولائيين (الموالين لإيران) عن السلطة في العراق، وذلك من مصلحتها”.
وأوضح أن “السعودية تدفع بقوة لإثبات وجودها في العراق وإعادته الى الحاضنة الخليجية والعربية وإبعاده عن إيران، وعلى وجه التحديد محور الإمارات السعودية، الذي عمل مؤخرا على توسيع حلفائه بالمنطقة بعد تصفير مشكلاته مع قطر وتركيا، لترتيب خارطة جديدة للمنطقة”.
وأكد الحامد أن “عدم مهاجمة الإطاريين من حلفاء إيران لزيارة الحكيم إلى السعودية، دليل على وجود اتفاق داخل الإطار التنسيقي على الطلب من الرياض للتوسط في الأزمة التي يعيشونها مع الصدر”.
وتوقع الباحث أن “يبقى الوضع على ما هو عليه في العراق، ولن يكون هناك جديد بعدما أغلق الصدر باب الحوار في أكثر من تغريدة وإصراره على إقصاء الثالوث المشؤوم داخل الإطار التنسيقي، وبذلك يستمر المشهد في التعقيد ذاته والإرباك”.
ولفت إلى أن “قوى الإطار تريد أن توصل رسالة أيضا عبر زيارة الحكيم، أنها ليس لديها مشكلة في التعامل مع المحيط العربي والخليجي للعراق في حال شكلت الحكومة المقبلة، وذلك بعد مواقف متشنجة واتهامات أطلقها بعض أطراف الإطار ضد السعودية وغيرها من الدول”.
في 16 أغسطس 2022، هاجم زعيم التيار الصدري من أسماهم “الثالوث المشؤوم” داخل الإطار التنسيقي ودعا إلى كبح جماحهم لأنهم يسعون إلى إشعال حرب أهلية.
فيما كشف مدير مكتب الصدر إبراهيم الجابري بأنهم “نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي قائد مليشيا عصائب أهل الحق، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة”.
ووجه صالح محمد العراقي ما يُعرف بـ”وزير القائد” المقرب من مقتدى الصدر، خلال بيان في 18 أغسطس، انتقادات لاذعة لزيارة الحكيم إلى السعودية.
وأشار العراقي إلى أنه “من الملفت للنظر أن أحدهم توجّه الى (السعودية الشقيقة) بعد انتهاء جلسة الحوار ببضع ساعات، ولو كنّا نحن الفاعلون لقالوا إن جلسة الحوار كانت بضغط من الخارج وإشعار من التطبيعيين والأميركيين وما شاكل ذلك”.
“تريث سعودي”
وبخصوص مدى تدخل السعودية لحل الأزمة بالعراق، قال الباحث والمحلل السياسي مبارك آل عاتي إن “الزيارة جاءت بطلب من عمار الحكيم الذي أدرك بالفعل أن السعودية حريصة وتسعى إلى نسج علاقات متساوية مع جميع الأطراف العراقية من دون تمييز مذهبي وعرقي”.
وأضاف آل عاتي خلال مقابلة تلفزيونية في 20 أغسطس، أن “توقيت الزيارة يأتي بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني العراقي، وأن الحكيم أحد الأطراف الخمسة في الإطار التنسيقي.
وتابع: “لذلك تدرك جميع الأطراف العراقية أن السعودية يمكن أن تقوم بدور إيجابي مع كل الأطراف متى ما خلصت النوايا وآمن كل الأشقاء العراقيين بالدولة المدنية العراقية التي تؤوي الجميع دون تمييز”.
وأعرب الباحث السعودي عن اعتقاده بأن “السعودية لا تريد التدخل في الشأن العراقي الداخلي، وأن هناك تريثا سعوديا في التدخل وإن كان إيجابيا، لأن هناك أطرافا عراقية قوية تحمل السلاح ولا تريد أن تعترف بالدولة الوطنية العراقية، ولا تتعامل مع رئيس الوزراء العراقي، ولا تؤمن بعروبة العراق، ولا تزال هناك ولاءات طائفية وإقليمية، وتحديدا للنظام الإيراني”.
وأشار إلى أن “الوضع العراقي لا يسمح حاليا بأي تدخل إيجابي، لأن هناك حالة احتقان من بعض الأطراف العراقية تجاه السعودية وانفتاح العراق على محيطه العربي، لذلك لا تزال العملية تحتاج إلى مزيد من التعافي وصحوة عدد من الأطراف العراقية، حتى تسمح دولة مثل السعودية بأن تغامر بقوتها وسمعتها للتدخل في الشأن العراقي”.
وتوقع آل عاتي أن “يشهد الأسبوع المقبل زيارة عدد من الأحزاب العراقية الفاعلة إلى السعودية، وربما نشهد هناك انفراجا في الأزمة بسبب انفتاح بعض التيارات العراقية على بعضها البعض”.
ولفت إلى أن “الإطار التنسيقي لا يزال متصلبا في موقفه تجاه الانفتاح على الأصوات الوطنية العراقية، ولايزال هناك تشكيك، وانفتاح هذه الأحزاب على محيطها العربي والخليجي، لكن هناك إيمانا متناميا لدى العراقيين بأن السعودية تتمسك بالإيجابية تجاه الداخل العراقي عبر عدم الزج بنفسها في ظل هذه الأجواء الملتهبة، لذلك تركز السعودية في تعاملها مع الدولة الوطنية العراقية”.
ويعيش العراق شللا سياسيا تاما منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. ولم تفض مفاوضات لا متناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة.
وبدأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (شيعي) بممارسة الضغط الشعبي على خصومه في الإطار التنسيقي الموالي لإيران وترك لهم مهمة تأليف الحكومة بعدما استقال نوابه الـ73 في يونيو/ حزيران 2022 من البرلمان، رغم أنهم كانوا يشغلون أكبر كتلة به.
وأظهر الصدر الذي يملك قاعدة شعبية واسعة أنه لا يزال قادرا على تحريك الجماهير لأهدافه السياسية، بعدما اقتحم مناصروه البرلمان مرتين خلال أقل من أسبوع، وباشروا داخله اعتصاما مفتوحا، رفضا لترشيح محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي لتولي رئاسة الحكومة.