عبد العزيز الشهراني
خاص: لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا إلا صورة من مشهد كبير؛ هذا المشهد عنوانه: الصراع بين أمريكا المهيمنة على العالم ومعها الغرب وبين روسيا الباحثة عن مكانة في نظام دولي جديد.
روسيا بوتين لا زالت تحفظ ذاكرتها مشاهد الإذلال التي قام بها الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وكيف فتّتَ البلد، وكيف استولت الشركات الغربية على المصانع والبُنى التحتية وطحنت الناس طحناً.
وروسيا بوتين ترى أن القيم الغربية هي طلائع الغزو والمنطقة الرخوة التي ينفذ الغرب من خلالها.
ولذا حينما بدأ بوتين مشروع استعادة روسيا العظيمة القيصرية؛ خادع الغرب وداهنه لأن البلد ضعيف ومدمر، وفي نفس الوقت أزاح الموالين للغرب كالرئيس يلتسن وحلفائه، وتحالف مع الكنيسة، وبدأ مشروعه جنبًا إلى جنب مع الدين، ودعا إلى الحفاظ على الهوية في مقابل القيم الشمولية الليبرالية كالشذوذ والتبعية المطلقة للغرب، لأن المبادئ هي خط الدفاع الأول في مقابل القيم الغربية الشمولية التي تُعد طلائع الغزو.
وبالفعل نجح بوتين في مخادعة الغرب لفترة من الزمن، واعتبر الغربُ أن روسيا لا تشكل خطرًا عليهم، وحاولت أمريكا توظيف روسيا، وأُعطي بوتين مثلاً مهمة تعويم بشار ودولة الأقلية النصيرية.
لكن الذي حصل أن روسيا كانت تقوى شيئا فشيئا، وكانت تبحث عن مصالحها في كل منطقة يُدخلها إليها الغرب، واستثمرت روسيا انشغال أمريكا بمحاربة الإرهاب ثم الفوضى التي أحدثها ترامب في الداخل الأمريكي والفراغات التي تركها في العلاقات الدولية الخارجية.
كما استثمرت الضعف الفرنسي وانشغالهم بقضايا ليست قضايا دولة كبرى.
وأصبحت روسيا -التي كان يراها الغرب ضعيفة وتابعة- قوية وموجودة اليوم ولخدمة مصالحها في سوريا والسودان وليبيا ومالي وغيرها من المناطق التي قام الغرب بنفسه بإدخال الروس فيها.
لكن القميص ضاق على روسيا، وأدرك الغرب خطأه الاستراتيجي، فبدأ الصراع من جديد، وأوكرانيا في هذه اللحظة هي مشهد الصراع.