بينما تواصل المملكة العربية السعودية تنفيذ خطة لزيادة وتيرة توطين عديد القطاعات الاقتصادية، بهدف خفض نسبة البطالة في صفوف السعوديين، أفادت الإحصاءات الرسمية الأخيرة بزيادة في تلك النسبة، وسط حالة من عدم اليقين تحوم حول آفاق أسعار النفط في الفترة المقبلة.

فبعدما أعلنت المملكة خفضا طوعيا ثانيا لإنتاج النفط، وتحملت العبء الأكبر في تخفيضات الإنتاج الخاصة بتكتل “أوبك+”، جاء تذبذب الأسعار بين صعود وهبوط ليلقي بظلال من الشكوك على مستقبل معدل البطالة في المملكة، خاصة أن الحكومة تستهدف، في رؤيتها المستقبلية 2030، خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 7% بنهاية البرنامج الإصلاحي.

وبموجب تعهد السعودية بالخفض الطوعي، من المقرر أن يبلغ إنتاج المملكة من النفط في شهر أغسطس/آب 2023، ما يقارب 9 ملايين برميل يوميًا، حسب بيانات رسمية.

وبين توقعات متشائمة بشأن مستقبل أسعار النفط، أعلنت أرامكو السعودية، الأسعار الرسمية لبيع شحنات الخام العربي الخفيف خلال شهر أغسطس/آب المقبل (2023)، إلى عملائها في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، بزيادة 20 سنتًا أميركيًا إلى 3.2 دولارات للبرميل فوق متوسط أسعار سلطنة عمان/دبي، وفق وثيقة التسعير، وجاء القرار السعودي برفع الأسعار مخالفا لتوقعات عديد المحللين، في ظل استمرار أسعار النفط للتداول في نطاق يتراوح بين 70 و75 دولارًا للبرميل خلال الفترة الأخيرة.

تراجع طبيعي

ويشير الخبير الاقتصادي، سليمان العساف، إلى أن معرفة أسباب ارتفاع معدل البطالة في السعودية من 8 إلى 8.5% يستدعي العودة إلى فترة جائحة كورونا، التي بلغت فيها نسبة البطالة 11.5%، مشيرا إلى أن ثورة الاستثمار في السنتين الماضيتين أسفرت عن تسارع انخفاض البطالة بشكل كبير حتى وصلت إلى 8%.

ويوضح العساف أن الانخفاض الكبير في نسبة البطالة مرتبط بفتح باب التوظيف الكثيف بعد الجائحة وإنهاء عمليات الإغلاق المتسرعة لكثير من المنشآت الاقتصادية.

لكن بعد زوال الجائحة وعودة حركة الاقتصاد وإعادة النظر بهيكلة بعض القطاعات الخاصة، كان من الطبيعي عودة نسبة البطالة إلى الارتفاع قليلا، بحسب العساف، مشيرا إلى أن مؤشر الارتفاع البسيط هذا أمر طبيعي، ومرشح للعودة إلى الانخفاض قريبا.

فعودة معدلات التوظيف إلى نسبها الطبيعية، ومراجعة بعض القطاعات لعمالة بعض المنشآت، وإعادة إغلاق وفتح لبعض القطاعات الأخرى، كلها عوامل أدت إلى عودة مؤشر البطالة إلى بعض الارتفاع، لكنه ارتفاع مرحلي وغير مرشح للاستمرار، بحسب العساف.

 

تأثير النفط

أما الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، فيرى أن نسبة البطالة في السعودية، حتى بعد ارتفاعها تظل قليلة مقارنة بفترة جائحة كورونا، من جانب، وبنسبة العام الماضي، مشيرا إلى ارتباط الارتفاع النسبي للبطالة بالمملكة في الربع الثاني من العام الجاري بتأثير تخفيض الإنتاج في بعض القطاعات على النشاط الاقتصادي.

ويلفت الشوبكي إلى تأثير تخفيض إنتاج النفط في السعودية طوعيا بمقدار مليوني برميل تقريبا، ليبلغ إنتاج المملكة 9 ملايين برميل من النفط فقط، ما كان له تأثيره على الإيرادات، وبالتالي على فرص التوظيف، خاصة أن السعودية مازالت تعتمد بنسبة كبيرة على إنتاج النفط في ناتجها المحلي الإجمالي.

ويعزز هذا التأثير أن نصف التخفيضات في إنتاج تحالف منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+) تتحملها السعودية وحدها، بحسب الشوبكي.

وفي هذا الإطار ارتفعت نسبة البطالة في السعودية من 8% في الربع الأول من العام الجاري إلى 8.5% في الربع الثاني، وتشير التوقعات إلى انخفاض نسبة النمو الاقتصادي بالمملكة من 8% العام الماضي إلى 3% فقط العام الجاري، بحسب الشوبكي، لافتا إلى أن التقديرات المتفائلة، ومنها تقدير البنك الدولي، تشير إلى نسبة نمو لا تتعدى الـ5%.

ويعني ذلك أن اقتصاد السعودية في المجمل يتجه نحو تراجع نسبي في النمو وفي الناتج المحلي الإجمالي، ومعالجة ذلك تقتضي تسريع التحول نحو الاقتصاد غير النفطي، وفق رؤية السعودية 2030، حسبما يرى الشوبكي.

 

ارتفاع البطالة

كانت الهيئة العامة للإحصاء السعودية قد أعلنت، بنهاية يونيو/حزيران الماضي، أن ارتفاع نسبة البطالة في المملكة إلى 8.5% في الربع الأول من 2023 مقارنة مع 8% في الربع الأخير من 2022، جاء موازيا لارتفاع معدل البطالة الإجمالي في المملكة، والذي يشمل السعوديين وغير السعوديين، إلى 5.1% في الربع الأول من العام الحالي، مقابل 4.8% في الربع الأخير 2022.

وحسب الهيئة فقد ارتفع معدل البطالة بين الذكور بنسبة 4.6%، بينما تصاعدت المعدلات بين الإناث بنسبة 16.1%. وحسب البيانات فقد انخفض معدل مشاركة السعوديين في القوى العاملة بمقدار 0.1%، حيث بلغ 52.45%.