بجوار قصر اليمامة، حيث المقر الرسمي للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وديوانه الملكي، يقع فندق الريتز كارلتون الفاخر، في العاصمة الرياض، إذ تحول إلى مقر مهم يمثل رمزية لسطوة وسلطان ولي العهد محمد بن سلمان.

في ردهة الفندق الفاخرة ذات الأرضية الرخامية، نصبت شجرة زيتون لبنانية عمرها 600 عام، وبجوارها تماثيل أحصنة نحاسية رائعة في بهو الفندق، محاطة بحدائق غناء وبحيرات صناعية، وأشجار نخيل متمايلة ذات مناظر طبيعية تضفي على المشهد رونقا وجمالات.

وفي السنوات الأخيرة أصبح الفندق معلما سياحيا بحد ذاته، يجتذب كبار الزائرين الذين يتعجبون من فخامته، حتى إنه صار ملتقى الزعماء والسياسيين والاقتصاديين، ومحط رحال كبرى الشركات الاستثمارية والأمنية.

لا شك أن فرع الفندق في الرياض، المملوك لشركة ماريوت الأميركية، التي تمتلك 108 منتجعات أخرى هو الأشهر على الإطلاق، لارتباطه بسلسلة أحداث سياسية بارزة، أهمها أن ولي العهد السعودي، حوله لأيام إلى سجن لأمراء العائلة الحاكمة.

والآن يستخدمه في أعمال أخرى منها كدار ضيافة  لكبار الزوار، وكمركز لاتخاذ قرارات استثمارية أو سياسية، تحت مظلة ابن سلمان.

 

رمز ابن سلمان

في 24 مارس/ آذار 2023، نشرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المختصة بالشأن الاستخباراتي، أن فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، ذلك السجن الفخم الذي تحول لنقطة جذب لنخب الأعمال المزدهرة، أصبح رمزا لعمليات ولي العهد السعودي.

وقالت: “يحظي الفندق باهتمام الحكومة السعودية في إطار جهودها لجذب المستثمرين الأجانب، من خلال الأنشطة التي يأمل محمد بن سلمان أن تصبح بارزة عالميا”.

وأتبعت: “فقد اختاره مثلا المستشار الفرنسي المغربي ريتشارد أتياس لاستضافة مبادرة مستقبل الاستثمار”.

وأوردت: “أنه في نسختها الأولى التي نظمت في أكتوبر/تشرين الأول 2017 (أي قبل أيام قليلة من حملة ابن سلمان على الأمراء)، كان من بين الحاضرين رئيسة البنك الأوروبي كريستين لاغارد، ووزير الخزانة الأميركي (آنذاك) ستيفن منوشين، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة (بلاك روك) لإدارة الاستثمارات لاري فينك”.

وعقبت المجلة الفرنسية: “على الرغم من أنه قد لا يكون لديهم سوى القليل من الوقت للسباحة في المسبح الداخلي الواسع، فقد استعد المديرون التنفيذيون للشركات الاستشارية الكبيرة التي نمت عقودها بشكل كبير في ظل محمد بن سلمان، والذين كانوا من بين الحاضرين، لقضاء أوقات ممتعة في ظل الرفاهية التي يقدمها الفندق”.

وذكرت: “على سبيل المثال، وجود موظفي شركة Bain & Company في ردهة الفندق ذات الأرضية الرخامية، وعقدوا اجتماعات في الفناء الداخلي الفخم”.

 

مكمن الشركات

وأوضحت “إنتليجنس أونلاين” أن فندق “ريتز كارلتون” حاضر بقوة ضمن إستراتيجية محمد بن سلمان للمملكة الموضوعة تحت شعار “رؤية 2030″.

وقالت: يتنقل العديد من المستثمرين والاقتصاديين والمخططين، بانتظام ذهابا وإيابا إلى الرياض، ويقيمون في الفندق، حيث يلتقي بهم ولي العهد، أو مستشاروه المعنيون”.

وأشارت إلى أن كثيرا من موظفي شركة “باين آند كومباني” الأميركية الرائدة في مجال الاستشارات الإدارية العالمية، ومقرها دبي، قاموا بالترحال إلى الرياض لتقديم المشورة وخدمات أخرى لشركة الاتصالات السعودية (STC).

خاصة أن الشركة السعودية تستعين بأفراد (باين آند كومباني) لمساعدتها إدارة مشروع تطوير الاتصالات الدفاعية ذات المهام الحساسة، وجميع الإقامات واللقاءات كانت في مقر “ريتز كارلتون”.

وكذلك يوجد في الفندق بانتظام موظفو شركة PWC أو (برايس ووتر هاوس كوبرز)، وهي ثاني أكبر شركة خدمات مهنية في العالم، وتعد واحدة من مراجعي الحسابات الأربع الكبرى، ومقرها الرئيس في لندن.

كما يقيم في “ريتز كارلتون” بشكل شبه دائم ممثلين من شركة (ستراتيجي) العالمية للاستشارات الإستراتيجية، والتي تقدم المشورة للحكومة السعودية حول مشروع مترو الرياض.

وكذلك يقيم المسؤولون التنفيذيون في مجموعة “Boston” الاستشارية الأميركية، في الفندق كلما وفدوا إلى الرياض.

خاصة أن المجموعة التي يقودها من دبي مديرها في الشرق الأوسط يورغ هيلدبراندت هي التي ساعدت محمد بن سلمان في إعداد رؤية 2030، وكذلك في وضع إستراتيجية المشتريات العسكرية بوزارة الدفاع.

وجميعهم لهم وضعية مميزة في “ريتز كارلتون” ويستفيدون من الأسعار التفضيلية في مقهى “Chorisia Lounge”، أحد مقاهي الفندق السبعة، بحسب ما ذكرت “إنتيليجنس أونلاين”.

 

قصر للرؤساء

وبعد الهالة التي أعقبتها حملة الاعتقالات، ارتفعت أسعار الغرف في “ريتز كارلتون” بالرياض، على نحو غير مسبوق، مما دفع العديد من الضيوف البارزين للبحث عن نزل آخر.

إذ يبلغ سعر الغرفة الفردية 1200 دولار في الليلة، فيما قد يبلغ سعر الجناح الملكي ما بين 8 إلى 12 ألف دولار، كالغرفة الملكية الموجودة في الطابق السادس والتي حولت قسرا في نوفمبر 2017 إلى “سجن” للأمير الوليد بن طلال.

تبدو هذه الأسعار باهظة بالنسبة للكثيرين، حتى الوزراء، فمثلا لم يتمكن وزير التجارة الفرنسي السابق فرانك ريستر من الإقامة في الفندق خلال رحلته إلى الرياض في أبريل/نيسان 2021.

وعلى هذا النحو، أصبح الفندق المملوك لشركة ماريوت الدولية، المشغلة للفنادق الأميركية، حكرا على رؤساء الدول.

وأقام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في “ريتز كارلتون” في مايو/أيار 2017، وهو أول فندق يمكث فيه خارج الولايات المتحدة بعد انتخابه رئيسا، وذلك على هامش أول رحلة رسمية له إلى السعودية.

كما ذهب محمد بن سلمان إلى فندق الريتز شخصيا للقاء الرئيس النيجيري محمد بخاري في جناحه الرئاسي خلال زيارته للمملكة في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

 

سجن الأمراء

ومع ذلك سيظل العام 2017 هو نقطة التحول الرئيسة للفندق، بعد أن تحول بأمر من ابن سلمان إلى سجن فخم للأمراء وكبار رجال الأعمال السعوديين في الحملة الشرسة التي حدثت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني.

وقتها جرى القبض على ما يقرب من 400 من أقوى الشخصيات في المملكة بينهم أمراء ورجال أعمال كبار ووزراء، واحتجزوا جميعا في فندق ريتز كارلتون.

وهو الحدث الذي أصبح يوصف بأنه أكبر عملية تطهير وأكثرها إثارة للجدل في تاريخ البلاد الحديث.

وكان من أبرز المعتقلين على يد الشرطة وقوات وزارة الداخلية، الأمير متعب بن عبد الله (نجل الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز)، ورجل الأعمال الشهير الأمير الوليد بن طلال، والأميرين تركي بن عبد الله، وتركي بن ناصر.

ومن الشخصيات المهمة بكر بن لادن، رئيس مجموعة بن لادن التي تعد واحدة من أكبر شركات المقاولات في العالم العربي.

كما اعتقل رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، ورئيس مجموعة إم بي سي السعودية الوليد الإبراهيم.

وفي 19 نوفمبر 2020 نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، تقريرا حصريا عن ما حدث في تلك الليلة وما فعلته عناصر الأمن بالمعتقلين.

وقالت: “المعتقلون كانوا معصوبي الأعين، وتعرضوا للضرب والإهانة والترهيب من قبل ضباط الأمن تحت إشراف وزيرين (يرجح أن أحدهما وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود) وكلاهما من المقربين من الرجل الذي أمر بالحملة القمعية، وهو ولي العهد محمد بن سلمان.”

وبحسب الغارديان: “وصف معتقلون سابقون، وكثير منهم جردوا من ثرواتهم، مشاهد التعذيب والإكراه، وقالوا إن مستشاري الديوان الملكي وكبار الضباط كانوا يقودون محاولات فوضوية لفهم الاستثمارات وراء ثروة العائلات الأكثر نفوذا في المملكة، ثم جرى الاستيلاء على ما يمكن أن يجدوه”.

والآن رغم عودة سمعته كفندق ملكي، فإنه لم ينجح تماما في التخلص من الأجواء المضطربة التي سادت فيه منذ عملية سجن الأمراء، لكنه على وجه آخر أصبح مؤثرا في السياسة والاقتصاد السعودي، كمقر لكثير من البعثات والأفراد البارزين.