سيناريو تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل انطلق بتكليف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمستشاره السابق سعود القحطاني، بإعطاء أوامر للإعلام السعودي بتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي، آخذا بذلك بنصيحة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وهو المخطط الذي سار عليه الإعلام السعودي في ظل موجة اتبعها الإعلام الخليجي برمته، وبدأ بالمناداة بالتطبيع العلني مع تل أبيب، إلى أن وصل الأمر لإعلان وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي استقبالها لصحفيين عراقيين وسعوديين، بالرغم من أن البلدين لا يقيمان علاقات رسمية معلنة مع إسرائيل.
وزارة الاحتلال الإسرائيلي، أوضحت أنها تستضيف الوفد المكون من 6 صحفيين عرب خلال الأسبوع الحالي، مشيرة إلى أنه سيزور مركز تخليد ذكرى “الهولوكوست” (ياد فاشيم)، والكنيست (البرلمان)، والأماكن المقدسة في القدس المحتلة، وسيعقد لقاءات مع أعضاء في “الكنيست” ومسؤولين في الخارجية، إضافة إلى أكاديميين إسرائيليين.
تلك الواقعة تتناغم كليا مع سياسات التطبيع المنادي بها الأمير “بن سلمان” والتي زادت وتيرتها منذ أن أصبح وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017.
غضب فلسطيني
إلا أن الفلسطينيين لم يرضخوا لمحاولات التطبيع، وعبروا عن غضبهم من زيارة الصحفيين السعوديين لإسرائيل، وعمدوا إلى ملاحقة أحدهم أثناء وجوده في البلدة القديمة في القدس، وطردوه من أزقتها.
وقال الناشطون، إن الرجل الذي يظهر في مقاطع الفيديو هو الناشط السعودي محمد سعود ضمن الفريق الصحفي الموجود هناك الآن، خلال زيارته للقدس المحتلة.
تصعيد إسرائيلي
وبالتزامن مع زيارة الصحفيين لإسرائيل، واصلت قوات الأمن التابعة للاحتلال جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وهدمت فجر الاثنين 22 يوليو/تموز الجاري، 6 بنايات ومنزلا تابعين للفلسطينيين في حي وادي الحمص بقرية صور باهر جنوبي القدس، بمحاذاة السياج العسكري على مشارف المدينة.
وذلك وسط احتجاجات فلسطينية وانتقادات دولية، اقتحمت القوات الإسرائيلية بأعداد كبيرة حي وادي الحمص لتنفيذ قرارات هدم منشآت سكنية بحجة “قربها من الجدار الأمني في المنطقة”، حيث تمركزت جرافات يرافقها مئات من عناصر الجيش والشرطة الإسرائيليين.
انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين، طالت الصحفيين أيضا، فقد أكدت وزارة الإعلام في غزة، في تقرير لها في الأسبوع الأول من يوليو/تموز الجاري، أن الاحتلال لا يزال يُمارس سياسة تكميم الأفواه بحق الصحفيين والإعلاميين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقييد حرية العمل الصحفي، حيث رصد المكتب 298 انتهاكا من قوات الاحتلال بحق الإعلاميين خلال الستة شهور الماضية منذ بداية العام الحالي 2019.
وأشار التقرير أيضا إلى أن قوات الاحتلال، تدهم منازل الصحفيين وتصادر أداوتهم، وتمنعهم من السفر، ما جعل الصحفيين الميدانيين والمصورون في مقدمتهم، يدفعون أثمانا باهظة؛ للتمكن من الاستمرار في القيام بأعمالهم المهنية ونقل الحقيقة.
وأوضح، أن الاحتلال استهدف وقنص الصحفيين بشكل متعمد على الرغم من ارتداء غالبيتهم الدرع الصحفي، وموضوع عليه شارة صحافة، (press) ما يبرر أن الاحتلال يهدف من وراء الاستهداف إلى طمس الحقيقة وحجبها، وعدم نقل الواقع الذي يخشاه للعالم”.
ووثّق التقرير منذ بداية عام 2019 أكثر من (92) حالة اعتداء وإصابة في الضفة الغربية وقطاع غزة بينهم صحفي أجنبي، جراء إطلاق نار على الصحفيين، واستهدافهم بشكل مباشر بالرصاص الحي أو المغلف بالمطاط، أو بالضرب والإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة والإصابة بالاختناق، جراء استنشاق الغاز السام وغاز الفلفل.
إدانات صحفية
بدوره، أدان الاتحاد العام للصحفيين العرب الزيارة، مؤكدا أنها تتنافي وتتعارض مع النظام الأساسي للاتحاد العام للصحفيين العرب الذى يدعو إلى تعبئة الرأي العام العربي ضد كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني تأكيدا لاستمرار الصراع العربي الصهيوني حتي يتم تحرير كل التراب العربي المحتل.
وحذر الاتحاد العام للصحفيين العرب، أعضائه كافة من الوقوع فريسة لمخططات العدو الصهيوني التي تهدف إلى تطبيع العلاقات معها، الأمر الذى يؤثر على حقوق الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية.
وأكد أنه سيقوم باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد أي صحفي عربي ينصاع للمخطط الإسرائيلي الذى يتعارض مع محاربة التطبيع.
وهو الأمر ذاته الذي تعهدت به نقابة الصحفيين العراقيين، مؤكدة أنها “ستتخذ إجراءات وعقوبات رادعة بحق أي صحفي عراقي تثبت زيارته لإسرائيل الآن ومستقبلا بما فيها عقوبة ترقين قيده وفصله من عضوية النقابة”.
واستنكرت النقابة العراقية، تلك الزيارة التي تتقاطع مع توجهات النقابة ونهجها الوطني الرافض لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني ومواقفه العدائية تجاه الدول العربية وشعوبها واغتصابه لأرض فلسطين والانتهاكات الصارخة وممارسة القتل والتشريد التي يتعرض لها شعب فلسطين العربي على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي.
مخطط بن زايد
أما الجهات السعودية المعنية بالأمر، فالتزمت الصمت وعمدت إلى التجاهل، ولم تصدر الخارجية السعودية تكذيبا لخارجية إسرائيل أو تبرؤا من الصحفيين، كما لم تخرج أي إدانات من الجهات المعنية بالصحفيين السعوديين باتخاذ عقوبات ضدهم أو غيرها، في تناغم واضح مع السياسة التي تتبعها المملكة تجاه إسرائيل من بروز اسم بن سلمان.
سياسة “بن سلمان” تجاه إسرائيل تؤكد التزامه بالخطة السرية الإماراتية التي قدمها له الأمير محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات، حين كان الأمير السعودي وليا لولي العهد لكي يصير ملكا للسعودية، بحسب ما كشفته صحيفة “ميدل إيست أي” البريطانية.
الصحيفة البريطانية، أوضحت في يونيو/حزيران 2016 أن “بن زايد” نصح “بن سلمان” بضرورة “فتح قناة اتصال” مع إسرائيل إذا ما أراد أن يكون المرشح المفضل لأمريكا في الجلوس على عرش المملكة، مشيرة إلى أن “بن سلمان” يظهر حرصا كبيرا على الفوز بدعم واشنطن.
تنفيذ “بن سلمان”
الأمير السعودي، تفانى في تنفيذ المخطط وعمل على تعزيز العلاقات السعودية مع إسرائيل وتنشيطها وأعطى الأوامر لمستشاريه للتمهيد للتطبيع، بحسب ما كشفته “قناة 13 الإخبارية” الإسرائيلية التي بثت في فبراير/شباط الماضي، حلقة من برنامج “التحقيقات” بعنوان “أسرار الخليج” خصصتها للحديث عن العلاقات مع الرياض.
وقالت القناة، إن العلاقات بين السعودية وإسرائيل دخلت في مأزق انتهى بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي سلمان الحكم، وتعاظم قوة ولي العهد (بن سلمان).
فيما قال مؤسس مركز “التراث الصهيوني” مايك إيفينس -في خطاب أمام مؤتمر صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية في مدينة نيويورك في يونيو/حزيران الماضي، إن ولي العهد السعودي وولي عهد أبو ظبي، أكثر دعما لإسرائيل من كثير من اليهود.
“إيفينس” قال، إنه التقى ولي العهد السعودي وسأله: “ما رأيك باليهود والمسيحيين؟ فأجاب “بن سلمان”: أحب الاثنين، ليسأله إيفينس لماذا؟، فقال: أمي كانت يهودية، فأبدى مؤسس مركز التراث الصهيوني استغرابه، وقال لولي العهد السعودي ما الذي تتحدث عنه؟
فقال “بن سلمان” بحسب رواية “إيفينس”: “مدبرة المنزل التي ربتني كانت يهودية إثيوبية”.
وأشاد مؤسس مركز التراث الصهيوني بأفكار “بن سلمان” ورؤيته تجاه إسرائيل قائلا: خلال ساعتين ونصف ما سمعته من ولي العهد السعودي حول إسرائيل كان مدهشا، سيطير عقلكم لو علمتم كيف يفكر هذا الرجل.
واستطرد: لقد سألته ماذا يمكن أن يفعل الفلسطينيون؟ فقال: “الأمر بسيط يحتاجون إلى استنساخ إسرائيل”.
دور القحطاني
أما سعود القحطاني، فتفانى في تنفيذ توجيهات “بن سلمان” بتجميل صورة إسرائيل لدى الرأي العام، بهدف إضفاء شرعية على تطوير العلاقات معها وتهيئة الأجواء لإحداث تحوّل على طابع هذه العلاقات وإخراجها من دائرة السرية إلى العلن، بحسب ما كشفته صحيفتا “معاريف” الإسرائيلية و”ول ستريت جورنال” الأميركية.
”جاكي خوجي” الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، أوضح في مقال له في الصحيفة الإسرائيلية، أن كتابات الصحفيين والمعلقين السعوديين المرتبطين بدوائر الحكم في الرياض بدأت تحت تأثير تعليمات “القحطاني” الإشادة بإسرائيل والتعاطف معها ومعاداة الفلسطينيين.
”القحطاني” الذي أقيل من منصبه بعد التحقيق في حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول أكتوبر/تشرين الأول 2018، استخدم أجهزة إسرائيلية للتجسس على تركيا وقطر وفرنسا.
واعتبر الإعلام العبري والغربي إقالة “القحطاني” وأحمد عسيري المقربين من ولي العهد السعودي على خلفية حادث خاشقجي، بمثابة انتكاسة في إقامة علاقات أوثق بين السعودية وإسرائيل، مشيرين إلى دور الرجلين في الاتصالات السرية بين بلادهم وإسرائيل.
تهيئة الرأي العام
وكشفت دراسة إسرائيلية أعدّها مركز “دراسة وسائل الإعلام في الشرق الأوسط” (MEMRI)، في أغسطس/ آب 2016، أي بعد أقل من شهرين من تداول نصائح بن زايد لابن سلمان، عن ما وصفته بـ”التغيير الإيجابيّ” في تعامل الكُتّاب السعوديين مع إسرائيل لتهيئة الرأي العام للتطبيع.
وبرأي الدراسة الصهيونيّة، فإنّ هذا الجدال اشتعل في شهر يوليو/تموز 2016، عندما ترأس الجنرال السعوديّ المُتقاعد، أنور عشقي وفدا سعوديّا، وزار إسرائيل، ونشر صورة أعضاء الوفد برفقة عددٍ من السياسيين الإسرائيليين.
وأشارت أيضا إلى أنّه صحيح أنّ الجنرال عشقي، وهو أيضا مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسيّة في جدّة بالسعوديّة، قال إنّه يُمثّل نفسه فقط، وأنّ السلطات الرسميّة السعوديّة لم تكُن على علم بالزيارة لإسرائيل مسبقا، لأنّ الزيارة كانت شخصيّة وخاصّة، كما قال إنّ الزيارة تمّت بناءً على دعوة تلّقاها من السلطة الفلسطينيّة في رام الله.
ومع كلّ ذلك، أضافت الدراسة، أن الجنرال عشقي أوضح أنّ المملكة العربيّة السعوديّة لا تمنع أيّ مواطن سعوديّ من القيام بزيارات مماثلة للدولة العبريّة، وعلاوة على ذلك لم ينفِ وجود تنسيق أمنيّ- مُخابراتيّ بين السعوديّة وإسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب، على حدّ تعبيره.
مصالح “بن سلمان”
ولي العهد السعودي، أثبت صحة ما جاء في الدراسة الإسرائيلية، حين أطلق تصريحات مثيرة لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية في أبريل/نيسان 2018، قال فيها: “لا مشكلة لنا مع اليهود ولدينا مصالح مع إسرائيل”.
وأضاف أن لـ”الفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك دولتهم الخاصة، لكن في الوقت نفسه يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية”.
وشدد بن سلمان في حديثه، على أن بلاده “ليس لديها مشكلة مع اليهود”، قائلا: “نبينا محمد تزوج امرأة يهودية، جيرانه كانوا يهودا، ستجد الكثير من اليهود في السعودية قادمين من أمريكا وأوروبا”.
ولفت ولي العهد السعودي إلى أن هناك الكثير من المصالح التي تتقاسمها بلاده مع “إسرائيل”، خاصة أنها “دولة” ذات اقتصاد كبير مقارنة بحجمها، موضحا أنه “إذا كان هناك سلام بيننا فسيكون هناك الكثير من المصالح المتبادلة بين إسرائيل ومجلس التعاون الخليجي ودول مثل مصر والأردن”.
تصريحات “بن سلمان” استبقتها تقارير صحفية، كشفت عن دخول المملكة مرحلة اللقاءات المباشرة وعرض الأفكار والمناقشة الثنائية مع تل أبيب، وهرولة الرياض لتحسين علاقتها مع “إسرائيل”، وتبنيها بعض المواقف السياسية والقضايا في المنطقة.
ونقلت التقارير في مارس/آذار 2018، عن مسؤول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، تأكيده أن العاصمة المصرية القاهرة استقبلت، خلال الأسبوع الأول من شهر مارس 2018، بأحد فنادقها الكبيرة، مسؤولين سعوديين وآخرين إسرائيليين على طاولة نقاش واحدة، بحضور مسؤولين مصريين رفيعي المستوى.
تطبيع إعلامي
وبدورها، عكفت وسائل الإعلام الحكومية الموالية لابن سلمان على رسم صورة وردية عن العلاقات الإسرائيلية وأولت اهتماما أكبر إزاء التطبيع، ما أسقط أقنعة عديدة عن كتّاب وصحافيين كثر، إذ طالب بعضهم بتمثيل دبلوماسي رفيع المستوى بين البلدين، بينما قال آخرون إن القضية الفلسطينية ليست قضية المملكة ويتحتم على السعودية تجريب السلام مع إسرائيل.
وطفح الإعلام المرئي من محطات محسوبة على السلطة السعودية، بأصوات منادية، في بادرة معلومة المقصد، عبر برامج ذات نسب مشاهدة عالية، بالتطبيع العلني مع تل أبيب، إذ بادر مقدّم برنامج “أكشن يا دوري”، وليد الفراج، بتأييد وجود لاعبين إسرائيليين في بطولة العالم للشطرنج في الرياض، في تعبير ضمني على موافقة الدولة على استضافتهم، نهاية ديسمبر/كانون الأول2017.
وأصبحت مؤسسات إعلامية سعودية كصحف “مكة”، و”الخليج” و”إيلاف” الإلكترونيتين من أبرز الأبواق التي أصبح شغلها الشاغل الترويج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتعامل معها باعتبارها وجهة نظر، وليس جريمة كما كان يُنظر لها في العالم العربي في الماضي.
وبدأت النُخب والرموز السعودية الإعلامية والثقافية، تصبح ضيوف شرف على عناوين الصحف الإسرائيلية، التي تشيد بمواقفهم من التطبيع بشكل عام، ومن القضية الفلسطينية بشكل خاص.
وذلك كما حدث مؤخرا مع صحيفة “جورزليم بوست”، والتي احتفت في عددها الصادر الثلاثاء 07 مايو/أيار الماضي، بتعليقات عدد من الكتاب والصحفيين السعوديين كعبد الحميد الحكيم، وتركي الحمد، وعبد الحميد الغبين، التي أعربوا فيها عن دعمهم للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ومهاجمة أي رد فعل تقوم به فصائل المقاومة الفلسطينية ردا على ذلك العدوان وهو ما باركته صفحة “إسرائيل بالعربية” أيضا.