في العالم عامة وفي سوق الفن خاصة، لا أحد يعتبر أن للمال رائحة على الإطلاق، فهو تماما مثل أول أكسيد الكربون الذي يمكن أن يكون قاتلا دون أن تشم له رائحة، غير أن بعض البلدان التي تتبنى المبادئ الديمقراطية النسبية اليوم هي التي تستثمر أكثر في الثقافة وتقوم بأكبر عمليات الاستحواذ في سوق الفن.
وتحت عنوان “العلا أو كيف تشتري السعودية الثقافة الفرنسية؟”، قال موقع ميديابارت الفرنسي إن السعودية تطوّر هذا المكان الهائل بعشرات المليارات من الدولارات وبشراكة واسعة النطاق مع فرنسا، وذلك بالتواطؤ مع الهيئات الثقافية والفنانين، لتصبح الثقافة حصان طروادة جيوسياسيا.
ويبرز الموقع أنه لا يمكن لمن يزور معهد العالم العربي بباريس هذه الأيام إلا أن يلاحظ تلك اللافتة الكبيرة أمامه التي كتب عليها “العلا.. أعجوبة المملكة”، وهو عنوان معرضٍ مستمر في هذا المعهد حتى 8 مارس/آذار المقبل.
ولاحظ الموقع أن القائمين على المعرض فضلوا عدم ذكر “السعودية” في اللافتة، متسائلا “أذلك مخافة إثارة الرعب لدى الزائر الباريسي؟”.
ومع ذلك، يقول ميديابارت، يأخذنا المعرض مباشرة إلى قلب البلاد التي يقودها بقبضة من حديد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكن الزائر لن يكتشف، من خلال هذا المعرض، أي شيء عن الانتهاكات المرتكبة ضد المعارضين السياسيين بالسعودية ولا عن حرب اليمن.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل، وفقا لميديابارت، على أن حملة التواصل التي تنفذها السعودية بفرنسا تعمل بشكل رائع، ويمكن للمستثمرين الفرنسيين فرك أيديهم ابتهاجا، مما يعني أنه، من خلال الثقافة، تلتقي المصالح الاقتصادية الفرنسية والضرورات الجيوسياسية السعودية.
الديمقراطية الزائفة
من جهة أخرى قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية -في مقال بقلم فرانشيسكو بونامي- إن معظم الدول التي تستثمر أكثر في الثقافة تحاول الاختباء وراء قناع من “الديمقراطية الزائفة” ما عدا السعودية التي لا تبذل أي جهد في هذا الاتجاه.
ولذلك تساءلت الصحيفة -بناء على تنظيم معرض “صحراء X العلا” في السعودية- هل يجب أن ترفض الثقافة التمويل من الدول غير الديمقراطية؟ مشيرة إلى ما يثيره هذا الموضوع من نقاش في عالم الفن.
ولكن يبدو أن الغطرسة تؤتي ثمارها، كما يقول الكاتب، وذلك أن العديد من المؤسسات الثقافية وأندية كرة القدم مستعدة لقبول الدعوات من السعوديين للمساهمة في صناعة الترفيه والثقافة المحلية، وهم يجدون دائما العذر المناسب لتبرير وجودهم في بلد يفرض القوانين والعقوبات على النساء خاصة، رغم أن ذلك لا يمكن تصوره وهو غير مقبول في النظام الديمقراطي.
فاسد أخلاقيا
وأشار الكاتب إلى أن جدلا نشب حديثا ضد منظمي ومنسقي معرض “صحراء X العلا” في الهواء الطلق، وهو معرض يقام في الصحراء كل سنتين، وقد ولد في وادي كوتشيلا في كاليفورنيا، ولكنه هذه السنة ينظم في واحة العلا بالقرب من المدينة المنورة بالسعودية ويستمر حتى 7 مارس/آذار المقبل، وهو عبارة عن حوالي 14 منشأة موقعة من قبل عدد من الفنانين أغلبهم غربيون.
وقد وصف الناقد المؤثر في لوس أنجلوس تايمز كريستوفر نايت المعرض بأنه “فاسد أخلاقيا”، كما استقال احتجاجا عليه ثلاثة أعضاء من مجلس إدارة منظمة “صحراء X العلا”.
وقال الكاتب إن الفنانين المدعوين لهذا المعرض بمن فيهم عدد من النساء، دافعوا عنه دون تحكيم الضمير، مدعين أن المشاركة في هذا المشروع كانت وسيلة لتعزيز الديمقراطية والاحتفال بالتأثير الثقافي للمرأة في العالم الإسلامي، حتى إن مجموعة الفنانين الدانماركيين تبثت أراجيح بحجة أنها ستكون متاحة للنساء.
أما القائمون على المعرض فقد أعلنوا أن مثل هذا المعرض يمثل حوارا للفنانين مع المناظر الطبيعية، وهو بطبيعته يختار المنظر الطبيعي ولا يهمه البلد الذي يوجد فيه، وهو بالتالي “عابر للحدود”.
وقال الكاتب إن السلطات السعودية لم تعلق على هذا الموضوع، وهي تكتفي بمراقبة المشهد بارتياح، سواء كان الأمر يتعلق بالمناظر الطبيعية أو بالأعمال الفنية أو حتى بالخلافات والجدل الذي لا يصلها منه إلا القليل، رغم أن الشراكة بين كاليفورنيا والسعودية لم تزل تتصدر العناوين.
وخلص الكاتب إلى أن قصة هذا المعرض توضح أن الفن المعاصر -في مواجهة بعض المقترحات- عليه أن يطرح الأسئلة الصحيحة، وأن يتخذ موقفا حازما، ليس فقط ضد المجرمين من المانحين في الغرب، ولكن أيضا ضد المآسي التي لا تغتفر في الحقوق والكرامة الإنسانية، لأنه ليس فرصة جيدة.