الضغوط الأميركية والدولية على السعودية لإنهاء حربها في اليمن تصاعدت مؤخرا، في ظل تفاؤل البعض بنجاح هذه الضغوط وتشاؤم البعض الآخر.
تأتي هذه الضغوط أيضا وسط تساؤل متابعين عن مدى قدرتها على تمثيل مسار للحل السياسي في اليمن، يمكن الشرعية من انتهاز الفرصة لفك الارتباط الوثيق بالسعودية وتحقيق قدر من الاستقلالية في قرارها.
وبعد إعلان الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أن إنهاء الحرب في اليمن من أولوياته، وتعيينه مبعوثا خاصا في اليمن، صوّت البرلمان الأوروبي في 11 فبراير/شباط 2021 على قرار دعا إلى الانسحاب الفوري للقوات الأجنبية من اليمن.
قبلها، وفي مطلع فبراير/شباط 2021، أعلنت إيطاليا وقف بيع 12 ألفا و700 صاروخ إلى السعودية، بعد قرار بلجيكي مماثل، وتمديد ألماني آخر لقرار إيقاف بيع الأسلحة للسعودية.
مقابل هذه القرارات التي تشكل ضغطا هائلا على السعودية والقوات التي تقاتل إلى جانبها، أعلنت الخارجية الأميركية في 11 فبراير/شباط 2021، عزمها إلغاء قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تصنيف “الحوثي” جماعة إرهابية.
وحسب مجلة ذا هيل: “كان لخطاب بايدن في مقر وزارة الخارجية في 4 فبراير/شباط 2021، تأثير واضح على توجهات سياسته الخارجية، حيث كان إعلانه عن إنهاء الدعم الأميركي للعمليات الهجومية السعودية في اليمن هو الخبر الرئيس”.
ووفق الصحيفة الأميركية: “تم التأكيد على هذه النقطة في مقابلة أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع قناة MSNBC مطلع فبراير/شباط 2021، بالتزامن مع اتصالات دبلوماسية واسعة يجريها بلينكن”.
تحركات طهران
في مقابل هذه الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن على السعودية، تم الانفتاح على إيران من قبل المجتمع الدولي، وفي مطلع فبراير/شباط 2021، بدأت تحركات دبلوماسية دولية، من أجل التوصل لحل للأزمة السياسية في اليمن وإنهاء الحرب.
في 7 فبراير/شباط 2021، بدأ المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث زيارته إلى طهران ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن مكتب غريفيث أن الزيارة استغرقت يومين، التقى خلالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وعددا من المسؤولين الإيرانيين.
وأوضح مكتب غريفيث أن الزيارة تأتي ضمن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المبعوث الخاص للتوصل إلى حل سياسي للنزاع في اليمن عن طريق التفاوض، بما يلبي تطلعات الشعب اليمني، حد وصفه.
مضيفا أن الاتفاق يشمل دعم اتفاق بين طرفي النزاع حول وقف لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد، وتطبيق تدابير إنسانية عاجلة واستئناف العملية السياسية أولى أولويات المبعوث الخاص”.
وسبق لظريف إعلان استعداد إيران لدعم أي دور فاعل للأمم المتحدة لحل الأزمة في اليمن، غير أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده صرح أن الموقف الأميركي الجديد بشأن اليمن يمكن أن يؤدي إلى الحل السياسي لتسوية الأزمة اليمنية، إذا لم يكن مناورة سياسية.
وأضاف زاده: “نحن سعداء أن الأطراف التي كانت تظن أنها قادرة على الوصول لأهدافها عبر الحرب والدمار، أدركت اليوم أن الخيار الصحيح هو وقف إراقة الدماء في اليمن، وأن الحوار اليمني اليمني ممكن إذا وافقت السعودية على إنهاء الحصار وأوقفت الهجوم العسكري على اليمنيين”.
قناة الميادين نقلت أن غريفيث قدم عرضا لإيران قضى بأن ترفع أميركا الدعم عن السعودية في اليمن، مقابل أن ترفع إيران يدها عن جماعة الحوثي، غير أن إيران رفضت العرض الأميركي.
ووفق الميادين، فإن وقف عمليات التحالف وفك الحظر المفروض على اليمن ستقابله طهران بالتوسط لدى الحوثيين بإيقاف هجماتها في اليمن وعلى السعودية.
وتعرض إيران لوقف دعمها للحوثيين أن يتم الاعتراف بالحوثيين كسلطة شرعية، وهو الأمر الذي نقلته الميادين قائلة: “طهران أبلغت غريفيث أن رد الحوثيين قد تضمن أن يتم الاعتراف بهم كسلطة شرعية مقابل وقفهم للعمليات العسكرية، مضيفة أن الحوثيين أعلنت أن تفاوضها مع السعودية سيكون عند نقطتي التعويضات وإعادة الإعمار”.
لكن وفق مراقبين، فإنه حتى لو تم الاعتراف بالحوثيين كسلطة شرعية، فمن غير المرجح أن توقف طهران دعمها للحوثيين، أي أن الحديث عن إيقاف الدعم يأتي كمناورة سياسية من قبل طهران، من أجل الحصول على أعلى قدر من المكاسب.
اقتناص الفرصة
بين كل الضغوطات التي تمارس على الرياض وطهران، يتساءل متابعون هل يمكن للشرعية، في ظل هذا الزخم الدولي، أن تلتقط اللحظة وتعزز حضورها الدولي ونشاطها السياسي بما يحقق لها قدرا من الاستقلالية في قرارها المختطف من قبل السعودية، وبما يسهم بفك ارتباطها الوثيق بالسعودية.
حسب ياسين التميمي، فإن الشرعية اليمنية المقيمة في الرياض منذ أكثر من 5 سنوات، “قد تخذل المتفائلين بأنها سوف تستثمر هذا الحراك الدبلوماسي من أجل تحقيق قدر عال من الاستقلالية بقرارها”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني: “بالنسبة للسلطة الشرعية، بطبيعة الحال، بقيادتها المهترئة، لا أعتقد أنها ستقنص هذه الفرصة، وتغير من تكتيكها، أو على الأقل تحاول أن تغير قواعد اللعبة والتحرر من الضغوط وحالة الاحتواء التي تمارسها السعودية عليها”.
مضيفا: “المسألة مرتبطة بحركة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو ليس قائدا يليق بهذه المرحلة، ولا ننتظر منه أن يتحرك بما يعبر عن تطلعات الشعب اليمني”.
يضيف التميمي: “المسألة ميؤوس منها ، لهذا أنا أعتقد أن الأمر سيتعلق بالشعب اليمني وبالقوات الحية، وبنخبه التي يتعين عليها أن تتحرك وتعمل على تغيير المعادلة وتفرض نفسها في سياق هذه المعادلة الحالية”.
وتابع: “إن لم تفعل ذلك، فأعتقد أن الأمور ماضية باتجاه تسوية الحرب على أساس أن هناك طرفين في المعادلة، أولهما السعودية ومن يساندها، وفي الطرف الثاني الحوثيون وإيران ومن يساندهم”.
وعن سر تحييد واشنطن للشرعية، يقول التميمي: “الولايات المتحدة دائما تأخذ بعين الاعتبار الأمن السعودي، ولا تأخذ بعين الاعتبار الجذور اليمنية للمشكلة وأسس الصراع، ودائما تذهب إلى مراضاة الحوثيين”.
والدليل على ذلك وفق التميمي: “هذه الإدارة أعلنت عزمها رفع أسماءهم من قائمة الإرهاب، وبالتالي فهي ماضية بالتعامل معهم كطرف أساسي، وربما يكون طرفا مقابلا للسعودية في معادلة الصراع، وهذا يعني أنه يمكن تحييد السلطة الشرعية”.
وحسب التميمي: فإن الولايات المتحدة لا تهتم باليمن، وإنما تهتم بالسعودية نفسها، التي حصلت على دعم مفتوح من ترامب مقابل السكوت عن انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان واستمرار الحرب في اليمن والتداعيات الإنسانية”.
مضيفا: “وهو الأمر الذي دفع إدارة بايدن للتحرك كي تثبت لنفسها ولمؤيديها بأنها جادة فعلا فيما كانت تنتقده وما كان الحزب الديمقراطي ينتقده عندما كان في المعارضة وعندما كان الحزب الجمهوري يحكم ممثلا بالرئيس ترامب”.
وختم التميمي بالقول: “يجب إدراك أن تحرك واشنطن الواسع والرغبة الأميركية بحل الأزمة وإيقاف الحرب في اليمن والتي تجلت في تعيين مبعوث أمريكي في اليمن تشير إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تغلق ملف لطالما كان مثار جدل أو سبب من أسباب الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين، وكان سببا في إدانة ترامب والضغط عليه”.